عائشة العاجل: ضيوف البيت أكثر من ساكنيه

الجسرة الثقافية الالكترونية-الخليج-
ترصد الكاتبة والإعلامية عائشة العاجل العلاقة الروحية التي تربطها بشهر رمضان المبارك، من خلال ذاكرة مديدة، تربط بين لحظتها الراهنة وطفولتها، ليس عبر التوصيف الذي يلجأ إليه الكاتب، وإنما بروح الباحث، المتفحص، الذي يجمع بين ما هو بانورامي وتفاصيلي، في آن، وهو ليس بغريب عن العاجل التي بدأت تجربتها الكتابية الأولى بخطين متوازيين، هما: البحث والإبداع القصصي .
تقول: “رمضان يحملني ككل البشر على أكف الرحمة الإلهية فنتجول معه في دواخلنا المرهقة والمؤرقة والمشتغلة طوال العام على تحقيق لأمنيات ورغبات وتجديد لأفكار وكتابات، وبحث ودراسة وعمل وعلاقات إنسانية بعضها يحتاج إلى ترميم” .
وتضيف العاجل: “رمضان وحده يعيدنا إلينا، فنصير بإنسانيتنا متفاعلين مع ذاتنا المشتغلة مع الحياة، بوجوهها وظروفها وتبدل أحوالها وسرعة عجلتها التي تلتهم منا حتى الصبر، في رمضان نشتغل على ذواتنا ودواخلنا فنعيد ترتيب أولوياتنا ونشحذ الهمم والطاقات ونحاول تعويض كل شيء بشيء جميل مغلف بالحب والتراحم، ورمضان فرصة للالتقاء مع الروح ومحاولة لرتق ما فتق من جلبابها إثر الظروف والأحوال، فما يمر على الإنسان خلال فصول العام كثير ومثير ومؤثر في الوقت نفسه، ولأن الإنسان بطبيعته متأثر بالمحيط فكل ما يجري حوله هو جزء منه، ويبقى في محاولة العودة لداخله ولذاته من دون جدوى . رمضان يشدنا إلينا ويوثق صلتنا بالكلمة الطيبة والخلق الحسن والفضائل ويقوي عرى تواصلنا مع الآخر ومع الأشياء، فالارتباط له صفة مغايرة في رمضان، والصوم له فوائد على الروح والنفس والذات وعلى ضبط رغبات الإنسان، وفي صورة أسمى على وضع معايير لكل شيء في داخله وعلى محيطه، هو نعمة لا تحصى فوائدها، وحري بنا استغلال أوقاته في ما يخدم إنسانيتنا وعلاقتنا بنفسنا وخالقنا” .
وتقول عائشة العاجل: تغير تعاطي البشر مع رمضان ، فسابقاً كان للعلاقات الإنسانية في رمضان طعم مختلف، فالأبواب مشرعة وضيوف البيت أكثر من عدد ساكنيه، واليوم تكتظ المجالس الرمضانية وتلتف حول موضوعات حياتية أكثر منها دينية أو تربوية أو أخلاقية، الناس شغلتهم اهتماماتهم وظروف حياتهم فانشغلوا عن مقاصد رمضان وعن هباته ونفحاته وعن روحانياته، كل شيء اليوم مغلف بعبارات رمضانية تفوح منها رائحة المظهرية في الفعل والتصرف ولا أكثر” .
وعن انعكاس الجلسات الرمضانية على العلاقات الاجتماعية، تقول العاجل: “كانت سابقاً جلسات الذكر في المسجد التي عرفتنا إلى صديقات للعمر، تشاركنا في الكثير من الأعمال التي نسأل الله أن يبقى لها الأثر في الوجدان الإنساني، في السابق كانت صلاة التراويح أغلى وأثمن من مجرد عبادة، ففيها نلتقي بأرواح صادقة، نقبل رؤوس الأمهات فتنهال علينا دعوات الطهر من قلوب راغبة في مزيد من العطاء الرباني في شهر التفضل والخيرات” .
وعن ذكرياتها الرمضانية الشخصية تقول العاجل: “كنا صغاراً وكانت أمي تنهرنا عن الذهاب للعب في المسجد باعتبار أنه مكان للعبادة، ولكنها كانت متعتنا في تقليد الكبار وفي لبس العباءة والشيلة أو الخمار لتغطية الرأس، كنا نتعب ونتجاسر على تعبنا من الوقوف من أجل أن نصير كباراً، نتحلق حولهم كالفراشات وبفضول نسترق السمع من حديثهم حيث تعلمنا الكثير في المسجد بعد وقبل الصلاة، تعلمنا أن الرفقة الحسنة منافعها كثيرة والكلمة الطيبة تأسر القلوب، وأن لا فرق بين البشر وأنهم في هذه البقعة الرحمانية أخوة وأقرب رغم اختلاف ألسنتهم أحياناً” .
وحول أنواع الاستعداد لشهر رمضان، تقول: “كنا نستعد لرمضان واختلف الاستعداد كثيراً، فلا يقتصر استعدادنا على الطعام؛ بل كنا نستعد نفسياً فيتغير محور حديثنا اليومي، ونبدأ بوضع جداول لقراءة القرآن وأحياناً لحفظه، نضع مسابقات بعد الإفطار للأطفال عن السيرة النبوية والصحابة والتابعين، نعيد ترتيب مجالسنا بحيث تكون أكثر حميمية وقرباً من الجد والجدة، نجهز هدايا رمضان لصديقات أمي (الكبيرات في السن واللاتي أرهقهن الكبر فلم يعدن قادرات على الحركة) ونضع جدولاً لزيارتهن، كان رمضان بالنسبة إلينا عيداً بفرحة موزعة على القلوب” .
وتقول عائشة العاجل: “ولله الحمد ما زال في رمضان اليوم بعض التفاصيل التي نقبض عليها بكل ما أوتينا من قوة لأننا مؤمنين بأن رسالة رمضان لا تتغير، ولكن البشر هم المتغيرون، فالظروف المحيطة بالبعض غالباً ما تعصف بالكثير من الرفق والرحمة والجمال ولا تخلف وراءها إلا الغث الذي لا ينفع ولا يسر” .