كيف وصل كتاب هتلر “كفاحي” إلى الإنجليزية؟

الجسرة الثقافية الالكترونية
أحمد الشافعي *
المصدر / ثقافة 24
كتب الأديب والصحافي فرانك ماكنالي في صحيفة أيريش تايمز مقالاً يستعرض فيه قصة أول ترجمة كاملة في اللغة الإنجليزية لكتاب “كفاحي” لأدولف هتلر، معتمداً على برنامج وثائقي تم بثه حديثاً من قبل هيئة الإذاعة البريطانية.
وهذا ما جاء في المقال:
سبعون عاماً توشك أن تنصرم على وفاة أدولف هتلر، وتقترب معها انتهاء حقوق نشر “كفاحي” الألمانية. معنى هذا أن حكومة إقليم بافاريا التي تمتلك حقوق الكتاب منذ وفاة هتلر لن تعود قادرة على قمع الكتاب مثلما تفعل منذ عام 1945. والنتائج المترتبة على ذلك كانت موضوع برنامج وثائقي في إذاعة (بي بي سي 4) مؤخراً. ولكن ترجمات هذا الكتاب في شتى أرجاء العالم، مثلما أوضح البرنامج، لم تتوقف مطلقاً، وكان من بين الحبكات الفرعية التي تناولها البرنامج قصة أول ترجمة كاملة باللغة الإنجليزية لكتاب هتلر، والتي أتمها قس سابق من كورك.
ولد جيمس ميرفي سنة 1880، وبحلول أواخر عشرينيات القرن العشرين، كان متزوجاً، وصحفياً، ومترجماً، ومقيماً في برلين. وفي عام 1934، ألَّف كتاباً عن صعود هتلر عنوانه “دراما حياته المهنية”، فسُرّ بذلك النظام النازي، وطلب منه أن يقوم بترجمة كاملة لـ”كفاحي” الذي لم يكن صدر قبل ذلك في الإنجليزية إلا في شكل شديد الاختصار.
غير أنهم غيَّروا رأيهم بعد بعض الوقت. وبعد رحلة إلى لندن سنة 1938 للبحث عن ناشر، وتركه المخطوطة كاملة في برلين، علم ميرفي أنه لم يعد موضع ترحاب في ألمانيا. ولكنه كان بحاجة ماسة إلى النقود المنتظرة من النشر الإنجليزي. وهكذا تطوعت زوجته، التي أمكنها الرجوع إلى برلين دون أن تلفت الأنظار، أن تقوم بمهمة الإنقاذ.
حاولت في البداية إقناع مسؤول في وزارة الدعاية أن يفرج عن المخطوطة، بزعم أن هناك نسخة منه توشك على الصدور في أمريكا، وأن نسخة زوجها ترجمة أمينة لكلمات هتلر. فلم يستجب الموظف وسألها “أتريدين أن أوقف ومن ورائي جدار من الآجر وأضرب بالرصاص؟”.
بحثت السيدة ميرفي عن سكرتيرة كانت تعمل عند زوجها وكانت لديها نسخة من المخطوطة، وهذه هي النسخة التي أمكنها الرجوع بها إلى لندن، وإن لم تحصل على موافقة رسمية.
طباعة النسخة الإنجليزية
سورع بطباعة الترجمة، في وقت مشؤوم، مطلع عام 1939. وروجع مراجعة قصيرة في هذه الصحيفة “أيريش تايمز” لكنها مراجعة تعبر عن الإعجاب فقد جاء فيها “في حين لا يمكن للمرء أن يشارك الكاتب في حماساته، بل أنه قد يدين كثيراً من معتقداته في العلاقات الدولية، إلا أنه من الصعب ألا يستشعر المرء شيئاً من التعاطف مع نضاله الشخصي”.
وللإنصاف، فقد راعى الكاتب ما أشار إليه ميرفي في تمهيده حينما قال إنه ينبغي النظر إلى كثير مما في الكتاب من مرارة في سياق “ظروف باتت الآن في ذمة الماضي”. وخلصت المراجعة إلى أن “المترجم التزم برأيه، ولكنه مع ذلك لم يحذف سطراً واحداً من كفاحي”.
بيع من تلك النسخة الإنجليزية نحو مائتي ألف نسخة. ولكن ميرفي لم يحصل من تلك المبيعات على أية عوائد، وذلك من ناحية بسبب الشكوك المحيطة بحقوق النشر، ولأن الناشر احتج بأن المترجم قد حصل بالفعل على أجره عند تكليفه الأصلي بالمهمة. ثم حدث في عام 1942 أن قصف الألمان مطابع الناشر وفيها صحائف الكتاب (البليتات). وعلى إثر ذلك أصبحت الترجمة الإنجليزية هي النسخة المعيارية في اللغة الإنجليزية.
وكان المستفيدون من ترجمة ميرفي يتضمنون الصليب الأحمر البريطاني الذي تراكمت لديه أرباح بيع الترجمة في ستة عشر جزءاً مزودة برسومات معادية للسامية، بسعر ستة بنسات للجزء.
حقق الكتاب بطبيعة الحال نجاحاً تجارياً ساحقاً لهتلر نفسه، وإن لم يكن النجاح سريعاً. فقد فشل إسهابه المرعب واستطراداته الكثيرة وألمانيته الرديئة في نيل إعجاب القراء، ثم حدث أن نال الكتاب ذيوعاً وحقق مبيعات لا تتوفر إلا لكاتب تحول إلى دكتاتور على رأس قوة عظمى.
جماهرية الكتاب
فمنذ ذلك الحين أصبح الكتاب من أكثر الكتب مبيعاً بقرار حكومي، وتراوحت آليات ترويجه ما بين إعطاء نسخة مجانية لحديثي الزواج، إلى طبعات فخمة فاخرة التجليد للقيادات النازية العليا كان يفترض أن تقرأ موضوعة على حوامل خاصة شأن الإنجيل.
ولكن الكتاب حقق جماهيرية حتى بين أولئك الذين ما كان لهم أن يعجبوا به. فكانت الهند من بين البلاد التي بيع الكتاب فيها وظل من أكثر الكتب مبيعاً، إذ اعتبر هناك كل شيء، ابتداء من كونه تاريخاً مناهضاً للبريطانيين، ووصولاً إلى اعتباره “دليلاً للتنمية الذاتية” يتناول صعود رجل من القاع إلى القمة.
ولا يزال برنامج “كفاحي: هل ينشر أم يحرق؟” الذي أنتجه حفيد المترجم جون ميرفي، متاحاً على موقع (بي بي سي) الإلكتروني. في حين يجري التجهيز في ألمانيا للطبعة الأولى من كفاحي بعد انتهاء قيد حقوق النشر، والتي ستصدر مزودة بحواش تفسيرية لازمة، في ظل الخوف من استغلال “النازيين الجدد” للكتاب