الفلسطينية رحاب نزّال في معرضها «اللا مرئي»: اعمال فنية تستفز المشاهد وتحيي الذاكرة التي حاول الاحتلال طمسها

الجسرة الثقافية الالكترونية – 

اية الخوالدة #

«أشرطة فيديو ومجموعة من الصور الفوتوغرافية تتحدى المفاهيم الغربية المتعلقة باختراقات اسرائيل لحقوق الإنسان، وتركز على ما هو ضمني ومضمر من ممارسات الإحتلال الإسرائيلي «مضمون معرض الفنانة الفلسطينية- الكندية رحاب نزال والذي يقام في غاليري «رؤى 32» في العاصمة الاردنية عمان بعنوان «اللا مرئي».
يقدم المعرض (4) اشرطة فيديو، في شريط بعنوان «تدريب عسكري في سجن النقب» و شريط بعنوان«أُطر من سجن النقب» تناقش رحاب نزال معاناة المعتقلين السياسيين الفلسطينين في سجون الإحتلال الإسرائيلي، وفي شريط آخر بعنوان «هدف» يعرض سياسة إغتيال القادة والرموز الثقافية الفلسطينية داخل الوطن المحتل وفي المهجر، مسجلة ما يمكن تسميته بالذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى شريط فيديو عن قرية «بلعين»، تسجل فيه تجربتها الشخصية أثناء مشاركتها في إحدى التظاهرات الأسبوعية، حيث يواجه الأهالي جنود الإحتلال الإسرائيلي بصدورهم العارية والحجارة.
وتتعمد نزال من خلال وسائلها في عرض اعمالها الفنية الى دفع المتفرج للتفكير في الأعمال المعروضة تفكيراً نقدياً، فهي تستخدم وسائل متنوعة لتحفيز المشاهد على التأمل و إعمال الفكر فيما يراه، مثل استخدام الصوت بدون ان ترافقه صورة، أو تعرض صور متحركة بلا صوت، أو تلجأ إلى خلق صور متخيلة لصوت واقعي، إضافة إلى استخدام مربعات سوداء في حائط للصور انتزع من شريط مسجل عن أحد الإنتهاكات الإسرائيلية التي مضت كغيرها، دونما حساب.
الفيديوهات التي قدمتها نزال تناولت التعرض للمساجين السياسين وقتلهم بهدف «رفع معنويّات حرّاس السّجن» والتّنكيل بالسّجناء والاستمتاع بشتم أمّهاتهم. في فيلمها الاول عرضت الصوت بلا صورة، فيه يُسمع صوت هجوم الجنود ومطالبتهم الأسرى بالاستسلام والخروج من مهاجعهم على بطونهم، يُقرأ مترجماً في أسفل الصّورة السّوداء. والثّاني عبارة عن جدار يتضمّن (1700) صورة التُقِطت من الفيديو الأصلي، نصفها مربّعات سوداء، داعيةً المتفرّج لاستنباط ما يراه مناسباً وملء فراغ المربّعات السّوداء بخياله. ربّما كان هذا الخيال، مخلوطاً بالصّدمة والخوف من كشف اللّامرئي.
اما الفيديو الجدلي «هدف» تناولت فيه «نزال» تجربتها الشّخصيّة واستيعابها للماضي الفلسطيني في أربع دقائق، ضمت عشرات الصّور لوجوه وملصقات كانت جمّعتها من شوارع فلسطين عبر السّنين. الصّور توثّق إعلانات نعي لمفكّرين وقادة وناشطين فلسطينيّين كانت قد اغتالتهم إسرائيل داخل فلسطين وخارجها، كغسّان كنفاني وناجي العلي. كلّ صورة من هذه الصّور تظهر في إطارٍ دائري، كما رآها القنّاص من خلال عدسة فوّهة بندقيته. وتظهر لجزءٍ من الثّانية على خلفيّة معتمة ثم تتلاشى بشكلٍ جزئيّ، مرسّخةً أثرها على الشّاشة كصورة شبحية واحدة، شبهاً بالأثر المتروك في الذّاكرة الجماعيّة الفلسطينيّة، وتلك الخاصّة بالفنّانة. استخدمت «نزال» في «هدف» واقع الفقدان بصوره لتستوعب ذكرى الحيوات الفلسطينيّة بشكلٍ عام وفاجعة فقدان حياة أخيها «خالد نزّال» بشكلٍ خاص، الّذي اغتيل سنة 1986، تماماً كما اغتيل العشرات من أصحاب الوجوه المعروضة في الفيديو خارج جدران المحاكم.
والمعرض الذي سينتقل في السادس والعشرين من الشهر الجاري الى مركز «خليل السّكاكيني» في رام اللّه، كان قد اقيم في الثّامن من أيّار/ مايو الماضي في غاليري «كارش – ماسون» في مقرّ بلديّة العاصمة الكنديّة «أوتاوا»، وكانت «نزال» تعرف أن معرضها يتحدّى المسلّمات المسكوت عنها باستعراضه قصصاً من واقع الحياة الفلسطينيّة تحت حكم الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وبالتّالي، كان من الطّبيعي أن تتوقّع رحاب أن يخلق معرضها جدلاً أو نقاشاً معيّناً، كما حصل في معارضها السّابقة في كندا. لكن ما لم تتوقّعه هو زيارة السّفير الإسرائيلي في كندا «رفائيل باراك» لمعرضها واحتجاجه عليه، وقيام اللّوبي الإسرائيلي وثلاثة أعضاء من مجلس العموم الكندي بمهاجمتها والمعرض ليطالبوا رئيس البلديّة بإغلاقه الفوري.
الا ان عرض الأعمال استمرّ كما كان مخطّطاً حتّى الثاني والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي، ومنحت هجمتهم منصّة صحافيّة عالية قُدّمت للفنانة على طبقٍ من فضّة، استخدمتها لإعادة الكشف على «اللّا مرئي» من الانتهاكات الإسرائيليّة لحقوق الإنسان. كما استخدمتها لاستنكار التّدخّل، معتبرةً إيّاه «امتداداً للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في كندا»، وضاعفت من تأثير نقدها على الصّعيدين الفنّي والسّياسي. فقد اجتذبت حادثة تدخّل السّفير اهتمام قاعات عرضٍ أخرى، وتلقّت «رحاب» اتصالات هاتفيّة من مختلف أنحاء العالم لتقصّي أخبار المعرض وتفاصيله. وبالتّالي، ومن حيث لا يدري، منح الهجوم على المعرض صوتاً للفرد والجماعة الّتي أراد إسكاتها، رافعاً من شأن الذّاكرة الّتي حاول طمسها.
يذكر ان رحاب نزال حاصلة على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة اوتاوا، قسم الفنون البصرية، ودرجة الماجستير في برنامج وسائط التوثيق، من جامعة ريرسون في تورنتو، ومرشحة لدرجة الدكتوراة في الفنون والثقافة البصرية من جامعة غرب إنتاريو، كندا. وهي عضو في العديد من جمعيات الفنون والوسائط الفنية المتعددة ومنظمات حقوق الإنسان العاملة في كندا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى