«رقصة الجدات»… الجسد لا يعترف بالعمر

الجسرة الثقافية الإلكترونية
المصدر: الحياة
شهدت مونتريال في إطار الدورة التاسعة لمهرجان «ترانس أميركا» الذي يختتم الخميس المقبل، احتفالية راقصة على مسرح جان دوسيب – ساحة الفنون تكريماً للمسنات والمسنين الكنديين البالغين مرحلة» العمر الذهبي.
واستُهل المهرجان بتقديم فرقة «جدات راقصات» بعد أن استبقها بحملة إعلانية وإعلامية واسعة على شاشات إلكترونية عملاقة وفي الصحف وشبكات التواصل الاجتماعي.
تعود نشأة هذه الفرقة إلى الراقصة والمصممة الكورية الجنوبية ايون مي ان، المشهورة عالمياً باسم Pina Bausch. وتخرجت من أكاديمية الرقص في نيويورك عام 1990. وتعرفت على ثقافة الشيخوخة ورقص المسنين القادرين على السير به في زمن ما قبل الموت. وقامت بجولات واسعة على الدراجة الهوائية في المدن والأرياف الصينية لاستقطاب مسنّات. وتولت تدريبهن في الساحات العامة والشوارع. وعام 2010 أبصرت فرقة «جدات راقصات» النور، وتوالت عروضها وشهرتها على المسارح الأوروبية والأميركية والآسيوية.
حلبة المسنين
اعتلت 12 امرأة حلبة الرقص بأجساد منيعة، بعضها نحيل وبعضها الآخر ممتلئ، وبأعمار تتراوح بين 50 و90 سنة. وجميعهن أمهات أو جدات أو ربات بيوت أو مزارعات أو مزينات أو بائعات. نساء لم تنل منهن السنون، فما زلن مفعمات بالحيوية والنشاط، وعلى وجوههن ملامح الفتوة والقوة والتحدي.
فالمرأة كما يقال «لا تكبر» فكيف إذا كانت تمتهن الرقص كخيار فني للرشاقة والنضارة؟ فالعمر لدى هؤلاء الراقصات مجرد نافذة للإطلال منها على العالم الخارجي بحاضره وغابره. ووجودهن على المسرح هو بحد ذاته رحلة استذكار للتاريخ بحلوه ومره، ويترجم على المسرح بانتفاضة نسوية هي أشبه بملحمة شعبية.
هكذا هي لغة الجسد، تستولد الأحداث وتحاكيها وتستنفر المشاعر بآلامها وآمالها وتنتصر في النهاية للحب والحياة.
لم تقتصر «رقصة الجدات» على المسنات بل رافقهن تسع شباب، ربما لضخ دم فتي حار، أو للإصرار على تعايش الأجيال وتفاعل القديم والجديد والأصالة والتجدد.
وبفضل هذا التكامل الفني بين جيلين متباعدين، وضبط رقصاتهما على إيقاعات موسيقى التكنو، لم يلغ أحدهما الآخر، ولم يجتمعا على رقصة واحدة . فكل منهما كان يقرأ في كتابه الخاص ويعبّر من خلاله على ما ينتابه من مشاعر.
وبين الحين والآخر، كان المسرح يتحول تحت المؤثرات السمعية البصرية الضوئية إلى عرض للأزياء التي طغى عليها لون الشفق حينا واللون الأزرق الليلي أحياناً، تمهيداً للاحتفال بزفاف عروس لامست أعتاب القرن، وهي تتمايل بغنج ودلال بفستانها الأبيض وسط أهازيج الغبطة والفرح التي عمت القاعة وحوّلتها إلى حلبة رقص جماعية.
وبانتهاء احتفالية الرقص على موسيقى حماسية وحركات سريعة متلاحقة وتقنيات ضوئية وصوتية عالية، انبطحت النسوة أرضاً وتحركن وسط الظلام في كل اتجاه، رؤوسهن شامخات وعيونهن شاخصات كأنهن يناجين قوى خارقة من عالم آخر.
وأعجب نقاد كنديون بـ «رقصة الجدات» ووصفها ماريو غلوتييه بأنها «نموذج أحدث ثورة في عالم الرقص التقليدي الآسيوي والمعاصر» في حين أشاد لوك بيلنجيه بـ «أدائها المسرحي المحترف ومضامينها الإنسانية والسياسية والاجتماعية التي يمكن أن تشكل فيلماً وثائقياً ورواية ملحمية تاريخية».