من أوراق «الغزالة»

هل ساهمت «الغزالة رايقة» في إنجاح فيلم «من أجل زيكو» رغم اتهام صُناعه بالسرقة؟

بوستر مُلوّن لسيارة نقل موتى يحيط بها أبطال الفيلم، عنوان يحوي اسم الطفل البطل، وبرومو يستعرض فكرة رحلة عائلة للوصول إلى مسابقة اكتشاف مواهب يشترك فيها الطفل، وسط إيمان ضخم من الأم بموهبته وتشكيك من الآخرين. هكذا طُرح فيلم “من أجل زيكو” للمخرج بيتر ميمي، ومن بطولة منة شلبي وكريم محمود عبد العزيز على الجمهور المصري قبل أيام من طرح أغنيته “الغزالة رايقة” ألحان إيهاب عبد الواحد وكلمات منة عادل القيعي، وغناء أبطال الفيلم، وتحقيقها نجاحًا كبيرًا بشكل يمكن اعتباره ظاهرة، كونها تحدت الكثير من تريندات السوشيال ميديا المنتشرة وقتها، وحققت مشاهدات تجاوزت الـ70 مليونًا على منصة يوتيوب.

بوستر فيلم «من أجل زيكو»

ولأنها صدرت قبل طرح الفيلم في السينمات بعدة أيام، فلا يمكن ألا نلاحظ تأثيرها الكبير في ارتفاع إيراداته بشكل لافت، برغم الخمول المُسيطر على السينمات المصرية هذه الفترة. حيث وصلت الإيرادات إلى لحظة كتابة هذا المقال إلى 13 مليون جنيه. ومثل كل ظاهرة كان لا بد وأن تخرج الاعتراضات حول الفيلم وأغنيته، بداية من اتهامات اقتباس قصة “من أجل زيكو” من فيلم Little Miss Sunshine الحائز على جائزة الأوسكار، والذي يحكي قصة فتاة تعاني من التنمر في المدرسة، ترتدي النظارات الطبية وتعقد شعرها، ترغب في الاشتراك في مسابقة ملكة جمال الأطفال فتساندها العائلة كلها ويذهبون معها في شاحنة متداعية إلى ولاية أخرى لمساندتها في حلمها.
الاقتباس لم يتوقف عند تشابه القصة/الرحلة للفيلم، بل في طريقة استخدام الألوان وكادرات التصوير والإخراج وحتى أفيش الفيلم، وصولًا إلى اتهام الأغنية نفسها بأنها مسروقة من لحن أغنية روسية هي WildLioness. وسط تساؤلات كبيرة حول السينما المصرية بشكل عام، والتي باتت تلجأ للأفكار الجاهزة الأجنبية، ثم تمصيرها بشكل ما وتحقيق النجاح الكبير.
والحقيقة أن المقدمة الموسيقية للأغنية تتشابه بالفعل مع الإنية الروسية رغم اختلاف الإيقاع والتوزيع، أما الاتهام بالاقتباس فقد طارد الكثير من الأعمال الفنية المصرية مؤخرًا، ربما لعدم التنويه بذلك على تترات الفيلم، لكن حتى الأعمال المأخوذة من روايات أصلية مصرية لم تسلم من الاتهام، لعل المثال الأبرز كان فيلم “الفيل الأزرق” عن رواية لأحمد رماد بنفس الاسم،والتي تم اتهامها بالسرقة من فيلم The Tattooist، ما يصنع أزمة ثقة بين صُناع السينما والجمهور الذي يتشكك في أي نجاح ويبحث كثيرًا خلفه.

الحقيقة أن المقدمة الموسيقية للأغنية تتشابه بالفعل مع الأغنية الروسية رغم اختلاف الإيقاع والتوزيع، أما الاتهام بالاقتباس فقد طارد الكثير من الأعمال الفنية المصرية مؤخرًا

الأمر الذي دعانا لمناقشة بعض النقاد المهتمين بقضية الاقتباسات السينمائية، بالذات مع الجدل الحادث حول فيلم “من أجل زيكو”، والتساؤل: إن كان اقتباس فكرة ثم بنائها بتفاصيل مختلفة يعد سرقة أم لا؟ وبالذات بعد طرح فيلم آخر هو “أصحاب ولا أعز” على منصة نيتفليكس، وهو نسخة مأخوذة عن أصلها الإيطالي بإذنٍ من صُناعها الأصليين. وعلى الرغم من ذلك لم يسلم الفيلم من الجدل والتساؤل إن كان النقل النصي هو الأنسب لتمصير وتعريب الأعمال الفنية، أو معالجة الفكرة بما يُناسب المجتمعات المختلفة.
ثمة أسئلة كثيرة يمكن طرحها حول الموضوع، لعل أولها هو : هل يلجأ صُناع السينما إلى أفكار مُعادة لضمان النجاح؟ أو أن ذائقة المتلقي تُحتّم ذلك؟ الأعمال الأصيلة تمامًا لا تجد مردودًا قويًا لدى الجمهور المصري، وهل عدنا بشكل أو بآخر إلى بدايات السينما المصرية عندما كانت الأفلام تؤخذ من الروايات أو المسرحيات والأفلام العالمية؟ وهل يعني ذلك وجود مشكلة في التأليف السينمائي بشكل خاص ما يجعل المخرجين والمنتجين يلجأون للأفكار الجاهزة؟ كذلك هل يمكن أن تساعد أغنية فيلم في إنجاحه؟ وما هو أصل هذه الظاهرة؟

الأغنية لا تكفي وحدها لنجاح الفيلم

الناقد الفني محمد عبد الشكور يرى أن الاقتباس ليس مشكلة في حد ذاته بشرط تحقيق أمرين : الإشارة للمصدر المُقتبس منه الفيلم صونًا للحقوق غير المادية والأدبية. والأمر الثاني هو التمصير بمعنى ألا يشعر المتلقي بغربة تجاه الأحداث والتفاصيل المختلفة.
يقول محمود عبد الشكور: السينما الأمريكية تفعل ذلك، و “تؤمرك” أفلامًا أجنبية لتحولها إلى نسخة أمريكية تمامًا. مثل”كاف” في العظماء السبعة المأخوذ عن الفيلم الياباني “السامرواي السبعة”. لا يمكن أن ننكر بأن معظم مسرحيات الريحاني وبديع خيري ممصرة بذكاء عن أصل فرنسي.
لكن عبد الشكور يُفضِّل الكتابة بشكل مباشر للسينما، والسبب أن الحكايات كثيرة في مجتمعنا، بالذات قصة مثل قصة فيلم “من أجل زيكو التي تترجم معاناة الغلابة، لكنه يرى أن لا أحد يريد أن يبذل مجهودًا. ويفضلون الاقتباس ودون ذكر اسم المصدر كما في الأغنية التي اقتبست جملتها الافتتاحية من أغنية روسية ودون ذكر المصدر.

يضيف: أمر مؤسف ولا يليق حتى لو أضفت إلى الأصل، لدينا عشرات الحكايات المصرية التي تصلح للكتابة بدلًا من الاقتباس، فإذا اضطررنا للاقتباس يكون ذلك بحفظ حقوق الآخرين وبالتمصير. وفيلم زيكو نجح إلى حد كبير في التمصير ولكن لم يُذكر أصل الفيلم ولا الموسيقى.
أما الأغنية فيرى عبد الشكور أنها يمكن أن تجذب الجمهور لمشاهدة فيلم سينمائي كما حدث مسبقًا مع كامننا في فيلم “إسماعيلية رايح جاي”، أو أغنية فيلم “كابوريا” أو “استاكوزا” في فيلمين بطولة أحمد زكي بنفس الاسم. ولكن الأغنية لا تكفي وحدها لاستمرار عرض فيلم وتحقيقه الملايين، فلابد من عناصر أخرى تدفع الناس للإعجاب بالفيلم كالسيناريو والحالة والكوميديا إلخ. والأمر ليس في مصر فقط، فقد ساهمت أغنيات أجنبية في نجاح أفلام مثل أغنية فيلم “بودي جارد” لويتني هيوستون وأغنية سيلين ديون لفيلم “تيتانيك”.

ثمة أسئلة كثيرة يمكن طرحها حول الموضوع، لعل أولها هو: هل يلجأ صُناع السينما إلى أفكار مُعادة لضمان النجاح؟ أو أن ذائقة المتلقي تُحتّم ذلك؟

يقول: الأغنية عنصر مساعد جذاب لأن الموسيقى والغناء لهما جمهور كبير بعيدًا عن الأفلام وإضافتها للفيلم ولو كان غير غنائي، تثريه وتخلق علاقة إضافية معه، ولكنها لا تكفي وحدها لنجاح الأفلام.

أغنية الفيلم تصل إلى المتلقي أكثر من الفيلم نفسه

الناقدة علياء طلعت تتفق مع الناقد عبد الشكور في نقاط أساسية، لعل أهمها دور الأغنية في نجاح الأفلام، كما حدث مع أغنية “الغزالة رايقة” التي طرحت قبل عرض الفيلم بأيام كجزء من حملة الترويج للفيلم، وترى طلعت أن الحملة ذكية جدًا، لأن الأغنية التي تحمل سمات الأغنية الشعبية استطاعت الوصول إلى عدد مهول من المستمعين والتحول إلى “تريند”.
تقول علياء:الأغنية اختيار ذكي من صُناع الفيلم، وربما أفضل أجزاء عملية التمصير التي قاموا بها للعمل، وهو اختيار الأغنية الشعبية كموهبة للطفل زيكو بما يتمتع به هذا النوع من الغناء بالأصالة المصرية وقدرته على الوصول للجمهور بسهولة.
وتضيف بأن ظاهرة نجاح أغاني الأفلام هي ظاهرة متكرر، بل في أحيانٍ كثيرة تغلب الأغاني شهرة فيلمها. وتظل باقية ربما أكثر منها.وتضرب مثلًا بأفلام أحمد حلمي في بداية الألفية والتي يمكننا تذكر ألحانها وكلماتها بسهولة أكثر من تذكر حبكة الفيلم أو حتى عنوانه!
تؤكد علياء أن أصل هذه الظاهرة قديم، فالسينما المصرية ذاقت أول نجاحاتها على يد الفيلم الغنائي،بعدما شارك فيه أهم نجوم هذه الفترة “محمد عبد الوهاب”،ثم نافسته “أم كلثوم”، وهكذا، لذلك من الطبيعي أن تظل الظاهرة رائجة بأشكال مختلفة حتى لو قَدَّم الأغنية ممثل لا يحترف الغناء.

الطفل يوسف صلاح مع المخرج بيتر ميمي

أما عن الاقتباس فتُجيب علياء من جزئية وجود مشكلة في التأليف السينمائي بشكل خاص ما يجعل المخرجين والمنتجين يلجأون للأفكار الجاهزة.تقول: “في الحقيقة لا أعتقد أن المشكلة في التأليف قدر المشكلة في عدم وجود آليات لتحليل السوق المصري وتوصيل هذه النتائج إلى المنتجين لفهم هذا السوق واستنباط طرق لتعزيز الصناعة، لدينا منتجون يظنون أن هذه الأفلام الرائجة، وعندما يظن المنتجون أن هذه الأفلام الرائجة سيفرضونها على المشاهد، الذي -وفي أغلب الأحيان- سيتحمس لها لأنها المنتج الوحيد الموجود!، لكن هل هناك آليات إنتاج وتوزيع تسمح بظهور أنواع أخرى؟
تعتقد علياء أن السينما المصرية أصبحت مقيدة بنوعين فقط من الأفلام؛ نوع يظن منتجوه أنه الرائج، ما يدفعهم لصناعة الزخم حوله بالدعاية المكثفة والشعارات مثل : “أول فيلم أكشن”، و”أول فيلم أبطال خارقين”. وترى أن منتجي هذا النوع مقيدون بالسينما الأمريكية، أما النوع الآخر فهو السينما الفنية شديدة الخصوصية، والتي تقدم على الأغلب أفلامًا لا تصل للجمهور العادي، ولو وصلت ضمن قنوات توزيع محدودة، لن يستسيغها.

“الغزالة رايقة” شعار المرحلة

بالنسبة للأغنية يقول الناقد الفني رامي عبد الرازق : “قبل سنوات حكى لي الوالد عندما شاهد فيلم بنات اليوم (1957) في واحدة من دور العرض بمنطقة وسط البلد أنه من شدة إعجاب الجمهور بمجموعة أغاني عبد الحليم في الفيلم (أهواك وظلموه وغيرهما)، كان عرض الفيلم يتوقف ثم يتم إعادة الاغنية مرة أخرى للجمهور المتعطش لسماعها، وبعضهم كان ممن يشاهدون الفيلم للمرة الثانية او الثالثة من أجل الأغاني.
على مدار سنوات طويلة ساهمت الأغاني في إنجاح الأفلام، مثل فيلم “أبي فوق الشجرة” أو “مولد يا دنيا” أو “خلي بالك من زوزو”، ولكن كان النجاح نجاحًا متوازيًا، أي أن الجمهور يدخل إلى الأفلام ليشاهد ويسمع ثم ربما يعود ليسمع ويسمع، على اعتبار أن قصة الفيلم صارت معروفة بالنسبة له لكن مزاج الأغنية أكثر استمرارية”.

ظاهرة نجاح أغاني الأفلام هي ظاهرة متكررة، بل في أحيانٍ كثيرة تغلب الأغاني شهرة فيلمها

منذ “اسماعيلية رايح جاي” ومن بعده “صعيدي في الجامعة الأمريكية” شكلت الأغنيات عامل جذب شديد، بالتزامن مع ظهور قنوات الفيديو كليب الشهيرة المفتوحة للجمهور، قبل هذا التاريخ ومع بداية التسعينيات على سبيل المثال عندما قَدَّم عمرو دياب فيلم “أيس كريم في جليم” بمجموعة أغانيه المميزة، تم طرح ألبوم الأغاني الخاصة بالفيلم بعد النجاح الذي حققه، تمامًا مثل طرح اسطوانات تحمل أغاني الافلام لتحقيق مكاسب إضافية في سوق مختلف.
يضيف: “في الثمانينيات على سبيل المثال صدرت ألبومات مثل أغاني مسلسل الأيام لعلي الحجار وأغاني مسلسل عبد الله النديم وألبوم مجمع من الأغاني التي غناها عمرو دياب كمقدمات للمسلسلات أتذكر أن اسمه كان (أسف)”.
مع ظهور قنوات الفيديو كليب المفتوحة أوائل الألفية، أصبح هناك إمكانية لطرح أغنية الفيلم بالتزامن مع صدوره كجزء من العملية الترويجية، لتهيئة المزاج العام أو تحقيق الدعاية المطلوبة، وأُضيفت عليها النكهات المختلفة، فتارة نرى الرومانسية كما في أغنية أنا قلبي ليه حاسس قوي (أغنية فيلم أحلام عمرنا) أو الشعبية مثل أغلب أغاني أفلام السبكي لعل أشهرها : “آه لو لعبت يا زهر” والتي صارت خلطتها تعتمد على الراقصة والمهرجان فيما بعد.


كل هذا يقودنا إلى اعتبار أن نجاح فيلم “من أجل زيكو” في جلب المزيد من الإيرادات اعتمادًا على الغزالة رايقة والحالة التي تمثلها، أصبح نجاحًا تقليديًا وبديهيًا، وكأن ذائقة الجمهور تمت برمجتها اعتمادًا على هذا النسق من التوالي (الأغنية ثم الفيلم) وليس (الفيلم ثم الأغنية).
أما عن الاقتباس فينظر عبد الرازق إلى الأمر من وجهة نظر المنتجين، الذين يريدون ضمانات نجاح تتجاوز ال 100% اعتمادًا على مبدأ أن رأس المال جبان، والقليل منهم هم الذين يعتمدون معادلة أن السينما هي حاصل ضرب الفن x التجارة، وهذا ما وجدنا عليه آباءنا من الصُناع، مع الفارق في أن السابقين كانوا أكثر نضجًا ودقة وإخلاصًا وموهبة بما يصنعونه، عكس بعض المنتجين الحاليين الذين هم أشباه صُناع وليسوا صناعًا حقيقيين.
يؤمن هؤلاء المنتجون بأنهم على دراية كاملة وشاملة بذوق الجمهور وتفضيلاته ومواطن إحساسه باللذة وبالتالي يدّعون من خلال أفلامهم أنهم يمارسون عملية تنشيط هائلة لهذه الخلايا الحساسة في غدة الذائقة من أجل إمتاعه وإسعاده وإضحاكه وتسليته (مع وضعهم في الاعتبار أن نجاح الفيلم لو لم يحدث في السينما فيمكن أن يحدث مع عرضه على القنوات الفضائية).
يقول عبد الرازق: “هذه الروح العشوائية في التعاطي مع أشباه الأفلام هي التي تسيطر حاليًا على شبه الصناعة، وبالتالي يمكن أن نرى أي شئ وكل شئ سواء كان مقتبسًا أو ممصرًا أو منقولًا أو مسروقًا، كما أن فئة كبيرة من الجمهور -نتيجة لعوامل أبرزها الأمية الدرامية وتدني مستوى التعليم وغياب التماس مع أي ثقافة حقيقية- تبدو بالنسبة لأشباه الصُناع مثل معدة ضخمة قادرة على هضم أي شئ طالما ( مسلي ودمه خفيف وبيضحك وينسى الهم).”
يضيف: “في الحقيقة لم تعد شرائح كثيرة من الجمهور تدرك الفرق بين العمل المقتبس أو المسروق والعمل الأصيل أو الأصلي، هذا يحتاج إلى ثقافة سينمائية غير متوفرة لدى غالبية الشرائح التي تمثل القوى الشرائية الأساسية، وهي قوى تتناقص بالتدريج نتيجة الارتفاع غير المسبوق في أسعار تذاكر السينما وانتشار قنوات نسخ الأفلام المُسربة ومواقع القرصنة، هذه الشرائح غالبيتها لم تشاهد الفيلم الأجنبي بل تعاملت مع زيكو على أنه الأصل، وحتى لو صادف أحدهم قول قائل بأن الفيلم مسروق أو منقول، فلن يعنيه هذا في شئ!

لا أعتقد أن المشكلة في التأليف قدر المشكلة في عدم وجود آليات لتحليل السوق المصري، وتوصيل هذه النتائج إلى المنتجين لفهم هذا السوق، واستنباط طرق لتعزيز الصناعة

في العصور الذهبية للاقتباس والتمصير كانت التجارب تتم في سياقات مختلفة تمامًا، سواء على مستوى الإعلان عن المصدر أو اعتماد الإتقان والتركيز والدقة بدافع الشغف والإخلاص للصناعة والجمهور على حد سواء.
أما على مستوى التأليف والأفكار الأصيلة يرى رامي أنه ليس لدينا أي مشكلة من أي نوع في هذا المجال، بل على العكس تمامًا، هناك عشرات المواهب على مستوى الكتابة وطزاجة الأفكار، هناك مئات الروايات التي تظهر كل عام ويصلح نصفها على الأقل للاقتباس من الكتاب للشاشة، ولكن مع حال الإنتاج، فلا يمكن تصور أن تجد هذه المواهب أو الروايات أو الأفكار طريقها إلى صالات العرض، الغزالة رايقة ليست مجرد أغنية ترويجية لفيلم مقتبس بإشارة أو دون إشارة لمصدره الأصلي. الغزالة رايقة هي شعار للمرحلة كما يراها أشباه الصُناع الحاليين، وطول ما الناس (الحلوة) سايقة فسوف تظل (رايقة) لفترة طويلة لا يعلم أحدٌ متى تنتهي!

الاقتباس هدف لبعض صُناع السينما

ترى الناقدة رحمة الحداد أن السؤالين مرتبطان ببعضهما، لأنها تعتقد بأن هناك ميلًا لصناعة زخم حول الفيلم أو الأفلام عمومًا لكي تضمن نجاحًا أكبر. زخم غير مُتعلق بالفيلم نفسه لكن لما يمكن أن يثير الكلام حوله أو ينجحه بشكل منفصل،ويؤدي لفضول متزايد حول محتواه. الموسيقى والأغنيات تعمل كأداة تسويقية للأفلام وربما تملك عمرًا أطول من الأفلام نفسها.
تقول رحمة: ” في منتصف الألفية اعتاد النجوم أنفسهم غناء أغنيات التسويق لأفلامهم بما فيهم أحمد حلمي ومحمد سعد، حتى وإن لم يكن للأغنيات سياق درامي مباشر. من أجل زيكو وازن بين الاثنين، صنع أغنية إعلانية بالاضافة لكونها جزءًا من ذروة الفيلم وحبكته الرئيسية، فضمن نجاحًا منفصلًا وفضولًا متزايدًا نحو الفيلم”.
فيما يخص انعدام الأصالة أو الاقتباس ترى رحمة أن الموضوع مُربك، لأن الاعتماد على قصة أثبتت نجاحها من قبل هي الطريقة الأسهل، لكن هل الاقتباس من فيلم little miss sunshine الشهير جدًا في مصر خطوة صائبة؟
تجيب رحمة بأن الفيلم عُرض عدة مرات في القنوات المصرية، لكنه ليس أيقونيًا بالنسبة للمشاهد المصري، كما يملك السيناريو الخاص بالفيلم طابعًاعامًا، أحداثه يمكن أن تحدث لأي أسرة في أي دولة، ربما هذا ما سهل تمصيره. لكن كلمة “تمصير” نفسها تملك استدعاءات مُربكة، لأنها تصنع هالة مقبولة للسرقة او الاقتباس غير الرسمي.
تضيف رحمة منظورًا آخر لقضية الاقتباس، كونها هدفًا في حد ذاته لبعض صُناع السينما، فتقول: “الأصالة مصطلح هشٌ للغاية فالمحتوى المرئي المُعاصر كله يستقي من بعضه ويتغذى على التناص لكن لكي يصبح متفردًا، فإنه يتناص مع مئات الأعمال وليس عملًا واحدًا يأخذ كل ما يميزه. ما يربط الاقتباس بنجاح الأغنية وحتى الاتهامات التي تلقتها الأغنية بالسرقة أنه يبدو بأن كلا الخيارين يملكان نفس الهدف. جعل الفيلم موضوعًا يتحدث عنه الناس خارجه، وصنع زخم حوله يجعله محط تداول لأطول فترة ممكنة، فليس من المنطقي أن يتغذى مخرج ما على الاتهامات المستمرة له “بالاقتباس” دون مراجعة نفسه إلا لو وجد أن ذلك الأسلوب يضمن الجدل وبالتالي النجاح.

مغنى الأغنية الروسية لن يستطيع غناء لحن “الغزالة رايقة”

وعن سرقة الأغنية كان لا بد من أخذ رأي متخصص مثل الصحفي ومعد البرامج محمد شميس، والذي يرى أن الحديث عن السرقة في الأعمال الغنائية الموسيقية له ضوابط، أهمها أن يكون هناك تطابق لـ “أربعة موازير موسيقية كاملة متتالية” طبقاً لما أقرته الجمعية الدولية للمؤلفين والملحنين، وهذا الأمر غير موجود في أغنية “الغزالة رايقة”.
يضيف شميس: “هناك أمر في غاية الأهمية، وهو التأثر، فقد يشعر المستمع أحيانًا بأنه يستمع إلى أغنية غير أصلية، رغم أن لحنيّ الأغنيتين قد يكون غير متشابه ومختلف في موازيره، وما إلى ذلك من التفاصيل الموسيقية، وقد يأتي هذا الشعور بسبب تشابه التوزيعات الموسيقية التي تنتمي لنفس الـ” genre”.

في الثمانينيات على سبيل المثال صدرت ألبومات مثل أغاني مسلسل الأيام لعلي الحجار، وأغاني مسلسل عبد الله النديم، وألبوم مجمع من الأغاني التي غناها عمرو دياب

وبالاستماع إلى الأغنية الروسية والأغنية المصرية ، سنجد أن الروسية تُصنف ضمن أغاني الـ”راب”، والراب هو أداء صوتي غير معتمد على المفهوم التقليدي لـ”اللحن”، مجرد كلام مغنى، والجزء الوحيد الذي قد تحتاج فيه الأغنية إلى جمل لحنية يكون في “الكورس” وهو الجزء الذي يتكرر، وهو متطابق مع “مازورتين” فقط من لحن أغنية “الغزالة رايقة”، فقاعدة التطابق المتعارف عليها غير موجود.
ومن حيث التوزيعات الموسيقية، فأغنية فيلم “من أجل زيكو”، نفذت على إيقاع “المقسوم”، وهو شكل موسيقى تتميز به أغلب الأغنيات المصرية بنسبة 100%، ومختلف كليًا عن توزيع الأغنية الروسية، فمغني الغنوة الروسية لا يستطيع بأي شكل من الأشكال غناء اللحن كاملًا لأغنية “الغزالة رايقة”، الذي يحتاج إلى “مغني” وليس رابر.

الطفل يوسف صلاح

والأهم من كل ذلك، يضيف شميس، هو نجاح المخرج “بيتر ميمي” في توظيف الأغنية دراميًا داخل العمل، فالأغنية كان لها سياق هام يوضح الرسالة الرئيسة التي صُنع الفيلم من أجلها، بل ونجح أيضا في أن تكون الأغنية مصدرًا من مصادر الدعاية للفيلم، وسببًا أساسيًا في ذهاب الجمهور لقاعات السينمات.

الأزمة فيمن يقرأ الورق وليست فيمن يكتبه

ماذا عن صُناع السينما والدراما؟ هل يواجه المؤلفون والسيناريستات مشاكل تدفعهم إلى الاقتباس، ربما ضمانًا للنجاح أو للحصول على موافقة المنتج على العمل؟ وما رأيهم في استخدام أغنية للترويج لفيلم؟ يجيب الكاتب والسيناريست محمد هشام عبية الذي يرى أن الفيلم في العموم يمكن وصفه بالجيد، ويمكن تصنيفه ضمن أفلام “رحلة الطريق”، كما أنه يحوي بعض المناطق الكوميدية جيدة الصُنع. وأنه يضم ممثلين أكفاء، ولديه شريط صوت ممتاز متمثلًا في الموسيقى التصويرية لخالد الكمار وثلاث أغنيات ملائمة للأحداث لأحمد سعد وعبد الباسط حمودة،إضافة للغزالة رايقة التي حققت انتشارًا مدويًا.
يقول عبية: “أعتقد أن ظاهرة أغنية تحقق النجاح لفيلم تعود لتغيّر أدوات السوق. مقارنة بأغنية “كامننا” مثلًا في منتصف التسعينات التي نجحت عقب عرض الفيلم لأن مسألة الترويج للفيلم بأغنية قبل عرضه لم تكن قد ظهرت بعد، ولم تكن هناك الفضائيات المتخصصة في عرض الأغنيات. كانت وسائل الدعاية محدودة، وقتها، بينما تأتي أغنية “آه لو لعبت يا زهر”كنموذج مثالي لمسألة نجاح التسويق لمنتج سينمائي بغض النظر عن جودته عن طريق أغنية مُحكمة الصُنع، فأغلب الذين يتراقصون على “آه لو لعبت يا زهر”، لا يعرفون بالأساس اسم الفيلم الذي ظهرت فيه هذه الأغنية، لأنه فيلم متواضع محدود التكلف”.

الحديث عن السرقة في الأعمال الغنائية الموسيقية له ضوابط، أهمها أن يكون هناك تطابق لـ”أربعة موازير موسيقية كاملة متتالية” طبقاً لما أقرته الجمعية الدولية للمؤلفين والملحنين، وهذا الأمر غير موجود في أغنية “الغزالة رايقة”

يعتقد عبية أن الأغنية هي الأسرع وصولًا والأكثر انتشارًا بين الجمهور مقارنة بأي فيلم. فهي أولًا قصيرة الزمن، يمكن سماعها في أي وقت ودون الحاجة للذهاب للسينما، كما أنها عادة مجانية بعكس الفيلم وهذه كلها عناصر تساعد على انتشارها بسهولة. ومنذ ظهور السينما المصرية فإنها تستغل الأغنية في جلب المشاهد للفيلم، جمهور عبد الحليم حافظ مثلًا كان موعودًا بخمس أو ست أغنيات في أي فيلم يتصدر بطولته، وهذا عنصر أساسي في الترويج، هي فكرة قديمة إذن لكنها تطورت مع تطور وسائل العرض والدعاية.
وعن الاقتباس، يرى عبية أن الكثير من المنتجين في مصر يميلون إليه، بسبب تشككهم أحيانًا في المنتج الأصلي وصُناعه من ناحية، وبسبب ميلهم للعب في المضمون من ناحية أخرى، إذ أن الفيلم المقتبس يسهل تقدير كلفته المادية، كما أنه يضمن إيرادات محددة وفقًا لما حققه الفيلم الأصلي.
يقول: “هي في العموم ظاهرة تحدث لكن مع تطور حقوق الملكية الفكرية لم يعد من الطبيعي أن يتم سرقة الأفكار من أفلام أجنبية والادعاء بأنها صُدفة أو تشابه أفكار. وفي العموم أعتقد أنه على عكس ما يقول كثير من المنتجين وصُناع السينما إن هناك أزمة في الورق، بأن الأزمة فيمن يقرأ الورق لا فيمن يكتبه”.

مجلة الجسرة الثقافية – العدد 60

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى