رحالة وسياسيون زاروا الامارات والخليج قبل النفط .. في مرآة الفارس

الجسرة الثقافية الالكترونية – وكالات –
يقدم د. محمد فارس الفارس في كتابه “رحالة وسياسيون زاروا الامارات والخليج قبل النفط” رؤية متميزة لـ 12 مذكرة كتبها رحالة وسياسيون وزائرون لمنطقة الخليج في فترات تمتد من أواخر القرن السادس عشر إلى أوائل سبعينيات القرن العشرين، نشر بعضها ودخل بعض الآخر طي النسيان، وقد استعرضها في 12 فصلا مطعمة بصور نادرة، حيث لم تقتصر رؤيته على استعراض رحلات قام بها رحالة مثل الهولندي لينخوتن والبريطاني ولييم بلجريف فقط، وإنما استعرض أيضا زيارات سياسيين بريطانيين ومدرسين عرب كتبوا انطباعاتهم عن الحياة والعادات والتقاليد أثناء فترة وجودهم بالإمارات ومنطقة الخليج، كما استعرض بعض الكتب التي خطها زائرون للإمارات، ولم يعد طبعها بعد ذلك.
يقول الفارس “هناك كثير من الرحالة الأجانب الذين زاروا عالمنا العربي في فترات مختلفة من العصر الحديث، ومن يتجول في معارض الكتب، سيلاحظ وجود العديد من الترجمات لهؤلاء الرحالة الذين قدموا من جميع أنحاء العالم ليروا سحر الشرق الذي سمعوا عنه، وقرأوا بعضا منه في روايات ألف ليلة وليلة وغيرها، كما أن هناك رجال سياسة وموظفين أقاموا في بعض البلدان العربية خلال فترات مختلفة من التاريخ الحديث والمعاصر، وكتبوا مذكراتهم، فنشرت بعضها، وكثير منها حفظت علي أمل النشر فيما بعد، وطواها النسيان، وكان نصيب منطقة الخليج من هذه الرحلات كبيرا، ولكن معظم الرحلات، كما نلاحظ من الترجمات العربية لكتب الرحالة التي كثرت في السنوات الأخيرة، تركزت في منطقة نجد والحجاز وصحاري العراق والشام، حيث جذبت حياة البدو وتجمعات القبائل الكبيرة مثل شمر وعنزة وغيرها، الكثير من الرحالة الأجانب الذين حرصوا علي رؤية حياة الصحراء، وانجذبوا لها، أكثر من انجذابهم لحياة المدن الساحلية في منطقة الخليج العربي، لذا فإن الرحلات التي قام بها الرحالة لمدن الخليج أقل بكثير من تلك التي شملت مناطق القبائل في الصحراء العربية الممتدة”.
الرحالة الأول وهو الهولندي جان فان لينخوتن، وقد أكد الفارس أن هذا الرحالة هو أكثر رحالة أثار اهتمامه، “بحثت كثيرا عن رحلته، وذلك بسبب قدم رحلته التي تمت في أواخر القرن السادس عشر الميلادي، حيث أنه في تلك الفترة، لم تكن الإمارات قد تكونت بعد، ورأيت ملخصا عن هذا الرحالة في كتاب (الإمارات.. التاريخ الأسطوري لساحل اللؤلؤ) الذي ألفه كزافييه بيكلوك، ولكني وجدت فيما بعد ملخصا لرحلته في مركز الوثائق بأبوظبي، حيث تمت ترجمة رحلته من اللغة الهولندية للإنجليزية، وأهم ما اشتملت عليه الرحلة، ما ذكره لينخوتن عن مهنة صيد اللؤلؤ التي كانت أهم مهنة في منطقة الخليج”.
أما الرحالة البريطاني وليم بلجريف الذي زار الإمارات عام 1863، فقد احتوت رحلته التي زار فيها أيضا بعض مدن الخليج ومناطق واسعة من نجد، علي الكثير من تفاصيل الحياة الاجتماعية للسكان، ووصف للمدن والقرى والعادات والتقاليد والحياة الاقتصادية وغيرها. وقد نشرت هذه الرحلة باللغة الإنجليزية للمرة الأولى عام 1865 في جزئين، ويعتبر بلجريف أكثر شخص استطاع أن يصف لنا الإمارات في فترة الستينيات من القرن التاسع عشر.
رحلة الكولونيل صموئيل مايلز كانت لمنطقة البريمي عام 1875، و”البريمي كانت منطقة تحوي مجموعة من القرى، بعضها تابع لعمان، وأخرى تابعة لأبوظبي، كانت تسمى كلها باسم البريمي قبل أن تقسم بين عمان وأبوظبي في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، لتصبح القرى التابعة لأبوظبي تحت مسمي (العين)، هو اسم إحدى تلك القرى، واستمر اسم البريمي يطلق على القرى التابعة لعمان”.
وقال الفارس إن اهتمامه باستعراض رحلة مايلز يعود لسببين، “الأول أن وصف مايلز للبريمي، يعني إعطاءنا نبذة عن الحياة في جزء من الإمارات في السبعينيات من القرن التاسع عشر، والثاني أن مايلز ليس رحالة، وإنما أهم من ذلك، فهو سياسي بريطاني، كان يعمل معتمدا سياسيا وقنصلا في مسقط خلال الفترة من عام 1872 – 1880”.
وفي رحلته لمنطقة الخليج خلال عامي 1903 و1904، قام الرحالة الألماني هيرمان بوريخارت بزيارة أبوظبي في بداية عام 1904 والتقي بالشيخ زايد بن خليفة حاكم أبوظبي والتقط صورا جميلة لزايد وأبنائه، ثم قام بزيارة دبي، وقام بوصف مبسط للمدينتين، إلا أن وصفه لبقية مدن الخليج كان أكثر شمولا.
واستعرض الفارس زيارة اللورد كيرزون نائب ملك بريطانيا في الهند لمنطقة الخليج 1903، وأكد أن “كيرزون يعتبر أهم مسؤول بريطاني زار منطقة الخليج أثناء الاحتلال البريطاني للمنطقة، فهو بمثابة حاكم للهند والمسئول عن منطقة الخليج في الحكومة البريطانية، وتعكس تفاصيل الزيارة وما جري فيها، شخصية كيرزون المتعالية، وطيبة التعامل البريطاني مع حكام منطقة الخليج خلال تلك الفترة”.
وخصص الفارس فصلا لرحالين أحدهما إيراني والآخر هندي، زارا الإمارات في الربع الأول من القرن العشرين، وروى أحدهما حادثة دبي المشهورة التي قتل فيها مجموعة من مواطني دبي علي أيدي القوات البريطانية، أثناء مطاردة الإنجليز لبعض مهربي الأسلحة عام 1910.
ثم أفرد الفارس فصلا لرحلة الرحالة الإيراني الذي روي حادثة دبي وهو أحمد فرامرزي الذي زار الإمارات بين عامي 1926 و1928، و”رحلة فرامرزي غير منشورة وكانت مدونة باللغة الفارسية، وقام د. صادق العسكري بترجمتها للعربية، ولكنه لم ينشرها، وتفضل مشكورا بإهدائي نسخة منها، وهي رحلة تشمل الإمارات وبقية مدن الخليج”.
الفصل الثامن خصصه الفارس لرحلة أشهر رحالة زار الإمارات وعاش بين أبنائها خمس سنوات خلال الفترة من 1945- 1950، هذا الرحالة هو ويلفرد ثيسيجر الذي سماه البدو “مباك بن لندن”، وألف كتابا عن رحلته باسم “الرمال العربية”، والتقط عشرات الصور للإمارات والحكام. وتعتبر من أجمل الصور التي التقطت للإمارات في تلك الفترة لشمولها ووضوحها.
ويلتقي الفارس مع أول مدرس لمدرسة نظامية أسست في الإمارات، وهي مدرسة القاسمية بالشارقة التي بدأت عامها الدراسي الأول عام 1953، وقد أجرى المقابلة مع المدرس وبنفس الوقت ناظر المدرسة المرحوم مصطفي يوسف طه 1993، وتحدث فيها طه عن الشارقة وبدايات التعليم في الإمارات في تلك الفترة، “كما أمدني بمجموعة من الصور الجميلة التي التقطها للشارقة والمدرسة خلال فترة الخمسينيات”، والمدرس الثاني الذي رافق مصطفي طه وبدأ معه تأسيس التعليم النظامي بالشارقة هو أحمد قاسم البوريني الذي أقام لمدة سنتين من 1953 – 1955، ثم غادر الشارقة إلي الكويت ومنها إلى ألمانيا، وانقطعت أخباره، و”لكن البوريني ألّف كتابا عن الإمارات وانطباعاته عنها خلال فترة إقامته فيها، ونشر الكتاب عام 1957 باسم “الإمارات السبع على الساحل الأخضر”، ولكن الكتاب غير متوفر بالمكتبات، ويبدو أنه لم يطبع مرة أخري، ووقع في يدي بالصدفة وقمت باستعراضه على حلقات في جريدة الخليج، وبرع البوريني في وصف الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الإمارات في تلك الفترة بتفاصيل كثيرة، كما حوي الكتاب بعد الصور التي قام بالتقاطها، واستعراض انطباعات البوريني”.
يتناول الفارس انطباعات عبدالقادر زلوم عن الامارات في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، والتي نشرها أيضا في كتاب بعنوان “عمان والإمارات السبع” صدر عن مكتبة الحياة ببيروت عام 1963، ويبدو أيضا أنه لم يعد طبعها، وقال “وكان من الضروري إطلاع القراء على انطباعات زلوم عن الحياة في الامارات في تلك الفترة، وليس واضحا من هو زلوم، أو أسباب وجوده في الامارات في تلك الفترة، وهل كان مدرسا أم مجرد زائر. وفي كل الأحوال تعتبر معلومات عن المنطقة معلومات ثرية ومهمة للجوانب التي تناولها في كتابه.
أما أطول الفصول في الكتاب فهو الفصل الحادي عشر وقد خصصه الفارس لزيارة وفد الجامعة العربية للإمارات عام 1964 برئاسة الأمين العام للجامعة عبدالخالق حسونة، وكانت تلك الزيارة أول اختراق عربي للسييطرة البريطانية على منطقة الخليج، وهي زيارة مهمة لأنها أيضا أول اتصال رسمي لمؤسسة تمثل الدول العربية ودول عربية غير مستقلة في تلك الفترة هي دول الخليج.
وأخيرا يتناول الفارس انطباعات بدر الخالد البدر عن الإمارات من خلال مقابلته الشخصية له عام 2002، ومن خلال كتابه الذي أصدره وأهداه نسخة منه، و”البدر تقلد مناصب كثيرة، وقام بخدمات جليلة للإمارات، فقد كان أحد أعضاء وفد الجامعة العربية الذي زار الإمارات عام 1964 وهو الذي أسس وأدار مكتب الكويت في دبي 1963، كما شارك في مباحثات الاتحاد التساعي”.