انسحابات من اتحاد كتّاب المغرب بدأت صامتة وصارت معلنة

الجسرة الثقافية الالكترونية

*محلص  الصغير

المصدر: السفير

 

وقّع 15 كاتبا مغربياً قراراً بالانسحاب الجماعي من «اتحاد كتّاب المغرب»، يتقدمهم نائب رئيس الاتحاد الشاعر عبد الدين حمروش، الذي كان جمّد عضويته في المكتب التنفيذي، قبل فترة. كذلك وقّع البيان الناقد المغربي عبد الفتاح الحجمري، الكاتب العام الأسبق للاتحاد، والناقد شرف الدين ماجدولين، والشاعر والروائي محمود عبد الغني، والشاعر صلاح بوسريف والشاعرة إكرام عبدي، وآخرون.

وأجمع المنسحبون على أن أسباب الانسحاب لا حصر لها، وقد بلغت مبلغا لا يطاق؛ إذ حقق المكتب التنفيذي للاتحاد «تراكما غير مسبوق في الأخطاء التسييرية». شرف الدين ماجدولين، في لقاء مع «السفير»، يقول: «تعددت الأسباب والقرار واحد»، بينما يرد رئيس اتحاد الكتاب عبد الرحيم العلام على المنسحبين بالقول إنه لم يفهم معنى هذا الانسحاب، على أساس أن «القانون الأساسي للاتحاد ينص على الاستقالة»، متسائلا: «لماذا اختيار هذا التوقيت بالذات… لتجديد الانسحاب؟». يأتي هذا الانسحاب الجماعي ليطرح أسئلة كبرى حول واقع الثقافة والمثقفين المغاربة في علاقتهم باتحادهم، الذي «لم يعد» يوحّد الكتّاب المغاربة اليوم.

ما هي الأسباب التي عجّلت بإعلان الانسحاب من الاتحاد، بخاصة أن البيان جاء في صيغة مختصرة جدا؟ يرى الناقد والروائي شعيب حليفي، أنه يظل مؤمنا دوما بما أسماه «الشرط التاريخي الذي يُنضج كل حركة للتغيير»، مثلما يؤمن بأن المثقفين المغاربة لهم «من النضج والوعي ما يجعلهم في الموعد دائما مع القضايا التي يرونها جوهرية». أما محمود عبد الغني، فيرى أن الأسباب لا تحصى «مثلما لا تحصى الأيام والأسابيع والأشهر والسنون التي اختُرق فيها اتحاد كتاب المغرب من طرف جماعة من الانتهازيين»، على حد وصفه، معتبرا أن «ما ارتُكب في حق الاتحاد ليس مسبوقا».

الأخطاء القاتلة

عبد الغني يشدد على ما أسماها «الأخطاء القاتلة»، التي يرصد بعضها في غياب الحضور الثقافي الوازن، وتدني عدد ومستوى الندوات واللقاءات الفكرية، الأمر الذي خلق «بيئة مناقضة تماما للمنظور الثقافي الذي راكمته المنظمة العتيدة في تاريخ المغرب الحديث»، فضلا عن «إشاعة جو أخلاقي سلبي»، يتمثل في «هيمنة ذاتية الزمرة المنتفعة، التي تسافر خارج المغرب بسبب ومن دونه، وفي ذلك نهبٌ لمالية الاتحاد الذي بقي على قيد الحياة بفضل المنح المالية»، إلى جانب تفاقم ظاهرة «النشر السيئ، في غياب المعايير، بحيث أصبح من الواضح أنهم يكثرون من النشر لكسب أصوات في المؤتمر القادم».

وكما يحرص المكتب التنفيذي الحالي للاتحاد على استمالة أصوات الناخبين الكتّاب، من خلال نشر جملة من الإصدارات لهذا الكاتب أو ذاك، كما يعلق المنسحبون، يسجل آخرون ما يعتبرونه «مجانية» في منح العضوية، من أجل خلق أصوات جديدة، لحسم المؤتمر المقبل، وضمان الظفر بقيادة الاتحاد من جديد. هنا، يرى ماجدولين أنه «حين يتم منح عضوية لأكثر من خمسين شخصا في جلسة لم تستمر أكثر من ساعتين، ومن دون نقاش حقيقي ولا فحص لمضمون الوثائق، يتحول الأمر إلى تآمر على المبدأ الأساس الذي قامت عليه المنظمة، وهو الانتصار للإبداع المغربي»، في إشارة إلى العضويات التي تم توزيعها مؤخرا. ويتساءل ماجدولين عمّا إذا كان المغرب قد أنتج، بالفعل، وفي سنة واحدة، أزيد من خمسين كاتبا يستحقون الانضمام لاتحاد لكتاب المغرب؟ وإذا كان الجواب بالنفي، وهو الراجح والمعقول، في نظر ماجدولين، فإن الأمر يتعلق هنا بما يسميه «إغراق للاتحاد بعديمي المواهب، ممن يسهل استخدامهم في أي مواجهة مع الكتّاب الحقيقيين، لإضعاف صوتهم في المؤتمرات وفي النقاشات الفكرية، وتسفيه أسئلتهم وآرائهم».

وتتلخص أسباب الانسحاب في جملة معطيات مماثلة، برأي عبد الدين حمروش، أولها «غياب المضمون الثقافي في هذه المرحلة» ويرى أنه، «حتى إن جادلنا في وجود مضمون ما، فإنه لا يخرج عن إطار التماهي مع السلطة / الدولة»؛ في حين أن «الاستقلالية والمسافة النقدية المعقولة، هما السببان الرئيسان اللذان جعل اتحاد كتابنا يحظى بالاحترام والتقدير من قبل مختلف المثقفين المغاربة، إضافة إلى الهيآت المدنية التي ارتبطة معه بميثاق نشدان التغيير الديموقراطي في بلادنا. وللإشارة، فقد انبثقت المنظمة، تاريخيا، من صلب الحركة الوطنية، في إطار مشروع بناء الدولة المغربية الحداثية المُواطنة. هكذا، عرفنا اتحاد كتاب المغرب مناضلا في الساحة الثقافية، منخرطا في قضايا الوطن الكبرى، وفي قضايا الأمة العربية… وفي طليعتها قضية تحرير فلسطين المحتلة».

انحراف فانهيار

يلخص الكاتب والناقد السينمائي عبد اللطيف البازي، أسباب الانسحاب في «شعور تنامى بالضيق والانزعاج من التفريط في الرصيد الرمزي الذي التقت أجيال من الكتّاب والمثقفين في إغنائه وتطويره». وفي مقابل ذلك، يرى البازي أن «هنالك نيّة مبيتة للقضاء على هذا الرصيد وتشويه مسار إطار تميز دوما بجاذبيته وإنصاته لنبض المجتمع ومراهنته على المستقبل».

من جهته، يرى صلاح بوسريف، وقوع «انحراف حقيقي عن المسار التاريخي لاتحاد كتّاب المغرب». ويجد أن هذا الانحراف تحول إلى «انهيار» فهذا «الانهيار له تاريخ، وله أسباب، تعود للمسافة التي لم يحرص الاتحاد على اتخاذها، حين أصبح بعض اليسار في السلطة، وحتى قبل هذا التاريخ، كانت هناك اختيارات لا تسير في سياق الاستقلالية عن الأحزاب نفسها، ما جعل تيارا سياسياً يصبح هو المهيمن على الاتحاد». غير أن هذه الأسباب لم تخرج، في نظر بوسريف، عن «صلب الخلافات الفكرية والمذهبية»، إلى أن حدث هذا «الانحراف الكبير عن مسار الاتحاد الفكري والعقائدي، ليتحول إلى هيمنة شخصية، لا علاقة لها لا بالسياسي ولا بالفكري، أو بالثقافي». لهذا ظهرت «الأطماع الفردية والشخصية»، وأصبح الاتحاد «مستباحا»..

رئيس الاتحاد عبد الرحيم العلام رأى أن هذه المبادرة ليست انسحابا، بل «تجديد الانسحاب»، على أساس أن بعض الموقّعين كانوا «انسحبوا من الاتحاد منذ زمان، ولم تعد تربطهم به أية صلة. لا حضور مؤتمراته، ولا المشاركة في أنشطته». يرد بوسريف معتبرا أن «ما كان يجري هو أن انسحابنا كان صامتا، أو نوعا من تجميد علاقتنا بهذه المؤسسة، لكن هذا لم يكن كافيا، لأن هذه المؤسسة بقيت تتكلم باسمنا، وتستعملنا في ضمان مشروعيتها، وهذا كان طبيعيا، لأننا لم نعلن انسحابنا منها، أمام الملأ».

في رده على المنسحبين، ركز رئيس الاتحاد على بوسريف، بل ويعرّض به ويصفه بـ «الزعيم المفترض»… فهل من صراع ثنائي شخصي، بين الغريمين، فضلا عن الصراع الجماعي الذي يخوضه بوسريف اليوم ضد «اتحاد العلام»، يجيب بوسريف «بخصوص علاقتي الشخصية مع رئيس الاتحاد، فأنا لم أعرفه إلا حين عرض علي المشاركة في التحضير للمؤتمر، فأخبرته أن لي رأيا، لا أعتقد، في ظلّ الجو السائد داخل هذه المنظمة، يمكن قبوله، أو الأخذ به، أو حتى الإنصات إليه، وهذا ما حدث بالفعل حين وجدتُ نفسي أمام جيوب مقاومة شرسة من أصحاب المصالح داخل هذه المؤسسة، فهذا الشخص لا تربطني به علاقة شخصية، ولم يسبق أن عرفته خارج هذا السياق، ما يعني أنني مشغول بما هو ثقافي، ولا علاقة لي بالفردي والشخصي».

في هذا السياق، يسجل حمروش، على العلام أنه «أخذ يجنح بالمنظمة إلى طريق مغاير، مثل المبالغة في عقد اللقاءات الرسمية مع الجهات الحكومية، وتوقيع اتفاقات الشراكة الفارغة مع المؤسسات الثقافية العربية والدولية، من دون مراعاة لتنفيذها بما يخدم الدينامية الثقافية في بلادنا. ولعل المبالغة في الأمرين الأخيرين، هي التي حولت سفريات الرئيس، وبعض أعضاء مكتبه، إلى مجرد سفريات للسياحة، يقصفون بصورها، الملتقطة في أكثر من عاصمة ودولة، عموم الكتاب المغاربة صباح مساء»، ويخلص إلى أن «اتحاد الكتاب الذي كان يناهض الاستبداد، صار يعيشه من خلال سلوكات الرئيس، التي أضحت تنم عن الاستئثار بالقرار الثقافي والإداري والمالي للمنظمة بكاملها».

الموقعون على الانسحاب رفعوا شعار «قادمون»، على «انتفاضتهم» على رئاسة الاتحاد، إذ أن «استنكار ما يجري باسمنا، كان ضروريا في خطوة أولى، إلى حين الاجتماع بغالبية المثقفين والكتّاب، وتقرير ما يتوجب فعله»، إذ كما يرى حمروش وماجدولين أن الموقعين اليوم لا يشكلون سوى «النواة الصلبة للحركة. أما المتعاطفون فبالعشرات، وسننشر في الأيام القادمة لوائح المنضمين كلهم».

هل يعتزم «القادمون» الإعلان عن إطار جديد، أم سيخوضون صراعا من أجل العودة إلى الاتحاد واستعادته من جديد؟ لا يستبعد ماجدولين، أيا من الخيارين وكلاهما مطروح للنقاش بين الكتّاب المغاربة الأعضاء منهم أم غير المنتسبين، «لكننا نرى في البداية أن طرح المشكلة وتحريك البرْكة الآسنة من شأنه ألّا يترك الأقلية المهيمنة الآن مرتاحة إلى ما تجترئه من انحرافات»، في حين يراهن بوسريف على «استعادة المؤسسة، وإعادة هيكلتها، وحمايتها بالقوانين التي تنجو بها من الاستفراد والاستحواذ».

«قادمون» كلمة بدلالات واسعة وواعية، يضيف شعيب حليفي، ذلك أننا «جزء من جيل كامل لا ندعي أننا نملك حلولا سحرية، ولكننا حركة موجودة في مجتمعنا، لها القدرة على الانتفاض والتغيير في مجتمع لا نريده أن يكون مقبرة لأحلامنا وطموحاتنا».

 

بيان الكتّاب المنسحبين

«إيماناً منّا بالدور التاريخي الذي تنهض به مجموعة من مكوّنات الحركة الثقافية والسياسية التقدمية في المغرب، بحيث كانت دوما في طليعة النضال من أجل محاربة الفساد والاستبداد، وإرساء ثقافة المحاسبة، سواء في الدولة أو المجتمع المدني، ولوضع حدّ لتمييع المشهد الثقافي؛ فإننا نرى أن ما بات عليه اليوم وضع منظمة ثقافية عتيدة هي «اتحاد كتاب المغرب»، من ارتهان بين يدي قلّة لا تمثل، في السياق الراهن، رأي أغلبية الكُتّاب المغاربة، نتج عنه تحويل لدور المنظمة الطبيعي، وعبث برصيدها التاريخي، لأجل تحقيق مكاسب شخصية ضيقة، مع مراكمة الأخطاء التسييرية والطيش، غير المسبوق، في إبداء المواقف الفاقدة للعمق وللصدى والشرعية القاعدية، فإننا نعتقد أن بقاءنا في الاتحاد في وضعه الحالي، يعتبر تزكية منا لهذا الزّيغ، وقبولا منّا له.

لهذا نعلن انسحابنا من «اتحاد كتاب المغرب»، في الوقت الراهن، وإلى أن تتوفر شروط إحداث التغيير المطلوب، وهو انسحاب لا يعني بأي حال من الأحوال استقالة من الفعل الثقافي، إنما هو سعي نحو خلق أفق ثقافي وفكري أرحب.

الموقعون: عبد الفتاح الحجُمري، شعيب حليفي، شرف الدين ماجدولين، محمود عبد الغني، نورالدين صدوق، صلاح بوسريف، محمد بودويك، محمد بوخزار، خالد بلقاسم، عبد الدين حمروش، مراد القادري، عبد اللطيف البازي، عبد اللطيف محفوظ، إكرام عبدي، شفيق الزكاري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى