‘ليل علي بابا الحزين’ .. تراتبية الأحداث العراقية في زمنين

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

 

سامر مزهر

 

“ليل علي بابا الحزين” رواية صدرت للروائي عبدالخالق الركابي بعد الاجتياح الاميركي للعراق عام 2003 حيث جاءت تراتبية الاحداث التي بناها السارد في زمنين؛ الزمن الاول هو حقبة الاحتلال البريطاني، تداعياته ومخلفاته وصولاً الى زمن الحصار وأثره على سلوكيات الانسان وعلاقاته وما أفرزته من نتائج تسببت في ظلم واضطهاد الانسان لأخيه الانسان (الوشاية – النميمة – الكذب – الجوع – الحرمان – السجون) مفاهيم ترسخت في زمن القحط (الحصار المقيت) حيث افصح عنها الكاتب في بنائه السردي وتفاعل علاقاته مع شخوص الاحداث.

 

أما الزمن الآخر فهو زمن ما بعد عام 2003 زمن احتلال القوات الاميركية للعراق (الاجتياح) الذي أدخلنا في مرحلة اختلت بها كل القيم والمفاهيم والادبيات السلوكية مع ظهور مفاهيم ومصطلحات اقترنت بذلك السلوك (الحواسم – علي بابا – العّلاسة – البحّارة) وهي تشويه الذات العراقية النبيلة والحط من قيمتها، وهي تداعيات رسخها المحتل في نفوس الساذجين من المجتمع، وما العنوان “ليل علي بابا الحزين” إلا تعبيراً دقيقاً عن تلك السلوكيات جراء الاجتياح الاميركي المقيت.

 

بعض أجزاء الرواية خصصه الكاتب للحديث عن حقبة الاحتلال البريطاني للعراق ومخلفاته واثره على بنية الحياة الاقتصادية والثقافية والفكرية، وكيف استطاع هذا المستعمر ان يستحوذ على مقدرات البلد الحضارية والثقافية بوضع تبريرات لذلك، وهو الاهتمام باالآثار واللقى الطينية وكيفية الحفاظ عليها. هذا هو الوجه المعلن وما خُفي كان أعظم حيث كشف لنا الكاتب عن تلك النوازع الهادفة والمقصودة لإفراغ العراق من محتواه الفكري والحضاري والثقافي وحتى الاقتصادي بوساطة أُناس خدموا المستعمر البريطاني وسهلوا مهمته.

 

(بدر) ذلك الصبي والشاب والطاعن في السن فيما بعد هو المُنّفذ المطيع لمآرب المستر (تومسون) لص الآثار والجاسوس البريطاني المتميز وسكرتيرة الشرق الاوسط (المس بيل) المرأة الداهية التي حكمت العراق بتنصيب فيصل وهو من عرب الجزيرة ملكاً على العراق رغماً عن أنوفنا حتى قيام ثورة العشرين والخلاص من ذلك المستعمر الذي هو امتداد طبيعي للاحتلال الاميركي.

 

هناك وجهٌ مشرق للحب الحقيقي الصادق النقي المتمثل بـ (دنيا) المسيحية التي أحبت (يحيى) ذلك المسلم صاحب مكتبة الاستنساخ الذي انتشلها من حالات العوز المادي وهي المعيلة لاقربائها المسنين بتوفير فرصة العمل في مكتبته بعد إنهاء خدماتها من العمل في متحف الآثار من قبل (بدر) مسؤول ادارة المتحف لعدم خضوعها لرغباته وتكللت نهاية الحب الذي جمع (يحيى) بـ (دنيا) بالزواج الذي أفصح عن مضمون التعايش السلمي والمحبة المتبادلة بين أطياف ومكونات المجتمع العراقي، الحب الذي يسمو على العرق والطائفة والدين والمذهب ولكن سرعان ما انقلبت هذه الامور رأساً على عقب.

 

حيث إن اعدام احد اقرباء يحيى من قبل السلطة السابقة وهو احد ضحاياها وفّر فرصة ذهبية لـ (يحيى) بالعمل في المنفذ الحدودي الذي درَّ عليه الكثير من الاموال غير المشروعة وهي (الرشاوى) التي يفرضها على سائقي الشاحنات لغرض العبور والتي ساهمت في تحسين وضعه الاقتصادي، حيث قرر الكاتب ان يضعنا في نهاية درامية حزينة بفقدان يحيى وعدم معرفة مصيره بمساهمته في عبور عشرات الشاحنات على منفذ الحدود التي يعمل بها وهي محملة بلحوم الدواجن الفاسدة مقابل الحصول على المال والثروة، ربما ذلك سبب وجيه لإختطافهِ هذا الى جانب اعتراف زوجته المسيحية (دنيا) التي حَملت بجنين في بطنها تهدف به الى الاستحواذ على بيت مترف يقع في شارع الاميرات بعد يقينها بعدم تحقيق هذه الغاية غادرت العراق مُهاجرة الى الولايات المتحدة الاميركية مع وليدها التي فضلت النجاة به وسط زبانية جهنم فقررت الرحيل بلا عودة، منذ ان خيم هذا الليل الحزين على وطنها دون وداع، مدركة ان الطمع مرضٌ يفتكُ بالإنسان ويحيلهُ الى رماد ليس له ثمن عكس مفهوم الحب باهظ المعنى والثمن.

المصدر:  ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى