“رحلة الحب والوفاء”.. كتاب الدكتور أحمد عبدالملك عن الموسيقار الراحل عبدالعزيز ناصر

الأديب والروائي القطري د. أحمد عبدالملك يصف تجربة الفنان الراحل عبدالعزيز ناصر وإبداعه الموسيقي وبصمته الخاصة والمميزة بقوله: يُحسب لعبدالعزيز دورهُ في حفظ التراث الموسيقي القطري وتوثيقه بصورة علمية، ويُحسب له كذلك دورهُ في ولادة الأغنية القطرية الجديدة المعالم، القافزة الأداء، الفائقة الرومانسية، وبحثه الدؤوب عن المفردة الجديدة غير المُستهلكة! لذا وجدناه يبحث عن كل كاتب يمكن أن يُنتج تلك المفردة، ومن هنا جاءت أغانيه مختلفة عن الأغاني الخليجية، وبذلك منح الأغنية القطرية الهوية التي كان يبحث عنها. وهذا هو أول الطريق لمشروعه الفني الثقافي، إلى جانب بحثه عن الأصوات القطرية، وكان يُصّر على أن تكون الكلمات والألحان والأداء للقطريين.

يُحسب لعبدالعزيز ناصر دورهُ في حفظ التراث الموسيقي القطري وتوثيقه بصورة علمية

في حب الوطن

ويرى د. أحمد عبدالملك في كتابه “عبدالعزيز ناصر – رحلة الحب والوفاء”: أن البصمات التي أوجدها الفقيد على الأغنية القطرية لم تتمثل فقط في بحثه عن أصول الغناء الشفاهي من أفواه الناس، بل تتمثل في الأفكار والمفردات التي لحنّها مثل: أصدّر للورق همي، وواجهيني، وحسايف، ويا قطر يا قدر مكتوب، ولين يطرى عليّ لوَل، وأريد وأتمنى الفرح، وتصّور لو الهوى ما كان، ولا تسأليني بعد، وولهان ومسيّ، وعندي أمل، والورود.. وغيرها من الكلمات التي لم يتم التطرق إليها في الأغنية الخليجية. من هنا بدأ المشروع الفني لعبدالعزيز ناصر. ومن فرقة الأضواء الموسيقية برز الفنانون العازفون الذي شكلوا نواة قسم الموسيقى في الإذاعة، وأيضاً ظهر الفنانون المغنون أمثال: فرج عبدالكريم “رحمه الله”، محمد الساعي رحمه الله، محمد رشيد، علي عبدالستار، صقر صالح، سالم غانم، محمد جولو، جمال محمد، وغيرهم. وفي مرحلة تالية وبعد عودة الفقيد من رحلة دراسته عام 1977 بدأ يبحث عن الأصوات الشابة، فظهر ناصر صالح وسعد حمد وغيرهما. كما ساهم الفقيد في نشر اللحن القطري خارج الحدود، وتعاون مع العديد من المطربين العرب.

وحول عطاء عبدالعزيز ناصر لوطنه يقول: إن ما قدّمه عبدالعزيز ناصر للوطن – بصدق وإيمان – يتجاوز حجمَ الكون، ولقد سَخّر طاقته وموهبته في أن يقدّم للوطن أعذبَ الألحان، ويُدخل الرومانسية في حب الوطن. فهو الذي لحّن: جيتك.. جيتك يا قطر.. جيتك من عقب غربة وسفر.. جيتك وشفتك عروس حلوة في حضن القمر! وهو الذي لحّن: يا قطر يا قدر مكتوب في كل خطوة يتابعنا.. لا أحد يا قطر يقدر عن ترابك يفرقنا.. وهو الذي لحّن: واجهيني واعلنيها قصة ياها الموت.. والماضي بين إيديج.. يمكن يعيش.. وأكثر احتمالاتي يموت. وكذلك: قطر ما يهون عليّ الفراق، وقطر لحن حبي.

■ في يوم التكريم بين الفنان نور الشريف والفنان يحيى الفخراني

 ونلاحظ في كل الأغاني الوطنية مزجاً مع رومانسية واضحة، تحقق ذاك الذوبان الطبيعي بين عبدالعزيز والأرض. الوطن عند عبدالعزيز ناصر كائن متحرك وليس أبنية وشوارعَ ومشاريع!.. الوطن لديه حالة من الاندماج ما بين ما هو عضوي وما هو لا شعوري، ارتحال بين الواقع والأمل. ونلاحظ أن وطنياته يقل فيها الضجيج، تماماً كما تقل فيها آلات النفخ التي عادة ما تُستخدم في الأغاني الوطنية. لهذا، جاءت الأغنية الوطنية القطرية متلفعةً بسمو الرومانسية.

إنسانية وإبداع

وفي مقدمته للكتاب يقول د. أحمد عبدالملك: الكتابة عن الذين رحلوا عن دنيانا عادةً ما تكون صعبة، عنها فيما لو كانوا أحياء؛ فما بالكم إن كان المعنيَّ في هذا المتن الموسيقار عبدالعزيز ناصر، صاحب القلب الذهب، والعقل الرزين، والرؤية الثاقبة لصيرورات الحياة، والذي رحل عنا في صبيحة يوم 22 – 7- 2016 ، إثر مرض عضال.

وكتب في التمهيد عن تجربته الشخصية والإنسانية مع الموسيقار الراحل، وعن الملامح الإبداعية لتجربته الفنية: أُدركُ جيدًا أن الكتابة عن الاستثنائيين ستكون صعبة، خصوصًا في ظل موجة الحزن التي اجتاحتنا، وطيّت عصافيرنا الآمنة، وشرّدت تلك الآمال التي كان العزيز الراحل عبدالعزيز ناصر يبثّها فينا. إذ لم يكن الفقيد يعترف بدوام الحال، وكان دوماً ينحاز إلى جانب الأمل ضد اليأس، وإلى الحق ضد الباطل، وإلى العدل ضد الظلم.

هكذا عرفت عبدالعزيز ناصر عام 1976 عندما ساقتني الأقدار إلى مقر فرقة الأضواء الموسيقية بالقرب من مصلى العيد في الجسرة. تذكرتُ ذلك اللقاء الأعمى، غير المُرتب، عندما صافحني، ولمست أن في عينيه مشروعًا إنسانيًا متكاملاً.

مشروع إبداعي متكامل

“عبدالعزيز ناصر – رحلة الحب والوفاء” من إعداد الأديب والروائي الدكتور أحمد عبدالملك. في 347 صفحة من القطع الكبير، وغلاف صقيل تتصدره صورة الموسيقار الراحل.

يشتمل الفصل الأول من الكتاب الصادر عن وزارة الثقافة والرياضة عام 2018 على: شهادات وذكريات، جمعها معد الكتاب من العديد من المقابلات للأشخاص الذين عاصروا الفقيد رحمه الله، من أهله الكرام، ورفقاء دربه، الذين لازموهُ فترات معينة من حياته، ومن الفنانين الذين تعاملوا معه من داخل قطر وخارجها.

وفي الفصل الثاني: مختارات من ألحان عبدالعزيز ناصر.

وجاء الفصل الثالث بعنوان: قالوا عن عبدالعزيز ناصر، وهي عبارة عن مجموعة من المقالات التي نُشرت بعد رحيل الفقيد، من الكتاب القطريين وغيرهم.

دومًا كان منحازًا إلى الأمل ضد اليأس وإلى الحق ضد الباطل

الفصل الرابع: صور وذكريات، يتضمن مجموعة من الصور الخاصة بالفقيد في مراحل عدة من حياته، بدءًا من أولى خطواته الفنية وعزفه خلف بعض المطربين، ثم صور مرحلة القاهرة، مرورًا بالمنصات التكريمية التي وقف عليها الفقيد، وتسلُمه شهادات اعتراف بدوره الريادي في الموسيقى من قادة دول مجلس التعاون، وحصوله على جائزة الدولة التقديرية، وكذلك تكريمه من قبل هيئات إعلامية خليجية وإقليمية. وارتأى د. أحمد عبدالملك أن يضعَ قائمة بالأغاني التي لحّنها الفقيد والمسجلة في أرشيف إذاعة قطر، تعميمًا للفائدة.

مجلة الجسرة الثقافية – العدد 58 – ربيع وصيف 2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى