السينما الإيرانيّة تخترق التابوهات بفيلم “محمد”

الجسرة الثقافية الالكترونية
من المتوقع أن يثير الفيلم الإيراني الجديد “محمد صلى الله عليه وسلم”، الذي أعلن إنتاجه عن أزمة جديدة بين إيران من جانب والدول العربية من جانب آخر، ويؤجج الخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة، وسوف تستخدم فيها كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، من حروب فتاوى وتكفير واتهامات لا أول لها ولا آخر، دون اعتبار للخلافات المذهبية بين السنة والشيعة، وعدم الاكتفاء بحظر الفيلم أو منعه لمن يرفضه، كما تفعل إيران للكثير من الكتب السنية، وتفعل الدول السنية للكثير من الكتب والمراجع الشيعية، بحسب “التقرير”.
الأضخم في تاريخ السينما الإيرانية
الفيلم الجديد “محمد” يعد الفيلم الأضخم في تاريخ السينما الإيرانية، إلا أن عشرات الأفلام الدينية التي سبقته، ما جعل سمعة وصيت السينما الإيرانية يقترن بتجسيد الصحابة والأنبياء، وأبرز هذه الأفلام “مملكة سليمان” الذى يجسد في جزئين سيرة نبي الله سليمان وعلاقته بملكة سبأ “بلقيس”، ومن أبرز الانتقادات التي واجهها أنه “يسب نبي الله سليمان ويظهره كـ”ساحر” وليس نبيًا”، وفيلم “إبراهيم خليل الله” الذي قدم قصة إبراهيم عليه السلام وذبح ابنه إسماعيل ونبع زمزم بشكل رآه بعض النقاد العرب جريئًا في تناول التاريخ الديني، وهي نفس الاتهامات التي وجهت للأفلام الإيرانية “أيوب البار” و “المسيح” و”النبراس”، الذي يجسد حياة الصحابي الجليل علي بن أبي طالب.
وفيلم “محمد” أول فيلم سينمائي يجسد شخص خاتم الأنبياء بالصوت والصورة وهو ما يحرمه أهل “السنة” ويبيحه بعض الشيعة، وانتهى صناعه من تصويره، ويتم الآن وضع اللمسات الفنية الأخيرة عليه تمهيدًا لعرضه ضمن فعاليات مهرجان “فجر” في طهران شهر فبراير/شباط المقبل، بالتزامن مع المولد النبوي الشريف، وقد لاقى معارضة شديدة من دول عربية بشكل مبدئي.
ثلاثية سينمائية
ويرى صناع الفيلم أن حياة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أكبر من اختزالها في فيلم واحد؛ لذا، قرر المنتج مهدي هيدريان والسينارست الشهير كامبوزيا باتروفي والمخرج مجيد مجيدي عمل ثلاثية سينمائية، ترصد حياة الرسول منذ ولادته وحتى وفاته، على أن يتناول الجزء الأول الذي تم إنتاجه وتصويره مؤخرًا، سيرة طفولة الرسول الكريم منذ ولادته في عهد الجاهلية حتى بلوغ سن الثانية عشرة، وتعرج الأحداث على نشأته وسفره مع عمه أبي طالب إلى الشام، ووصولهما إلى صومعة الراهب المسيحي “بحيرا” الذي بشّر أبا طالب بظهور خاتم الأنبياء بعد المسيح عليه السلام.
منطقة “كرمان” ومدينة “نور”
وقد تم تصوير مشاهد الفيلم فى منطقة “كرمان” ومدينة “نور” السينمائية الواقعة في جنوب شرق إيران، حيث جرى تصوير المشاهد المتعلقة بهجوم أبرهة الحبشي على الكعبة، وحركة القوافل بين مكة والمدينة قبل البعثة، وفقًا لوكالة أنباء فارس الإيرانية شبه الرسمية، كما تم بناء مجسّم لكعبة صغيرة من الأحجار مغطاة بالقماش تم فيها مراعاة اختلاف أبعاد الكعبة قبل ولادة الرسول الكريم، كما تم جلب عدد من أشجار النخيل من منطقة “بم” بشرق إيران وزرعها في أطراف المدينة السينمائية، بجانب إنشاء نحو 60 بيتًا لتصبح أجواء الفيلم أكثر واقعية.
وكان الفنان الكرواتي “ميلجن كركا كلجاكويتش” قد صمم مشاهد وديكورات الفيلم، الذي بلغت ميزانية إنتاجه 30 مليون دولار، والمقرر ترجمته إلى الإنجليزية والعربية بجانب الفارسية، ويتولى الموسيقار الهندي آي آر رحمان وضع موسيقى الفيلم، على أن يتولى تقديم أغنياته المنشد البريطاني سامي يوسف.
المقاطعة للفيلم
ويقول الناقد الفني محمود قاسم إن “الفيلم ووجه بمعارضة قوية وتزداد رقعة هذه المعارضة مع اقتراب موعد عرض الفيلم”، وقال قاسم -وفقًا للأناضول- إن “مصر وقطر والإمارات والكويت والبحرين والأردن من أوائل الدول العربية التي استجابت لفتاوى تحريم تجسيد الأنبياء”، وتوقع “قاسم” أن “تتسع الرقعة العربية المقاطعة للفيلم، خصوصًا أن السينما الإيرانية بشكل عام غير حاضرة في المشهد السينمائي العربي من المحيط إلى الخليج”، وقال إن “السينما الإيرانية نجحت مؤخرًا في الوصول للعالمية بعدما حصد فيلم A Separation (انفصال) على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، ومع ذلك ظل الفيلم الإيراني غير حاضر بالمرة في المشهد العربي”.
العداء السياسي
وأضاف أن “العداء السياسي بين إيران من ناحية ودول عربية كثيرة من ناحية أخرى، ألقى بظلاله على التبادل الثقافي بين الفريقين، ورغم أن المهرجانات السينمائية الخليجية كدبي وأبي ظبي بدأت في عرض أفلام إيرانية ضمن فعالياتها على استحياء؛ إلا أن عرض الأفلام الإيرانية في دور العرض السينمائية لازال محفوفًا بالمخاطر، خاصة حينما يكون الأمر متعلقًا بفيلم أثار كل هذه الضجة بمجرد الحديث عن التمهيد لعرضه”.
ولفت الناقد الفني إلى أنه “بعد سيطرة الملالي على الحكم في إيران، ثمة دعوات كانت تدور بقوة عن منع صناعة السينما هناك، لكن آية الله الخميني (مرشد الثورة الإيرانية الراحل) تركها، وقال إنه يعتبر السينما وسيلة لتحقيق نشر الحضارة الإسلامية والإيرانية.
الرقابة الصارمة
و دلل “قاسم” على صحة وجهة نظره بـ”الرقابة الصارمة التي يفرضها النظام الإيراني على صناعة السينما”، حيث قال: “يتم تمرير الأفلام التي يرضى عنها النظام الحاكم؛ ولذلك، تولي الدولة اهتمامًا بالغًا بصناعة تلك الأفلام؛ بل وتساهم في إنتاجها بملايين الدولارات”، وأرجع الناقد الفني الشغف الإيراني بإنتاج هذا الكم من الأفلام الدينية عن الصحابة والأنبياء؛ لأنهم “ذهبوا إلى المنطقة الفنية المحرمة على العالم العربي، وأرادوا أن يثروها بعشرات الأفلام التي تخدم توجهاتهم العقائدية”، ولفت “قاسم” إلى أن “كل هذه الخلفيات السياسية الفنية تجزم بأن فيلم “محمد” سيكون خارج المشهد السينمائي العربي تمامًا”.
رؤية المراجع الشيعية
اختلفت معه في الرأي، الناقدة الفنية ماجدة خير الله، التي رفضت اتهام الفيلم بتقديمه لحياة النبي الكريم، وفقًا لرؤية المراجع الشيعية قبل عرضه، قائلة إن “التخوف من بث الفكر الشيعي في بلاد السنة عبر أعمال فنية تحول إلى فوبيا غير مبررة؛ لأن أهل السنة لن يغيروا آرائهم و معتقداتهم الدينية، لمجرد مشاهداتهم لفيلم يطرح رؤى مختلفة؛ لأن المعتقدات الدينية ليست هشة في نفوس الناس إلى هذا الحد”، وتوقعت خير الله أن “يحظى الفيلم بنسب مشاهدة خيالية على الإنترنت، من قبل الجمهور العربي الذي سيدفعه الشغف لمشاهدة الكيفية السينمائية التي يظهر بها النبي محمد لأول مرة في تاريخ السينما منذ أن اخترعها البشر”، مرجحة في الوقت نفسه “عدم عرض الفيلم في البلدان العربية عامة والخليجية خاصة”.
انتهاك صارخ لحرمة الدين
ودعت الناقدة الجمهور العربي لوضع الأمور في نصابها الصحيح، قائلة: “نحن بصدد فيلم سينمائي ربما نستمتع بمشاهدته، وربما نرفض التجربة برمتها بعد عرضها”، ولكن قال سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف المصرية سابقًا وأستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، إن “مشكلة علماء السنة مع فيلم “محمد” ترتكز على سببين، الأول: هو تجسيده لشخصية النبي الكريم بالصوت والصورة، في انتهاك صارخ لحرمة الدين الإسلامي التي تنص على قدسية الأنبياء وعدم امتهانهم، أما السبب الثاني: فهو استناد صانعي الفيلم إلى مراجع شيعية في سرد طفولة خاتم الأنبياء؛ الأمر الذي يشي بأن الفيلم سيحمل لمشاهديه معلومات مغلوطة بالجملة”، بحسب عبد الجليل.
ودعا الشيخ الأزهري شعوب العالم الإسلامي لمقاطعة الفيلم، مبديًا تفاؤله بنجاح دعوات المقاطعة التي تحركها جهات إسلامية عالمية كالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والأزهر الشريف مؤخرًا، وكان عدد من علماء وفقهاء السنّة أفتوا بحرمة مشاهدة الفيلم؛ بسبب تجسيده لشخصية خاتم الأنبياء، فيما أباحه بعض مراجع الشيعة في إيران.
…..
وكالات