ماريا بوحبيب: أستحضر الأشكال من الذاكرة

الجسرة الالكترونية الثقافية-السفيير-

مع افتتاح الدورة الثالثة لمؤتمر «الحضور اللبناني في العالم»، بدأ معرض الفنانة ماريا بو حبيب الذي يضم 35 لوحة تحت عنوان «درب الفن»، ويستمر لغاية 30 الجاري، في حرم جامعة الروح القدس ـ الكسليك. تجمع فيه مراحل من حياتها الفنية المتنوعة بين تصوير العلاقات الإنسانية الحميمية وأشكال العمارة الشرقية ومناخات الحزن والفرح، والتعبير عن الدهشة بأماكن في العالم زارتها الفنانة، وتصوير ألفة الأمكنة، بأسلوب أقرب إلى التبسيط الهندسي والشكلي، الذي يجمع بين تصوير الوقائع واختزالها في آن، أو تمثيلها ممزوجة بأحاسيس الداخل وانزياحات المخيلة.

حول معرضها هذا الحوار:

 

÷ تقصدين بعنوان معرضك «درب الفن» دربك أنت بالطبع؟

ـ نعم، لأن المعرض يضم مراحل أعمالي، وقد اخترت من كل مرحلة بعض الأعمال لأقدم تجربتي. وقد حرصت على أن ألبي دعوة الجامعة إلى إقامة هذا المعرض كوني علّمت فيها ثماني سنوات، وساهمت في تنسيق هذا المؤتمر الدولي الذي أقيم فيها. ولما أقمت من قبل معارض في مراكز ثقافية (الألماني والأسباني) فإن إقامة معرض في الجامعة يشكل علاقة مختلفة بجمهور مختلف، وكنت مهتمة بذلك.

÷ في الكلمة التي كتبتِها في كتيب المعرض تركزين على موضوع الهوية مع أن لوحاتك لا تحمل هذا الخطاب؟

ـ لم اقصد أن معرضي يحمل هوية محددة، ولست متعصبة لهوية فنية ثابتة، فأنا تأسست في أكثر من بلد، في روسيا وفرنسا، وتأثرت بالعديد مما رأيت من خلال مشاركاتي المختلفة في العالم، فأنا عشت سنوات في الخارج ولمّا أزل جوالة بين دولة وأخرى. أما موضوع الهوية فقد أتى من مساهمتي في المؤتمر، ومن إصرار الجامعة على أن أبرز في المعرض هويتي كفنانة، أقصد هويتي الخاصة، بعيداً عن الكلام على هويات أوسع وأشمل.

÷ ربما نجد في معرضك خيطاً يربط مرحلة بأخرى، غير أنه ينطلق من اتجاه ويصل إلى اتجاهات مغايرة. إذ نراك تنتقلين من الواقعية التشبيهية إلى التجريد والرمزية.

ـ كما ترى الأعمال مرتّبة كمراحل. ولا مانع لديّ من أن أغير أو أتغير في فني، فأنا تأسست في روسيا على الفن الواقعي، في أكاديمية «ريبين» في سان بطرسبورغ على يد الفنان الروسي الشهير زوكوف، وفي مونبيلييه الفرنسية على يد الفنان الإيطالي جان لوتشيا. ثم درست في محترف فسيفساء الطريقة الإيطالية التي طوروا فيها الطريقة البيزنطية. وبالإضافة إلى ذلك أقيمُ من خلال أعمالي تجارب على تجريد بعض الأشكال بأسلوب شخصي.

÷ مثلاً…

ـ هذا ما فعلته في «ألبا» وقد «كسرت رأسي» لأخرج بنتيجة، عندما اشتغلت في تجريد شكل الساعة الموجودة في جميع أعمالي تقريباً، كل مرة بشكل مختلف، مرة على شكل أفعى، وأخرى رأس شخص أو قاعدة مبنى. كذلك اشتغلت في تجريد الجسد والقنطرة الشرقية وواجهات الأبنية، فالبعض يرى في لوحتي القنطرةَ مسيحيةً والبعض الآخر إسلاميةً، لكنني أراها شرقية. درستُها كخطوط وانحناءات وموقع في اللوحة. وعملت على تبسيط الأشكال حتى وصلت إلى الاختصارات التي تراها، والتي وافقني عليها البعض واعترض البعض الآخر.

÷ تصورين دائماً الأماكن المأهولة وتهربين من الطبيعة. لماذا؟

ـ صورت الطبيعة، لكن تجريدها صعب ويحتاج إلى دراسات وأبحاث ومجهود كبير.

÷ تتنقلين في لوحاتك بين أماكن تزورينها في العالم. كيف تهربين من الصيغة السياحية للمشهد؟

ـ أنا لا أنقل عن صورة، ولا أرسم أمام مشهد. استحضر الأشكال من الذاكرة، أو ربما أنظر إلى مجموعة من الصور للشكل بسرعة وأبدأ الرسم. وترى في بعض اللوحات كيف أركب المشهد مضيفة إليه من مخيلتي. في «محترف المتين» رسمت أمام المشهد نفسه في الدورتين الأولى والثانية، لكن النتيجة كانت مختلفة والأسلوب كان مختلفاً أيضاً.

÷ تهتمين في لوحتك بالرسم أكثر من التلوين.

ـ في طفولتي كنت أرسم فقط، من دون اهتمام بالتلوين. قد يكون لذلك أثر. لكنني لا أهرب من التلوين، إنما أقرر أحياناً ألا ألوّن. ومع الوقت وجدت نفسي مقلة فيه. يمكن أن أعود إلى التلوين. تلك مسألة مزاج فقط.

تجمعات فنية

÷ تضعين اللون صافياً، بعيداً عن التداخل أو الرقش المتعدد الألوان.

ـ اللون الذي تراه صافياً هو في الأساس مركب من ألوان عدة. فلا أضع اللون صافياً من الأنبوب. على أن التعامل مع المساحات الصافية يحتاج إلى دقة أكبر.

÷ تهتمين بالمشاركة في تجمعات فنية محلية وعالمية. هل يمكنك إطلاعنا على بعض هذه الأنشطة؟

ـ في فرنسا عرضت مع مجموعة «كاش ميزير» التي تضم فنانين اجتمعوا إثر الأزمة المالية التي حدثت في أوروبا عام 2008. جربت في لبنان المساهمة في إقامة تجمع فني باسم «أرتستز»، وإقامة أمسيات نقاش من خلاله، وبالفعل أقمنا من خلاله معرضين وبعض الأنشطة ثم دخلنا في متاهات. لم ينته التجمع لكن أعماله معلقة. ولديّ رغبة في إعادة صوغ الفكرة بطريقة مختلفة، فأنا أحب العمل الجماعي والملتقيات وتجميع الفنانين، لأنني بطبيعتي ضد الفردية، وهذا يبقى حلماً وارداً.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى