ثقافة اقتناء الأعمال الفنية في الإمارات

الجسرة الثقافية الالكترونية

محمد أبو عرب:
يمكن القول إن ثقافة اقتناء اللوحات الفنية، ثقافة غريبة ووافدة إلى المجتمعات العربية، إذ يرتبط ظهورها بتاريخ بروز مدارس الفن الحديث، وتحديداً مع ما يسمى اصطلاحا اللوحة المسندية، تلك اللوحة المشغولة لتعلق على الجدران، سواءً أكانت قماشاً مشدوداً على إطار أو على ورق، أو خشب، أو غيرها من الخامات .
ولا يعد هذا الأمر غريباً، إذ مدارس الفنون الغربية هي التي نقلت العمل الفني من دوره الوظيفي الجمالي، إلى دوره الجمالي البحت، فالثقافات الشرقية تكاد تكون استخدمت الفن في المقام الأول في إطار وظيفي، بمعنى ظلت الأعمال الفنية المرسومة، والزخارف، والخطوط، وغيرها من المجسمات، تنفذ داخل القصور، والمساجد، والبيوت كجزء من الجدران أو الأبنية .
ربما يؤكد تاريخ الفن العربي القديم أن فكرة الاقتناء وتعلق الأعمال الفنية ظلت نادرة جداً وفي إطار ضيق، وليست من باب الوعي بقيمة العمل الفني بقدر ما هو حاجة للتزيين، وغيرها، فالدارسون أكدوا أن أقواماً عربية قديمة كانت تعلق الأواني الفخارية المزخرفة على الجدارن بوصفها أعمالاً جمالية، إلا أن هذا ظل في إطار ضيق ولا يكرس ثقافة كاملة يمكن الرجوع إليها لدراستها بوصفها ظاهرة أو ملمحاً بارزاً في ثقافتنا العربية .
يعود هذا إلى عوامل عدة أسهمت حتى اليوم في غياب ثقافة اقتناء الأعمال الفنية، وربما أولها أن الفن ما زال حتى اليوم مرتبطاً في الذهنية العربية بالترف، ولم يدخل مطلقاً إلى قائمة الضرورة، وهذا ما جعل الاعتناء بالفن والإبداع بصورة عامة، فعلاً كمالياً، ويظهر هذا في النظر إلى الثقافة الشعبية العربية التي تمثل أغلبية السكان، فهم لا يأبهون بعمل فني، ولا تعنيهم أن تكون هناك لوحة لفنان عالمي معلقة على جدران بيتهم .
الإجابة التي تأتي بديهياً عن تلك الحالة، تتمثل بأن هذا هو الوضع الطبيعي، إذ للإنسان حاجات أساسية لا يمكنه تلبيتها بصورة عشوائية غير منتظمة، بل هي مرتبة تصاعدياً، والعناية بالإبداع والفن، تأتي بعد درجات عديدة تنحدر تحتها، الحاجات الفسيولوجية، والنفسية، والأمن، والتعليم،و غيرها، فإن كانت الكثير من المجتمعات العربية لم تصعد درجة أو اثنتين من سلم الحاجات – وفق تعبير ماسلو- فكيف لها أن تفكر بالدرجة العاشرة من هذه الحاجات .
بالضرورة يبدو الأمر منطقياً، لهذا تصور الثقافة العربية مفهوم اقتناء اللوحات عند رجال الأعمال، والأثرياء، والعائلات المخملية، وهذا كرسته الثقافة العربية سواءً في الأعمال الروائية، أو المسرحية، أو في السينما والتلفزيون، التي يظهر فيها الأمر بصورة واضحة، فغالباً ما يظهر الشخص الفاحش الثراء، نموذجاً لشخصية دقيقة في المواعيد تعنى بالأثاث والديكور، وتحرص على اقتناء الأعمال الفنية، والتحف .
الأمر الآخر الذي أسهم في غياب ثقافة الاقتناء عربياً، يعود ربما إلى ثقافة الديكور في البيوت، وشكل الأثاث، فالثقافة العربية الشعبية في مجملها، تفترش الأرض، وتستعيض عن الطاولات العالية، بالأرض، وهذا لا يتماشى مع ثقافة تعليق الأعمال الفنية على الجدران، إذ ترتبط فكرة اللوحات المعلقة بالمقاعد العالية التي يرى فيها الجالس اللوحات قريبة من مستوى نظره، وهي تستند إلى توزيع الإضاءة في البيت وغيرها من التفاصيل التي لم تتوافر شروطها في البيت العربي .
إلى جانب هذا فهناك علاقة ملتبسة بين التجسيد والثقافة العربية، وهو ما أحدث علاقة غربة مع اللوحة والفن بصورة عامة، فالمجتمعات العربية لا تزال رهينة الكثير من التقاليد والقيم القديمة، التي جعلت منها مجتمعات توصف بعض الأحيان بأنها مجتمعات مغلقة .
اليوم وبعد انفتاح نوافذ عديدة في الثقافة العربية، بدأت تظهر بوادر تغير لافتة نحو اقتناء الأعمال الفنية، لكن المثير هو أن هذه البوادر أخذت طريقها في مجتمعات الرفاه العربي، أي في بلدان الخليج التي يعيش فيه الفرد بمستوى معيشي مرتفع، ومن السهولة عليه الوصول إلى الدرجة العاشرة من الحاجات لتتفتح لديه رؤى جديدة لتلمس الجمال ومنح القيم الفنية جانباً من اهتماماته .
المتتبع لهذا التغير يجد نهوضاً واضحاً في سوق الفن الخليجي المنفتح على العالم، فالإمارات أنشأت متحف “غوغنهايم” الذي يقدم بعضاً من أهم المنجزات الفنية المعاصرة، وأنشأت متحف “لوفر” أبوظبي الذي يعد أول متحف عالمي في الوطن العربي . ويعرض المتحف الذي جاء ثمرة اتفاقية بين أبوظبي وفرنسا، الأعمال الفنية، والمخطوطات، والموضوعات التي تتميز بأهمية تاريخية وثقافية واجتماعية . وستأتي المعروضات التي يمتد عمرها عبر آلاف السنين، من مجتمعات وثقافات من جميع أنحاء العالم، في حين سيتم تسليط الضوء على الموضوعات العالمية والتأثيرات المشتركة لتوضيح أوجه تشابه التجربة الإنسانية المشتركة التي تتجاوز حدود الجغرافيا والأعراق والتاريخ .
وكذلك الحال في متحف الشارقة للفنون الذي يطل كل فترة بنخبة مختارة من أبرز المقتنيات الفنية العالمية التي كان آخرها مقتنيات لأعمال الحفر والطباعة في الهند، والباكستان، وجاءت تحت عنوان “مسارات” .
إضافة لهذا تشهد الإمارات أسماء الكثير من المقتنين الكبار في الدولة، إلى جانب هذا كله تؤكد حركة سوق اللوحات في المزادات ودور العرض التي تستضيفها دبي، على نماء لافت في ثقافة اقتناء اللوحات في الإمارات العربية المتحدة

الخليج الثقافي #.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى