سمير الشريف يقرأ مشهد القصة السعودية القصيرة

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

محمد الحمامصي

 

يرسم هذا الكتاب “المطر والغياب.. مراجعات في القصة السعودية القصيرة” للناقد سمير أحمد الشريف والصادر حديثا عن دار أروقة مشهد القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية، من خلال قراءة المؤلف 25 مجموعة قصصية لـ 25 كاتبا وكاتبة، تؤشر إلى ثراء وتنوع المشهد وما يتجلي فيه من رؤى وأفكار تعالج مختلف القضايا التي تعتمل في الكاتب أو الكاتبة.

 

كما تكشف أن الكاتبات يشكلن زخم المشهد وإضاءاته المتميزة، من هذه المجموعات التي تناولها المؤلف “في البدء كان الرحيل” لفوزية الجارالله، “الخلاص” لمحمد الصويغ، “أحبك ولكن” لمريم الغامدي، “انعتاق” لنورة الأحمري، “منتهى الهدوء” لشريفة الشملان، “تهواء” لنورة الغامدي، “نصف رجل” لسارة الأزوري، “ربما غدا” لشيمة الشمري، “وكان حلما” لصالحة السروجي، “حفاة” لطاهر الزارعي،”دماء الفيروز” لطلق المرزوقي، “الحفلة” لعبدالله باخشوين ، “سكون المرأة الموحشة” لعبدالله العتيق، “أمنيات حافية” لعقيلة آل حريز، “دموع ليلة الزفاف” لقماشة العليان، “أعماق بلا بحار” لفاطمة حناوي، و”مجموعات” لهيام المفلح، وهيفاء الفريح، ووفاء الطيب، وجبير المليحان، وخالد الخضري، وخالد اليوسف وعبدالعزيز الصقعبي.

 

يقول المؤلف فما يشبه المقدمة: “عاصرتُ القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية خلال فترة ازدهارها في ثمانينيات القرن العشرين عبر منافذ كان لها حضورها، كدورية “أذرع الواحات المشمسة”، ومجلة “التوباد”، وملف الثقافة والفنون، وملف نادي الرياض ونادي الطائف، ونادي أبها، والمجلة العربية، ومجلة الحرس الوطني وغيرها من المنافذ الأدبية، ثم توقفتُ لتوقفِ بعض تلك الإصدارات، وانشغالي بالسفر والعمل.

 

وعدتُ من جديد لأجد منابر جديدة ووزارة للثقافة ونواديَ أدبية، بمجلات ذات حضور، وانتشار وسمعة، ونشاط طباعي لافت، وصفحات وملاحق ثقافية لصحف يومية، عملت جميعا على إيصال صورة الأدب الحديث في المملكة العربية السعودية، لقطاعات واسعة داخل وخارج الإطار المحلي”.

 

ويشير إلى أن هذه المتابعات التي ضمها الكتاب “غطت أكثر المناطق الجغرافية في الساحة الثقافية السعودية، ممثِلة لمدارس أدبية حديثة، شاملة فئات عمرية من كبار السن وعميقي التجربة، إلى الشباب الجديد بإبداعاته التي ما زالت تخضع لمبضع التجريب وقد تم فيها توظيف الأساليب السردية المعاصرة والغوص في أعماق الذات الإنسانية وتتبع خلجاتها”.

 

ويلفت إلى أن حضور الأنثى شكّل في هذه المتابعات عدديا، ما يلفت الدارس، وإن ركّزت مضامين تلك الأقلام النسائية على همها الخاص، عدا بعض القصص التي خرجت من عباءات الذات، لتلامس فضاءات أوسع “فوزية العيوني وهيفاء الفريح”.

 

وقد ظهرَ في النصوص مدار المتابعة، إتهام واضح للمدينة، بؤرة لصراع الإنسان وتقييد حريته ومصادرة إنسانيته، مقابل النظر للقرية والطفولة كفضاء نقي يحيا الكتّاب وشخوصهم بالإحساس بهم، حالة من النستالوجيا. وتظهر النماذج التي تمت متابعتها، غياباً لافتاً للأماكن المقدسة، كالحرم المكي، والمسجد النبوي بكل ما فيهما من دلالات روحية مقدسة، الاستثناء فقط وجدتهُ فقط في نصوص “عقيلة آل حريز”.

 

في قراءته لأعمال القاص جبير المليحان يرى المؤلف أن المليحان “حمل هم الإبداع وأنشأ موقع القصة العربية مستقطبا الأقلام من كافة المدارس الأدبية، والفئات العمرية، وتنوع تجاربها، وترك بصمته على هذا المنجز، نراه يقعّد لنظرية جديدة في التعاطي مع النصوص السردية القصيرة، والتي ذهب النقاد فيها مذاهب شتى، لكنه أصر أن يظل متميزا بإطلاق تسمية فريدة جديدة “القصة الصغيرة “، مؤكدا أنها لا تنفي القصة القصيرة العادية ولن تكون بديلا عنها، لكنها نوع من التجريب الإيجابي الذي يتسع له الأدب، بما تفرضه متطلبات السرعة والمعاصرة”.

 

ويلفت إلى أن “تفوق جبير المليحان في إبداع نصوص لا تقول، بل تلعب لعبة الإخفاء، تساوقا مع تعريف القصة، بأنها فنُ العجز عن فهم التباسات العالم، رغم تشابهها مع الواقع، ومن ثمّ فنجاحها يرتبط طرديا مع ما تثيره قراءتها في داخلك، وبقاء أثرها فيك”.

 

مع نصوص “المليحان” نقف على فلسفة الأشياء، والمواقف التي كاد الاعتناء بالفكرة فيها يأخذ بعض الاهتمام بالشكل، لدرجة تحدث في ذهن المتلقي صدمة فكرية إيجابية، كما تلتقي نصوص “المليحان” على ثيمة التمرد، سواء على مستوى الشخصية، أو الشكل الفني، متخذا من التجريب وسيلة فنية، تبدأ بالواقع وتنتهي بالفنتازيا، مانحة متلقيها الاشتباك معها من أكثر من زاوية، لينتج أكثر من تأويل”.

 

وفي قراءته لمجموعة “في البدء كان الرحيل” لفوزية الجارالله، يقول المؤلف: عايشت الكاتبة في مجموعتها “في البدء كان الرحيل” واقع الأنثى وهمومها، وعكست التوترات التي تحياها، كانت ريشتها صادقة في نقل المعاناة التي تعتصر الأنثى لدرجة ارتقت في مضامينها إلى مستويات إنسانية عليا، قصص “في البدء كان الرحيل” رصد لواقع المرأة، وتفسير صادق ناضج وحميم، لبعض الحواجز التي تقف حائلا أمام نهوضها، إنها محاولات ناجحة في تجسيد الإحساس الداخلي للشخصية المعجونة بالانتظار والفقد، مما يجعل ذلك همَّا مشتركا يربط بين بطلات النصوص جميعا”.

 

ويرى أن أبجدية حياة تشكل مدخلا لمجمل الفضاء السردي في مجموعة “موجز النشرة” للكاتبة فوزيه العيوني، معلنة الصرخة المدوية للساردة، نتيجة ما يعتور حياتها من مضايقات وحواجز وكبت. يعتري ساردة نصوص “موجز النشرة” يأس وخوف حد فقدان الأمل. يلفتك ذلك النفس الروائي الذي يتمدد بين السطور مما يشير لظهور روائية تمتلك أدواتها: “في المناسبات النادرة التي تجمعني بها، يؤرقني بؤس وجهها وصمتها الذي يدفعني للتساؤل إن كانت فقدت إحدى حواسها أو أن وشاية خبيثة أفسدت بيننا”.

 

ويقول في قراءته لمجموعة “تهواء” لنورة الغامدي: الصدق في توظيف المعاناة والإخلاص لإيصال الرسالة، والإيجاز في حمل مضامين النصوص وجدناها في “تهواء” الغامدي، ناهيك عما يتسلل من روح الشعر بين طيات النصوص التي يمنحها إيقاع النثر المموسق قوة في مقدمات نصوصها. تلفحنا حميمية “الغامدي” في تعاملها مع الحدث والأشخاص والأمكنة، وتستوقفنا شخصية الجد بإطارها المؤسطر، وكلماتها التي ترشح واقعية، وتفسيراتها التي تسعصي على التنميط، فهو سبب انحناء هامات الرجال وسبب في دوران الناس حوله، هذا المعقد البسيط العصي على التفسير والذي يجترح أساليب جهنمية للحصول على لقمة العيش ويأتي بالغيم الحجازي و… و”مع ذلك فلا تجسر على تأمل وجهه، مارد من رصاص وصدر يبعث روائح الكادي والريحان، شجاع في التصدي للظلم، غير هيَّاب في قتل الأعداء، ذو نخوة، لا يرضى لجاره ضيما ومع ذلك فهو مدلس غشاش وإن قال الحِكم وتفوَّه بالكلمات الساحرة”.

 

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى