أحمد الخميسي: رحيل الروائي محمد ناجي مؤلم وفاجع إنسانياَ وأدبياَ

الجسرة الثقافية الالكترونية

قال الكاتب المصري أحمد الخميسي: “أتمنى أن يفسح حزني على رحيل محمد ناجي مجالاً لعقلي لعلني أقدم ولو جانباً من صورة وإنجاز ذلك الكاتب الكبير الذي رحل عن ثمانية وستين عاما، أثرى خلالها عالم السرد الروائي بنحو عشر روايات كان آخرها (قيس ونيللي) التي نشرت مسلسلة، وسبقها رائعته (خافية قمر)، و(مقامات عربية) التي أعدها من عيون الأدب العربي”.

وأضاف: “تتابعت أعمال ناجي لتترك بصمة قوية في فن الرواية المصرية، وسوف نسعد قريباً بصدور إحدى رواياته التي كتبها على سرير المرض في باريس عن دار الأهرام. كان ناجي يتحدث حتى اللحظات الأخيرة عن مشاريعه لاستكمال كتابه الشعري (تسابيح النسيان) بكتاب (ذاكرة النسيان) الذي أرسله إليَّ ولم ينشر بعد، وكان يعد لمراجعة رواية أخرى، لكن الموت لم يمهله وحرمنا من موهبة نادرة تضافرت فيها قدرة ناجي – الذي بدأ حياته الأدبية بالشعر- مع قدراته كروائي عظيم”.

صاحب “قطعة ليل” أشار إلى أنه في كل أعمال ناجي سواء تلك التي اعتمد فيها على صياغة الحكايات والأساطير الشعبية مثلما في “خافية قمر”، أو تلك التي لجأ فيها للتعامل المباشر مع الواقع الاجتماعي مثلما في “الأفندي”، هنا أو هناك، وحيثما قرأت سطراً لناجي ستلمس فيه ذلك الهم المقيم بحياة مصر ومستقبلها ومتاعب وأحلام أبنائها الفقراء، المحاربين، الجائعين، المهمشين، والمثقفين الذي نبذتهم الأنظمة حين نبذوها وعاشوا يجترون وحدتهم وأحزانهم، وعلَّق: “ناجي أصلاً فلاح من سمنود بالغربية، وقد مكنه ذلك من الاغتراف من حياة الفلاحين، كما أنه أدى الخدمة العسكرية لأربع سنوات من 1969 حتى 1974 وشارك في الحرب وأمدته تلك التجربة بخبرة أدبية أغنت بعض رواياته بصور وتجارب غير مسبوقة. كان من الناحية الرسمية يعمل صحافياً في (العالم اليوم) فتعرف عن كثب إلي حياة المثقفين وراء الكواليس واحتشدت أعماله بكل ألوان التناقض التي يعيشونها. وعندما تهبط أتربة هذا الزمن وتنجلي الأعمال الأدبية حقا ستظل رائعته (مقامات عربية) تطل على الناس كعمل فذ غير مسبوق”.

الخميسي قال إنه “يحدث كثيراً أن تكون صورة الأديب منفرة ومختلفة تماماً عما يفيض به قلبه على الورق، لكن محمد ناجي الإنسان وناجي الأديب كانا شخصاً واحداً. حين تجلس إليه وتحدثه يصغي باهتمام بالغ، ثم يبتسم، ويطلق مزحة خفيفة. ثم يسألك عن أحوالك قبل كل شيء. ومع أنه كان يعالج في باريس بكل ما يعنيه ذلك من تكلفة مادية باهظة، إلا أنه ما من زيارة إلي القاهرة تخللت رحلة العلاج إلا وجاء يحمل مختلف الهدايا لجميع الأصدقاء. بلوفر. جوارب. زجاجة عطر. أي شيء، لكي تعي وتتذكر دائما أن الزمن قد أسعدك بصداقة إنسان نادر محب للبشر. ليس في رحيل محمد ناجي شيئاً جديداً. هو الموت الذي تمضى إليه حياتنا جميعاً.

يقول أحمد حجازي في قصيدة له: “وكل ألفاظ الوداع مرة، والموت مر، وكل شيء يسرق الإنسان من إنسان”، يسوق هذا المقطع ويعلق: “رحيل ناجي مؤلم وفاجع لأصدقائه وقرائه. الرحيل قدرنا. لكن هناك فرقاً بين الرحيل وبين مرارة الشعور بأنه كان بيننا كاتب كبير حقاً ولم يلق ما يستحقه من اهتمام. فيما مضى كانت السلطات تعتقل الكاتب، تفصله، تشرده، تسجنه، الآن أصبحت كل تلك الوسائل أسلحة مستهلكة، الآن هناك سلاح جديد بارد اسمه (التجاهل). وقد تجاهلت الحركة الثقافية ناجي رغم إنجازاته الكبيرة، ونحَّته عن الأضواء، وأفردتها كلها لكتاب وكتب من نوع (جوزيني يا ماما، وهات لي معاك الترمواى). لم يلق ناجي سوى التجاهل المتعمد الدؤوب، في الوقت الذي ازدهرت فيه صناعة (الكتاب النجوم) خلال ساعات قليلة”.

وأنهى قائلاً: “أما جائزة الدولة في التفوق التي حصل عليها ناجي فلم تكن سوى الفتات الذي يتبقى على موائد الدولة. رحيل ناجي مؤلم، وفاجع، على المستوى الإنساني والأدبي، وأيضا على مستوى أنه يضعنا مجدداً أمام حقيقة أوضاعنا الثقافية التي تنتصر فيها العلاقات الشخصية والمصالح والشطارة على كل كلمة موهوبة. خسارة أدبية فادحة وإنسان لا يعوض. البقاء لله وإلي الملتقى يا محمد”.
وكان الكاتب الكبير محمد ناجي قد توفي توفي فجر اليوم الخميس، عن عمر يناهز 68 عامًا، في مستشفى بالعاصمة الفرنسية باريس، خلال فترة تعافيه من آثار جراحة زرع كبد في الأسبوع الماضي.

وكان ناجي يعاني من مرض السرطان في الكبد، وأجرى من قبل زراعة كبد في باريس.

….

ثقافة 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى