سلاح المعرفة

د.زينب المحمود
Latest posts by د.زينب المحمود (see all)

ما أحوجنا إلى التسلح بالمعرفة! وما أحوجنا إلى اتخاذها منهج حياة! نحصن به أنفسنا وأجيالنا من بعدنا، ونتخذها درعًا يقينا جميعًا سهام التجهيل والتضليل التي غشانا ظلامها، وكوانا ألمها. فلعقود مضت تراجع دور عقلنا المعرفي، وطواه النسيان، وأصبحنا أسارى مشاهد فكرية وأيديولوجية مسمومة توجهها جهات ومنظمات ودول بعيدة كلّ البعد عن هدفٍ ينفعنا، أو فكرة نافعة توجهنا، بل اتخذتنا مضمار سباق واستغلال، يعتمد الرابح فيه على تجهيلنا وتعميتنا عن الحقائق وفق مبدأ «الجهل المعاصر» الذي يمكّن أفكارها، وينصّبها علينا مرجعيات وحيدة في التخطيط والتنفيذ والقرار، حتى بتنا نرى سفننا تسير عكس تيار ثقافتنا وديننا وقيمنا.
إن ذلك كلّه ناتج بسبب عدم امتلاكنا سلاح المعرفة، ذلك السلاح الناقد الذي يضع الأمور في نصابها، فقد تصدّت تلك الجهات لهذا السلاح، واستبدلته بسلاح ورقي غير فعّال هو سلاح النقل، الذي يتّصف حامله بالثرثرة الفارغة، وبقول ما لا يفقه، وهو ليس سوى صدى صوت تلك الجهات والمرجعيات، وهو ليس سوى صوت مختطف منزوع المعرفة، منزوع النقد والتفكّر والتبصّر؛ إذ أصبح الصوت الناقد في تلك البيئة هو صوت تضليل وتحريم وترهيب.
إن المعرفة في منطق العالم الزائف اليوم هي سلاح دمار لسلطته، وداحر شديد لوصايته وسيادته، فما زلنا نبصر نظام الكهنوتية اللاهوتية الذي كان سائدًا في العصور الوسطى، والذي كان يقصي كل صوت حكيم، وكل حقيقة، وكل عدل من نطاق طاعته، بل أبعد من ذلك؛ فكل ساكت في عرفه هو تربة خصبة لسؤال معرفة ناقدة، تهدد كيانه وسلطانه، ويجب حينها الحذر منه.
إن مصادرة أسئلة المعرفة البناءة، سلبتنا وأجيالنا سلاحًا فعّالًا، هو سلاح التفرّد والتميّز والإنتاج والإبداع والاستقلالية والسيادة، فبتنا مثل دمًى تتقاذفها أيديولوجيات ومرجعيات وأقطاب عالمية، ترينا ما ترى، وليس لنا حق الاعتراض أو الاعتماد على النفس، وإن حاولنا ذلك فسيشهرون في وجهنا سلاح المعرفة الذي امتلكوه وأتقنوا استثماره، ويحاولون قدر استطاعتهم منعنا من امتلاكه، وذلك من خلال تسويق رؤًى وأفكار، جوهرها وصايتهم علينا وتبعيتنا إياهم.
وأخيرًا أقول إننا أمة جمعتها المعرفة، ونهضت بالمعرفة، وسادت بالمعرفة، وملكت الدنيا بالمعرفة، ولم تتضعضع إلا بانتزاع سلاح المعرفة منها، فيا قوم، كثرة القراءة لا تصيب بالجنون، كما سوقوا لأجيالنا السابقة، وإن الكذب والظلم ليس وسيلة السيادة في زمننا الراهن، وما هذه الحيل سوى حرب أعلنها العالم الظالم علينا لعدم تمكيننا من امتلاك سلاح المعرفة، ذلك السلاح العقلي الذي من شأنه أن يهدم أركان كيانات الظلم والشر في العالم، تلك الكيانات التي سيطرت وما زالت تسيطر على عقلنا الجمعي، وتقوده وفق إرادتها، فيتبعها من دون تفكير، حتى وإن كان ذلك إلى حتفه، وما الأحداث التي تشهدها ساحاتنا العربية والإقليمية إلا برهان ساطع على ما أقول. فالمعرفة المعرفة فهي سلاح السيادة والبقاء.

@zainabalmahmoud

@zalmahmoud@outlook.com

** المصدر: جريدة”العرب”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى