نبضات.. واقعنا الإبداعي

کنا مجموعةً من الزملاء نتجاذب أحاديث حول الأدب، وانتشار الرواية في واقعنا المعيش، حتى إن الكل أصبح الآن ينشر عبر دور النشر ما يعتقد أنه عمل إبداعي يوازي ما قدّمه نجيب محفوظ، وحنا مينا، وإسماعيل فهد إسماعيل، وعشرات الأسماء عبر خريطة الوطن العربي.
هنا انبرى أحدهم دون وعي، وأكدَ أن الناقد عندنا «ظالم»، لأنه لا يقف مع المُبدع المحلي، بل يُحارب دائمًا المُبدع المحلي، وأن الصحافة المحليّة لا تُعطي الروائي حقَه محليًا، مع أن الروائي المحلي لا يقل موهبةً عن «العربي».
هنا قلت مُستغربًا كيف؟ هل فلان مثلًا نتاجه مثل نجيب محفوظ؟ هل أعمال فلان موازية مثلًا، أقول مثل: قصر الشوق، الكرنك، السكرية، زقاق المدق، بين القصرين؟ وعشرات الأعمال، هنا قال: الفرق أن تلك الأعمال احتلت مكانتها لأنها قُدّمت عبر الدراما الإذاعيّة والسينما والتلفزيون. وهذه الأعمال خدمت النص المكتوب وساهمت في نجاح الكاتب نجيب محفوظ وحصوله على جائزة «نوبل»، قلت: إذًا لو قدّم «علي جك» أعماله عبر الدراما، فسوف يكون زميلًا ورفيقًا لآرنست همنجواي ولكامي، ولعشرات الكُتّاب ممن حصدوا جوائز نوبل، وهل تعتقد أن أي كاتب استحضر سيرة حيّ، أو فريج في وطنه، سوف يكون نسخةً من نجيب محفوظ أو حنا مينا؟
إن نجيب محفوظ قدّم عبر رواياته أرشيفًا كاملًا للإنسان المصري. وحاول، يا للأسف، إسماعيل ولي الدين أن يُقلّدَه، فهل استطاع أن يصلَ إلى مُبتغاه؟، مُجرّد سؤال، كانت الأرصفة في كل أسبوع تحمل عددًا من النسخ، تحمل عناوين لنموذج لا يذكره التاريخ اسمه خليل تادرس حنا، فهل نُقارنه مثلًا بما قدّمه يوسف إدريس، ويوسف السباعي، وإحسان عبدالقدوس.
إن نجيب محفوظ عاش، واستحضر المكان، وكان المكان البطل، السيدة زينب، والحسين، والجمالية، وقهوة الفيشاوي، والبيوت القديمة وحتى المساجد الأثرية، والمشربيات، كان عينًا لاقطة، راصدة، يرى ويُسجل، وهنا اندفع للمرة العاشرة ذلك النموذج، وقال: لدينا أيضًا من رصد وسجل عبر رواياته بعض الأحياء، فلماذا مثلًا السينما لا تخدم النص القطري، وهناك رواية لكاتبة قطرية لا تُقدّم عبر الدراما؟ ولماذا قدّم تلفزيون قطر نص نجيب محفوظ «قشتمر»، والسينما قدّمت «اللص والكلاب»، أتمنّى من الإذاعة والتلفزيون الاهتمام بالإبداع المحلي، ودعم الكاتب والمُبدع المحلي وتشجيعهما، وهذا ما نُلاحظه في مُعظم دول المِنطقة، ولذا برز العديد من الأصوات في الرواية والشعر وكل الفنون، وأعتقد أننا نملك العديد من المواهب، نحن فقط في حاجة إلى الدعم والرعاية والمُساندة، قلت له: إن الدولة تدعم المواهب في كل المجالات، وأعتقد أن ظهور كِيان خاص بالأدباء سوف يُساهم قريبًا في تحفيز الأمر وخلق واقع أكثر ملاءمة، للإبداع وللمُبدعين على حد سواء.

hrasheed@al-rwaq.com

**المصدر: “جريدة الراية” 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى