اللغة العربية في مصيدة «الخواسر» الكوميدية

الجسرة الثقافية الالكترونية

*مبارك حسني

 

الكلام الخاسر في العامية المغربية تعني الكلام غير اللائق الذي فيه قلة أدب، والذي قد يصل حد البذاءة. واستناداً الى هذه المعاني فهم بعضهم ما قامت به ثلة من شباب بابتداع سلسلة «الخواسر» الشيقة المحكمة إخراجاً وإن كانت سمتها العامة تبدو صادمة. ولكن مما قد يحسب ميزة لها أنها جعلت التلفزيون المغربي مجدداً في عمق النقاش العام. وبالكاد خفت الجدال العنيف المتضارب حول سهرة جنيفر لوبيز في مهرجان موازين الكبير بكل المقاييس والتي نقلتها قناة «دوزيم» بما فيها من رقص وإيحاءات اعتبرت مُخلة بالجو العائلي المفترض حول التلفزيون العمومي الذي من الواجب أن يحترم اﻷخلاق كأحد الثوابث المجتمعية، حتى بدأ الكلام عن سلسلة «الخواسر» التي اعتبرها بعضهم ماسة وحاطة من قيمة ثابث آخر هو اللغة العربية في معطاها الفصيح الذي ﻻ يجوز الاقتراب من قداسته أو المساس به ولو على سبيل السخرية الهادفة.

وواضح ان هذه السلسلة هي عبارة في الأصل عن باروديا تحويرية لمسلسلات عربية معروفة سابقاً مثل «الكواسر» الذي سبق وعرضته قنوات عربية. وهذه الإزاحة التحويرية تناولت من جهة الشخصيات التراثية الطابع، من كبير القوم وحاشية ورعية، ومن جهة الديكور المميز الذي يحيل على البادية والقصور والبراري الممتدة، ومن جهة اللباس العربي القديم من جلابيب وعمائم، ومن جهة العلاقات العمودية المعتمدة على السلطة والتراتبية في المجتمعات التقليدية.

والحق أن مشاهدة الحلقات بلا المكون الصوتي يمكن أن تغالط كثراً في البداية نظراً للشبه في كثير مما تمنحه الصورة عند أول وهلة بين الكواسر والخواسر مع قياس الفارق طبعاً، لكن سحنات الممثلين وطابع الحركية الخفيفة يظهر أن النوع المختار هنا يتعلق بالكوميديا المرحة.

وهذه الأخيرة اختار لها أصحاب السلسلة أن تعتمد على اللسان العامي المغربي بكل تلاوينه وطبقات رناته، وما راكمه من أمثال وعبر وتعابير متداولة شائعة، «الفصيح» منها والمهزوز، الحامل للمعنى كما الفارغ من الدلالة، المثير والسطحي. وهو الشيء الذي ليس منتقداً في حد ذاته، أو قد يُعاب في منحاه الخالص كوسيلة تواصل ولسان الملايين. فالمعروف أن العرب القدامى في غابر الأزمان لم يكونوا يتكلمون الفصيح من العربية في حياتهم اليومية، بل كان، كما هي الحال في زمننا هذا، لكل ربعٍ كلامه ونطقه وقاموسه العامي المميز. ثم أليست اللغة العربية صلبة وصامدة منذ قرون بفضل المنتوج الإبداعي الضخم الذي منحته الإنسانية وما تنفك تمنحه حتى الساعة؟

أصحاب وكتاب السلسلة المليئون بالحيوية والخفة اختاروا أن يضعوا النقطة والفاصلة في منطوق الحوار، وأن يحترموا قواعد التراكيب والصرف والنحو في الكلام العامي، أي أنهم شكلوا العامية المغربية شكلاً. وهذا ما أثار حفيظة المحافظين والغيورين على «نقاء وصفاء» العربية الفصيحة، فتناول الإعلام الأمر كل من جهته وحسب قربه من اللغة العربية، إيديولوجياً وأكاديمياً.

ولكن تبقى السلسلة من حيث التشخيص والحبكات المخصصة لكل حلقة متقنة ومسلية كيفما كان الحال، رغم ما قد تخلق من انزعاج. ففي النهاية، الأهم في المنتوج التخيلي الدرامي والكوميدي أن يُقنع المشاهد، ويقدم له طبقاً ممتعاً، ولكن هل على حساب اللغة العربية؟ ذاك هو السؤال القديم الجديد … الشباب هنا رمى حصاة في ماء، وهز أحاسيس ومشاعر وقام بدوره «الشبابي»، وها هو يحقق نسبة مشاهدة محترمة.

المصدر: الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى