«المسرح المصري في القرن التاسع عشر» للبريطاني فيليب سادجروف: حملة نابليون والفرق المسرحية السورية مهدت لتطور الدراما المصرية

الجسرة الثقافية الالكترونية
*رانيا يوسف
في كتابه المسرح المصري في القرن التاسع عشر، الذي ترجمه عمرو زكريا عبد الله وقدمه احمد شمس الدين الحجاجي، يحاول الكاتب البريطاني فيليب سادجروف ان يسجل تاريخ المسرح الأوروبي العربي منذ عام 1799 حتى 1882 ، معتبراً ان تاريخ أول ظهور للمسرح الأوروبي في الدول العربية هو الذي دخل إلى مصر أثناء الحملة الفرنسية بقيادة نابليون للترفيه عن الجاليات الفرنسية.
ويشير المؤلف ان المصريين لم يكونوا على علم بالدراما الكلاسيكية الغربية قبل ان يبنى مسرح فرنسي في القاهرة عام 1899. قبل ذلك لم يكن هناك سوى ما يعرف بمسرح خيال الظل وعروض الدمى والتمثيل الصامت، وكانت هذه العروض تقام في حديقة الأزبكية وسط القاهرة لكنها كانت تقدم محتوى فجا ينفر منه الجمهور عادة، لذلك كان المسرح الأوروبي هو الأسمى، وكانت السلطات تعطيه الأسبقية عن المسرح العربي الوليد، الذي كان ينافس الفرق الأوروبية للحصول على الإعانات المالية. ويؤكد المؤلف انه رغم التفاعل الضعيف بين المسرحين الأوروبي والعربي إلا انه مهد لمولد المسرح العربي فيما بعد.
ويوضح ان دور الحكومة انحصر في إصدار قواعد تنظم السلوك في المسارح لتمنع اضطراب الأمن، حتى جاء الخديوي اسماعيل الذي اهتم بالانفاق على إنشاء مسارح تابعة للدولة بالتزامن مع افتتاح قناة السويس. أما الحركة المسرحية في مصر فبدأت من خلال ترجمة نصوص كلمات الأوبرا، وكانت أول هذه الترجمات أوبريت اوفينباخ هيلين الجميلة، تحت إشراف الطهطاوي، ويوضح ان المسرح المصري بدأ بعد المسرح السوري بحوالي عشرين عاماً، بعد ان عرض مارون النقاش والمسرحية له في بيروت عام 1847، أما بداية المسرح الحديث في مصر فكانت بين عامي 1869 و 1871، وكانت العروض تحمل طابعا تهكميا، من تأليف يعقوب صنوع الذي كان شغوفا بدراسة المسرح الأوروبي، لكنه أراد ان يصنع مسرحاً للمصريين، الذين لم يكن فن
المسرح محببا إليهم. لذلك كان والعمل له، أوبريت شعرياً باللغة العامية، وألحانا شعبية، كان له الفضل في تأسيس المسرح العربي، ويوضح الكتاب انه بعد إغلاق مسرح صنوع عام 1872 أعادت الفرق السورية احياء المسرح بعد أربع سنوات، على يد سليم النقاش وأديب اسحق. بعد فترة قصيرة تَرَكُا الفرقة ليوسف الخياط الذي أضاف بعض العروض الكوميدية إليها، لكن الفرقة واجهت أزمات مالية، ويشير ان سليمان القرداحي تمكن من احياء الفرقة عن طريق ضم المطرب سلامة حجازي إليها. أخذت الدراما الشعبية أشكالا متنوعة في العالم العربي واستمرت بعض هذه الأشكال التقليدية في مصر بعد نمو الأنشطة الدرامية الأوروبية التي ألهمت المسرح العربي، مثل المسرحية الهزلية أو المرتجلة، وكان هذا النوع أقرب إلى أشكال الدراما الحديثة. ويشير المؤلف ان الممثل الهزلي المصري عرف في ذلك الوقت باسم «ابن رابية»، أيضاً هناك مسرح الظل والقرة قوز، الذي أدخله الاحتلال العثماني لمصر، وهو مسرح العرائس أو الأراجوز الذي اشتهر بعد ذلك وأصبح نوعا من فن الحكي السائد في مصر.
وينتهي الكاتب في هذا الجزء إلى ان هذا النوع المسرحي كان يقدم في الاحتفالات الأسرية وأيام الأعياد التي يشاهد فيها القرة قوز وفي حفلات الزفاف، ويشير إلى ان هذه الفرق كانت تُضم فنانين مسلمين ومسيحيين ويهودا مؤكداً على ان التمثيل كان على عكس المهن الأخرى يخطط حدوده التصنيف الديني، بالرغم من ان مهنة التمثيل كانت موضع احتقار من قبل المجتمع في ذلك الوقت، وكان الرجال والصبية يؤدون أدوار النساء بسبب العادات التي كانت تمنع النساء من العمل في مجال الفنون، ويضيف ان الممثلين كانوا يقدمون موضوعات تصور حياة الطبقات الفقيرة المطحونة في المجتمع، والهجوم على طبقة الموظفين الفاسدين والطبقات الحاكمة المتجبرة، والضرائب المفرطة التي كانت تفرضها الحكومة على الناس، وكانت بعض العروض تقدم تلميحات جنسية صريحة، ومن الموضوعات التي شاع طرحها أيضا في عروض القرة قوز والهزليات، الاستهزاء
بالأوروبيين والأقليات الدينية والقدرة الجنسية والهجوم على الفساد. وجدت هذه الموضوعات صدى في المسرح المصري العربي الساخر في العقد الثامن من القرن التاسع عشر، يؤكد المؤلف ان هذه المسرحيات الارتجالية لم تفسح المجال لتطور الحبكة أو الشخصيات، وينتهي إلى ان الضغوط الأوروبية قد دفعت السلطات في عام 1908 إلى حظر القرة قوز في القاهرة.
يعود الكتاب إلى الإشارة لفضل حملة نابليون على مصر في دخول أنواع جديدة من الفنون منها فن المسرح، ويشير إلى انه أثناء الانتفاضة الثورية الأولى عام 1800 دمر المسرح الاول واحترق جانب من حديقة الأزبكية وسط القاهرة، ولكن تمت إعادة بناء المسرح المعروف اليوم بمسرح الجمهورية. ويضيف ان أول إشارة للمسرح الأوروبي في مصر ظهرت بعد دخول نابليون بثلاثين عاماً، موضحاً انه كانت هناك مقاومة محلية قاومت
إعادة إحياء الدراما الأوروبية. في مدينة الاسكندرية شمال مصر كان الوضع أكثر انتعاشاً، كان هناك مسرح تعرض عليه أعمال فرنسية وحفلات موسيقية وراقصة، وفي عام 1942 عرضت ثلاثة اوبريتات في كرنفال الإسكندرية.
يذكر المؤلف ان رغم وجود المسرح الأوروبي في مصر منذ عام 1799 لكن لم تتم ترجمة أو نشر أي عمل درامي عربي، وان حركة الترجمة ركزت منذ العقد الثالث من القرن التاسع عشر على الأعمال التقنية الفنية، وحين فتحت مسارح أوروبية كان التوجه الموسع نحو المسرح الأوروبي تصاحبه ترجمات بعض الأعمال الاوبرالية الأوروبية إلى العربية.
ويؤكد المؤلف ان المسرح الأوروبي هو الذي ألهم الكتاب العرب في مصر وسوريا ليخرجوا من الدراما العربية التقليدية بما فيها من مسرحيات هزلية وخيال ظل، ويؤسسوا الدراما بوصفها جنسا أدبيا في اللغة العربية. يقول صنوع ان حضوره الحفلات الموسيقية الفرنسية أوحى له بكتابة مسرحيات باللغة العربية، كانت أيضاً هناك عناصر خارج مصر تشجع الخديوي على تأسيس مسرح باللغة العربية. يذكر المؤلف ان في عام 1871 اقترحت مجلة «الجنان» البيروتية على أعضاء الحكومة المصرية تأسيس مسرح باللغة العربية، ويشير الكتاب ان هذا ربما يكون دليلا يوحي ان هذا العام هو تاريخ ميلاد المسرح المصري.
يضيف الكتاب ان الهدف من مشروع المسرح القومي العربي وضع المسرح العربي على قدم المساواة مع المسرح الأوروبي في مصر، الاقتراح كان ينقد محاولات مبكرة لإنشاء مسرح عربي، وقد اشترط الاقتراح ان يدمج المسرح القومي في إدارة درانيت التي تتحكم في المسارح الأوروبية، واقترح نموذج مسرح بديل لكوميديات صنوع المستوحاة محلياً، واقترح ان تعرض في البداية مترجمات ثم أعمال مؤلفة، وانتهى المشروع بإعطاء محمد انسي الحق في إعداد فكرة عن إنشاء مسرح عربي.
ويختتم الكتاب بذكر أول تدفق للفرق المسرحية السورية في مصر التي سيطرت على المشهد المسرحي بعد انقطاع النشاط المسرحي باللغة العربية التي كتبها مصريون، مؤكداً ان الصحافة السورية لعبت دوراً هاماً ذلك الوقت، من خلال عدد من التقارير التي كانت تبثها حول النشاط المسرحي، وفي عام 1871 جاءت إشارات على ان إحياء المسرح العربي في مصر قد بدأ بالفعل. اهتمت الصحافة برحلة السوري سليم النقاش إلى مصر، حيث اقنع الخديوي بدعم الفرق المسرحية المحترفة في بيروت، التي جاءت بعروضها إلى مصر.
دعا النقاش وقتها الأديب السوري أديب إسحاق إلى كتابة مسرحيات يخرجها ويمثلها مع الفرقة، وظل النقاش مهتماً بالمسرح حتى فشل في جمع تمويل لاستمرار فرقته، فسلمها إلى أحد أشهر ممثليها يوسف الخياط الذي اشتهر باداء دور النساء. قام الخياط بمحاولات لإحياء المسرح العربي بعد تلقيه تأييدا من الخديوي توفيق، ولكن الفرقة انحلت ولم يعد تشكيلها حتى عام 1884، حيث تكونت فرقة أخرى على بقايا القديمة على يد سليمان القرداحي، الذي ضم إليه الشيخ سلامة حجازي، وأكثر من ممثل. ويشير المؤلف ان هذا القرار ربما كان العامل الأهم الذي أدى إلى تأسيس المسرح العربي الدائم كجزء من المشهد الأدبي.
المصدر: القدس العربي