رولا بعقليني: صعب أن تكوني امرأة فكيف مؤلفة موسيقية

الجسرة الثقافية الالكترونية
جوزيت ابي تامر
عندما طلب منها أستاذ اللغة الفرنسية في المدرسة، أن تكتب موضوعًا عن أهم إنسان في حياتها، اختارت أن تكتب عن بيتهوفن. لم يأت خيارها خروجًا عن المألوف بل كان ترجمة لشغفٍ رافقها مذ كانت طالبة إلى أن أصبحت أستاذة جامعيّة. هي أولّ من يصل صباحًا إلى كلية الموسيقى في جامعة الروح القدس – الكسليك وآخر من يغادرها، تتحدّث رولا بعقليني عن الموسيقى كمن يدافع عن قضيّة، وتروي عن امتهانها التأليف الموسيقي بدهشة من يعزف مقطوعته الأولى.
تروي المؤلفة الموسيقيّة رولا بعقليني في لقاء مع «السفير» أنها بدأت أولى خطواتها الموسيقيّة في الثامنة من عمرها، حينذاك أراد والدها أن تتعلم الباليه. ألحّت عليه لتتسجّل في صفوف البيانو في مدرسة راهبات القلب الأقدس الداخلية في بكفيا حيث كانت تتعلّم. بعد سنة توجهت رئيسة الدير لوالدها قائلة: «بدك تنتبهلا البنت موهوبة». زادت هذه الكلمات قناعة الوالد فاشترى بيانو لابنته المأسورة بالموسيقى وبدأت الدراسة في الكونسرفاتوار في الرابعة عشرة. «عندما سمعت باخ وبيتهوفن قررت أن أكون مؤلفة»، لكنّ بعقليني وبعد إنهاء دراستها في المعهد العالي للموسيقى تابعت دراساتها العليا في علم الموسيقى في جامعة الروح القدس. وبعد فوزها في مسابقة «دو ماجور» للعزف بدأت تعليم البيانو والمواد النظرية، ولا تزال حتى اليوم، في الجامعة التي تخرّجت منها. كما علّمت تاريخ الموسيقى لعشر سنوات في جامعة القديس يوسف ولسنة في جامعة سيدة اللويزة. تقول بعقليني أنّ هذه السنوات كانت «حرقة في قلبها» لأن مشروعها الأساسي كان التأليف.
لم يثنِها الاستغراق في التعليم عن درس «الهارموني»، فبدأت بالتأليف بمفردها إلى أن نصحها أحد الأساتذة بدراسة التأليف في الولايات المتّحدة. قدّمت أعمالها إلى جامعة «نيو أورليانز» فحازت منحة، ودرست التأليف الموسيقي، بعدها انتقلت إلى جامعة «تكساس تيك» حيث حازت على دكتوراه في التأليف، وعادت إلى لبنان عام 2012.
قبل أن تتخصّص أكاديميًا في التأليف أنجزت بعقليني مقطوعتها الأولى في التاسعة عشرة من عمرها وأسمتها «وحدة» (dereliction)، وألّفت بعض الأعمال للبيانو كما وزّعت بعض الأغاني الشرقية. آخر أعمال بعقليني «إفتتاحية من لبنان» ستعزفها خلال هذه السنة الأوركسترا اللبنانيّة الفلهارمونيّة بقيادة الإسباني جوردي مورا الذي أعجب بالعمل. كما أن بعض الموسيقيين أخذوا أعمالاً لها لعزفها في فرنسا. تعزو بعقليني تأخر عزف موسيقاها لأنها بحاجة إلى تحضير كبير خاصة من الناحية الإيقاعية وتتطلّب وجود أكثر من مئة عازف».
حديثة وكلاسيكية
تصنّف بعقليني أعمالها أنها حديثة وكلاسيكيّة في آن على نمط أعمال المؤلّف الموسيقي الهنغاري بيلا بارتوك الذي أثّر بشكل كبير في أعمالها وتقول عنه: «بارتوك حالة خاصة لانه دمج بشكل عضوي بين الفولكلور والكلاسيك وصنع لغة موسيقية خاصة به»، لا تصنّف بعقليني أعمالها لبنانية صرفا وتفضّل أن تدرجها في خانة الموسيقى المعاصرة. «تأثري بالموسيقى اللبنانيّة والتراث السرياني دفعني لإدخال العنصر اللبناني ودمجه في الموسيقى الكلاسيكيّة، لا يكفي لصق بعض الأكورات لصنع هوية موسيقيّة».
العنصر الشرقيّ في موسيقى رولا بعقليني عزّزته دراستها للعود والمقامات. «أحب الموشحات والقدود الحلبية وأول موسيقى عربيّة سمعتها هي رباعيات الخيّام لأم كلثوم». تذهب بعقليني إلى أقصى الحدود في كلّ ما يتعلّق بالموسيقى فقد تعلّمت اللغة الروسيّة للإنخراط بشكل أفضل في أسلوب الهارموني الروسيّ. وهي تتابع اليوم بعيدًا عن الأجواء الكلاسيكيّة، دراسة توزيع الجاز والروك والبوب إضافة إلى كتابة الأغاني الأجنبية، ضمن ورشة ستوديو للتوزيع الموسيقي بدأت بالعمل عليه منذ أشهر.
برغم دراساتها الموسيقيّة المتشعّبة، تتمنّى بعقليني لو أنّها درست أيضًا التأليف الموسيقي للأفلام: «حلمي أن أؤلّف موسيقى للأفلام، هذا الأمر يتطلّب دراسة متخصصة أندم أنني لم أنجزها، لكن مع عملي في الاستوديو ودراستي الكلاسيكيّة سأثابر لأحقق هذا الحلم، يتطلّب الأمر بعض الوقت لكنني صبورة».
التأليف الموسيقي
يتصدّر لائحة أحلام رولا بعقليني الموسيقيّة، ان يفتتح فرع لتعليم التأليف الموسيقي في لبنان: «التأليف موهبة لكنه بحاجة الى تعليم وتقنيّة وصقل، ولو توفّر هذا التخصص في لبنان لكان اتجه إليه عدد كبير ممّن يدرسون علم الموسيقى أو العزف». في ظلّ انشغالاتها التعليميّة تتمنى بعقليني لو تستطيع أن تخصص مزيدًا من الوقت للتأليف ويكون مصدر عيشها الوحيد، لكنها لا تتخلّى بشكل نهائي عن التعليم. «أخصص الوقت بين منتصف الليل وساعات الصباح الأولى للتأليف».
تؤكّد بعقليني ان الانسان اذا لم ينجح في بلده لا يمكن أن ينجح في الخارج، وتفسّر عدم شهرتها بابتعاد الجمهور عن الموسيقى الكلاسيكيّة وميله نحو الموسيقى العربية التي تعدّ موسيقى غنائية قبل ان تكون موسيقى آلة. وتضيف: «لا اتخذ ميول الجمهور كحجّة، عليّ أن أبادر أيضًا تجاه الجمهور وألاقيه، وأخرج من شخصيتي الإنطوائية إلى حدّ ما».
غالبًا ما يصنّف التأليف الموسيقي كمهنة خاصة بالرجال، فتصبح المؤلّفة أو قائدة الأوركسترا استثناء. تعلّق بعقليني على الموضوع قائلة: «عندما كنت أقول أنني سأصبح مؤلّفة، لم يؤخذ كلامي على محمل الجدّ، أن تكوني امرأة في لبنان أمر صعب فكيف لو أردت أن تكوني مؤلفة موسيقيّة أيضًا». تخطط بعقليني لأن تقتبس من مؤلفات جبران خليل جبران أو ناديا تويني وتقدّمها ضمن إطار أوركستراليّ. تقول: «ما يهمّني هو أن اؤلّف، يجب ان أكون صادقة مع نفسي في التأليف، من يعمل ما يحبّ لا بدّ ان يصل». أطمح أن يقال عنّي يومًا: «امرأة استطاعت ان تؤلف موسيقى كلاسيكية منصهرة مع الموسيقى الشرقية وصلت الى العالمية».
قالوا عنها
عن رولا بعقليني يقول مدير المعهد الوطني العالي للموسيقى بالتكليف وليد مسلّم في اتصال مع «السفير» أنها عصاميّة عملت وناضلت لتصل. مضيفًا: «عرفتها مذ كانت في الكونسرفاتوار وقد برعت في الهارموني، ما يميّز كتابات رولا أنها معاصرة ولديها إلمام بالآلات الموسيقيّة لذلك تعطي كلّ آلة حقّها». يشير مسلّم إلى أن مؤلفات بعقليني تحمل خلفيّة بحثيّة وتشبه الحفر، وهي ليست سهلة للعزف أو السمع».
من جهته يرى عميد كلية الموسيقى في جامعة الروح القدس ـ الكسليك الأب يوسف طنوس، في اتصال مع «السفير» أن بعقليني أستاذة منظمة وتتواصل بشكل جيّد مع الطلاّب، وكمؤلفة لديها نظرة جديدة في الموسيقى وهي من بين قلّة تجيد التأليف الموسيقي.
المصدر: السفير