مرَّ وهذا الأثر

د.زينب المحمود
Latest posts by د.زينب المحمود (see all)

من أقوال حسن البنا في الحكمة: «راحتي في تعبي، وسعادتي في دعوتي»، ما أحلاه من قول! بل هو منهج حياة المسلم الحقيقي، فلو أدركنا أنّ جمال الحياة وجلالها يكون في كفاحها والسعي لنيل مرادنا منها، وفق ما يرضي الله، ويحقق النفع للذات والمجتمع، لما أضعنا من عمرنا لحظة سعي وكفاح، فعمر الإنسان فيها محدود، والإنسان لا بدّ أن يكدح ويعمل ويشق طريقه، والفطن المبصر من يشغل نفسه بالخير، وهو الذي يحدد قيمته ومكانته، فــالراحة تتأتَّى بالعمل الجاد، والسعادة تنبع في روحه إذا اتخذ العبادة منهجًا وسبيلًا.
إنّ قيمة الإنسان في أدبه، إذا جالس الصالحين، وقابل الطيبين، وتحدّث مع المتفائلين، واستشار أولي الألباب، وتمسّك بخيرة الناس وأحسنهم أخلاقًا، وعرف قيمة العلم فلزمه، وجانب أهل الجهل والسفه، واحتاط من الوقوع في شرك المحبِطات، تلك التي تحبط العمل، وتتبّر السعي، وتجعله بوارًا.
فإن لزم ذلك، فسيصبح عزيزًا يتذكر، له قلب يتأَثَّر، ومخلصًا لله لا يتغير. ويكون مع نفسه يقظ الضمير، ومع غيره مراعيًا مبدأ الحق والواجب، ومع وطنه متفانيًا، فيعطيه أكثر مما يأخذ منه.
نعم، تعبٌ هي الحياة بضروب تفاصيلها، لكن هذا التعب ديدنها، والسمة الغالبة عليها، مصداقاً لقول المولى عزّ وجلّ: «لَقَدْ خَلَقْنا الإِنْسانَ في كَبَدٍ» فالراحة ستأتي لا محالة، فلا تتردّد في تسخير كل إمكانياتك، واعقلها وتوكّل، لتحقق الخير، ولتنتصر للحقّ، وتتمسك به وتكون عنصرًا إيجابيًا فاعلًا تعيش بمسؤولية.
إِنَّ رسالة الدعوة تنتظر منّا همّة وقَّادة، لتمنحنا القوة والقيادة والسعادة، وتهبنا في حضارة الإنسان الريادة والسيادة. فعن داود الطائي، قال: «ما أخرج الله عبدًا من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس». لذا فلننظر جيدًا إلى أنفسنا وعيشنا، ومالنا وولدنا، ومجتمعنا ووطنا، ولنستشعر بمسؤولية ويقين، ووعي وهدى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».
تخلّص من صلف النفس وتذمّرها، وارضَ بما قسمه الله في نفسك وعيشك، ولا تترك للقلق مرتعًا، ولا للكسل مربعًا، وتذكّر ما قاله الشاعر:
تركتُ للهِ أمري لستُ في قلـقٍ
الأمـــــــــــرُ لله ليس الأمــرُ للنّاسِ
أستودعُ الله نفسي سوفَ يحرسها
من أخمصِ الرجلِ حتّى هامة الراسِ
وأخيرًا، كن صاحب أثرٍ طيب، للنفس محبب، يصدق فيك قول الشاعر:
وكن رجلًا إن أتــوا بعـــــــده
يقولــون مــــرَّ و»هـذا الأثــــــرْ»

@zainabalmahmoud

@zalmahmoud@outlook.com

** المصدر: جريدة”العرب” 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى