مساء الخير أيها القديس- د.حيدر البستنجي(الأردن)

الجسرة الثقافية الالكترونية-خاص-

 

قيثارة فلسطين تواصل عزفها لحن الرجوع وتترك أقدامنا خجلى من حنين يعذبنا كالغياب

إنه الموت ، بعض أوهامنا…… فمن مثله لا يموت

هل يمكن تحدي الزمن أو الهرب منه ، هكذا تساءل جلجامش في رحلة البحث عن الخلود وبعد رحلة طويلة ترك لنا ما يشبه الوصية إنه الإبداع والأعمال التي تبقى بعد تفنى أجسادنا ، نعم سنموت جميعا ولكن الشعراء لا يموتون تخلدهم أعمالهم. و لطالما تسألت هل مات درويش وهو حاضر هنا معنا في كل تفاصيل حلمنا وعشقنا للحياة ورغبتنا بالإنعتاق من المنفى والعودة إلى حضن أمنا فلسطين. أولعلنا جميعا على حد الفجيعة إن فقدنا الإرادة والحلم  كما قال الشاعر الجاهلي عدي بن علاء الغساني:

 ليس من مات فاستراح بميت       إنما الميت ميت الأحياء

إنما الميت من يعيش ذليلا            سيئا باله ، قليل الرجاء

هل يموت الشعراء؟ قطعا لا ! لا يزال عنترة يغري كل فارس بالعشق ولايزال إبن الريب يرثي نفسه وكأنه يموت في الأبد ويحى فيه أيضا. هل مات الحلاج أم جلادوه ، وهل مات صخر حقا والخنساء ترثيه كل يوم وترثي معه كل فقيد لنا، الشعراء لا يموتون وخصوصا من حفروا أسماءهم على جدار الأبدية و علقوا إبداعاتهم على قلوبنا، نعم لم يمت أمل دنقل ولا زال يصرخ في وجوهنا ( لا تصالح ) ولن يموت سميح القاسم  سيبقى منتصب القامة يمشي بيننا برغم أنف الموت كعادة الشعراء المبدعين خالداً يحيى وأينما وليّنا وجوهنا سنجده بضحكة النصر و التحدي للزمن يقهر الموت بما خطه القصيد.

هل يموت من ينجز أكثر من سبعين كتابا ما بين شعر ونثر وسردية ومن غاص عميقا في الصراع  فإشتبك وناقش وترجم وعاند جلاديه وتغلب على واقعه وشرطه الأرضي ، كانت شهرته الشاعر والمناضل، ولكنه كتب نثراً هائلا في مقالاته وسردياته وكان صاحب رواية مدهشة ومؤثرة (الصورة الأخيرة في الألبوم) وهو الذي شكل ثنائية مع محمود درويش تتجاوز الإبداع إلى الشراكة بالحلم  والهم الفلسطيني  بل والإنساني أيضا في أوضح تجلياته. هذا هو بعض سميح القاسم  منثور أمامنا على رصيف العشق للحياة ولفلسطين فأي موت يجرؤ على الإقتراب منه وهو الذي تحدى الجلاد في قصيدته التي اشتهرت باسم (يا عدوّ الشمس):

ربما تسلبني آخر شبر من ترابي

 ربما تطعم للسجن شبابي

 ربما تسطو على ميراث جدي من أثاثٍ وأوانٍ وخوابِ

 ربما تحرق أشعاري وكتبي

 ربما تطعم لحمي للكلابِ

 ربما تبقى على قريتنا كابوس رعبٍ

يا عدوّ الشمس لكن لن أساوم  وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم

منذ مواكب الشمس( أول أعماله 1958م) وحتى (هواجس لطقوس الأحفاد  2012م)والجزء الثالث من كولاجاته الشعرية2012م ومرورا بكل تجربته لم يغادر هوسه الأول وعشقه للغة وللتجريب ورفضه للسائد وتمرده على واقع الأمة البائس ، كان يريدنا جميعا أن نحلم ونقاوم ونعود وإن مات قبل هذه اللحظة فأنه قد زرع بذورها تاركا لنا شعراً متسلحا بالأمل والحياة.

 شاعر الملاحم، وشاعر المواقف الدرامية وشاعر الصراع كما يقول أستاذنا الدكتور عبد الرحمن ياغي ترك جسده يستريح من عناء السفر وغاص في الأبدية مخلدا نفسه ووطنه وقضيته إلى الأبد. مغني الربابة وشاعر الشمس لديه التي تسمح له بأن يكون حاضراً دائما عبر عالمه الشعري.

هل يموت الشاعر؟ ؟ هل يغيب أصلا وهو من شرب من ماء الخلود ! 

 صباح الخير يا هوميروس الصحراء ……. مساء الخير أيها القديس 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى