خواطر ووجدانيات ما بين الإبداع والأوهام

الجسرة الثقافية الالكترونية –
آية الخوالدة:
اختلفت الاراء وتضاربت حول ما ينشر في صفحات الفيسبوك اليوم من خواطر ووجدانيات، او ما يسميها اصحابها كتابات ونصوصا ادبية، فمنهم من يراها مساحة ديمقراطية للبوح بكل ما يجول في الخاطر، في ظل الخلاص من سلطة الرقيب، وبالتالي هي ايضا وسيلة لإيصال الصوت المبدع فنيا وأدبيا ومن دون تكلفة، بينما يراها البعض الاخر طفرة وتطفلا على عالم الكتابة الابداعية الحقيقية، ووهما كبيرا وكاذبا. حول هذا الموضوع كان لـ «القدس العربي» عدد من اللقاءات مع مجموعة من الادباء والفنانين العرب.
يرى الكاتب والفنان التشكيلي المغربي حسان بورقية، انه في زمن البطالة اصبح كل شيء سطحيا، فالجميع يبحث عن صيغة للاعتراف به كفنان او مبدع، من دون ان يمتلك لغة عميقة تقدم رؤية معينة، وهذا ما يحدث على صفحات الفيسبوك، ثقافة عربية سطحية، تعتمد على الاستهلاك السريع، الذي لا يتطلب تفكيرا، سواء في الموسيقى او الكتابة. وعندما نقارن ما نشهده اليوم بالرموز الفنية العالمية، مثل «فيس بريسلي، بيتلز ومارلين مونرو وودي ألن في السينما، الذين كانوا رموزا للحرية لمجتمع جديد ضد الاستهلاك والبحث عن المال والغنى السريع، نجد اننا فقدنا الطرب والفن الاصيل. ومن هنا يجب ان لا نعترف إلا بالكتاب الحقيقيين اصحاب التجربة الجادة.
فيما اشاد الكاتب والناقد الاردني د. ابراهيم خليل، بالفيسبوك ودوره الايجابي في منح المشتركين فرصة التعبير عما يجول في خواطرهم، وما تجيش به نفوسهم من مشاعر، سواء أكانت تجاه الأحداث التي تذاع على المواقع ذاتها، أو التي تبث أخبارها في قنوات الإعلام المسموع والمرئي، أو على المواقع الصحفية الإلكترونية، أو خواطر يبثون فيها أفكارهم ومواقفهم وآراءهم الذاتية.
وافصح د. خليل عن استفادته من متابعة هذه النصوص، يستخلص منها اراء تفيده في عمله، سواء على مستوى الكتابة او التدريس، وأضاف: «يبدو أن الكثير من المشتركين والأصدقاء يتعجلون في نشر ما يكتبون على مواقع التواصل «الفيسبوك» لذا لا تخلو في بعض الحالات من كلمة ناقصة هنا، أو عبارة مختلة هناك، أو خطأ طباعي، أو إملائي، أو تقديم وتأخير في الكلمة. ومن الممكن التغلب على ذلك بمراجعة النص «الخاطرة أو القصيدة أو المقالة» مراجعة دقيقة لتلافي مثل هذه الأخطاء. وفي ما عدا ذلك أرى في ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي من كتابات وخواطر، خيرًا لا يحتاج إلا لبعض الروية والتدقيق، فقد يظهر من بين من يكتبون القاص، والشاعر، والروائي، والناقد، والمسرحي».
بينما يؤمن الروائي الجزائري واسيني الاعرج ان الفيسبوك اكبر مساحة ديمقراطية للجميع، من الاغبى والغبي الى الأذكى ونصف الأمي الى العَلامة والشخصية الثقافية المرموقة. فإذا انطلقنا من هذه المقولة سنواجه كل الانواع ولن نستطيع حرمان الناس من هذه المساحة. وفي حال اعتبروا انفسهم كتابا مهمين، لا اعتراض، لكن القيمة الادبية لا يمكن ان تُفرض في الفيسبوك، هو مجرد سلم لوصول الصوت المميز الى الاخرين، احيانا اقرأ نصوصا واندهش من أصحابها لعدم نشرهم اي كتب ورقية، كما اتلقى يوميا مئات النصوص والمخطوطات واقرأ بعضها، وانصحهم بنشرها وأحاول توجيههم.
وبحسب الاعرج هنالك الجيد والسيئ في ما نرى من كتابات، لكن الثقة بنظام الأدب، فهو من القسوة بحيث لا يقبل في نهاية المطاف إلا بما يتجاوب مع جوهره، ففي فرنسا ستصدر 675 رواية في موسم العودة الأدبية، وجميعها روايات لكتاب معروفين، سيبقى منها في احسن الاحوال 20 الى 30 نصا تتنافس على الجوائز الادبية وتحقق اعلى نسب المبيعات.
الكاتب اليمني محمد الغربي عمران، وصفها بثورة من الحرية والديمقراطية، موضحا: «بعد أن كانت منابر النشر محدودة على الصحافة والإذاعة والتلفزيون، ملايين الصفحات تتيح للجميع الكتابة بالشكل وبالطريقة وبالكم الذي يراه الكاتب. وإرسالها لقراء لا تحدهم حدود سياسية ولا جغرافية، وبالتالي تحول الجميع الى كتاب، مشكلين ثورة من الحرية والديمقراطية، ثورة لم يعد للرقيب عليها أي سلطة تُذكر. ثورة تقود الى اختفاء المطبوعات الورقية خلال عقود قليلة وظهور كتابات جديدة في المضمون والشكل والبنى الفنية، إلى جانب أجناس إبداعية جديدة ومنابر ستقود إلى فضاء معرفي وإيداعي.
واختتم الغربي حديثه:»في تصوري أن الفيسبوك وغيره من وسائل النشر الإلكتروني سيتجدد يوما بعد يوم، ليظهر أكثر من خدمة وأكثر من طريقة لإيصال ما يريد الفرد قوله، إلا انه برأيي ليس كذبة كبرى، بل فضاء من الحرية والديمقراطية، والخلل يكمن فيمن يكتب من دون وعي بما يكتب، وتبقى وجدانيات او خواطر لا علاقة لها بالشعر او القصة، لكنها تقودنا إلى عالم من التجديد وتجاوز الأطر والقوالب إلى أفق الكتابة المتجددة. وعلينا ألا ننظر إلى تلك الكتابات بأحكام مقولبة مسبقا، وبعقلية إبداع الأمس».
الفيسبوك بالنسبة للكاتب والناقد الاردني محمد العامري، مساحة للكذب وايهام عامة الناس ببطولات لم تحدث في الواقع، محاولة لتعظيم الذات الصغيرة، فنجد فنانة او فنانا تشكيليا اتعب الناس بلوحات بائسة على صفحته يوميا كما لو انها تفريخ افتراضي لفنان عظيم على الفيس، لكن في الواقع لا نجد لوحة له على جدران دور العروض التشكيلية المعترف بها .
وأضاف العامري:»الأمر المحزن ان صاحب هذا الزيف يطلب عبر رسائل على الهواتف النقالة من اصحابة ان يضعوا «لايكات» على ما يضعه من وهم على صفحته، كما لو انه استجداء لشهرة زائلة في الاصل، ومن الممكن ان يغضب منك فيسبوكي وأنت لا تعلم كونك لم تضع له «لايك».
اما في ما يخص اصحاب الكتابات والخواطر يقول العامري:»معظم الفيسبوكيين تحولوا الى كتاب اشعار وخواطر شخصية مليئة بالأخطاء اللغوية، وبعد فترة وجيزة من «اللايكات» المعتادة يتوهم كاتب تلك العبارات بوهم الكتابة ويتصرف ككاتب محترف ويطالب بإنصاف الادباء الاردنيين كونه اصبح منهم افتراضيا. ان حجم ما انتج من اوهام ابداعية على الفيسبوك يساوي اضعاف مساحة الوطن العربي وهذا الامر يقودنا الى تفحص حجم الخراب الذي سيشاع لدى العامة بمفاهيم العمل الفني وصولا الى كتابة النصوص الرديئة، تلك الرداءة ستشكل تيار خطرا على ذوق الناس وتشكل ثقافتهم كون الفيسبوك يشكل عائلة كبيرة وجارفة لا يمكن السيطرة عليها إلا بحصانة المستخدم ثقافيا».
القدس العربي