وسط دياجير الظلام .. ليوناردو دافنشي العالم الإسلامي

الجسرة الثقفاية الالكترونية – وكالات -وسط دياجير الظلام الفكري والعقائدي الذي كان يسود العالم القديم بزغت الحضارة الإسلامية ‏لمدة خمس قرون من عمر الزمن، زهت فيها هذه الحضارة، وكان المسلمون خلالها قوة لا يستهان بها، ‏

بينما كانت هناك شعوب أخرى تغرق في قيود العبودية والقهر والجهل. وقد ظهر تحت سماء هذه ‏الحضارة علماء بل هم عباقرة الفكر الإسلامي الثقافي الذين أصبحوا نجوماً زاهرة وزاخرة في سماء ‏الإنسانية. ‏

ومن بين هؤلاء العلماء يقف العالم الجليل ‘البيروني’ – وهو من علماء القرن الحادي عشر- ‏متميزاً، حيث فاق علماء عصره فقد كان طبيباً وفلكياً وفيلسوفاً ورياضياً وشاعراً وفيزيائيا ‏وكيميائياً وجغرافياً ومؤرخاً. اشتهر في كثير من العلوم وكانت له فيها ابتكارات وبحوث مستفيضة.‏

ولد محمد بن أحمد أبو الريحان البيروني الخوارزمي في الثانية من ذي بالحجة عام 362هـ/4 أيلول ‏عام 973م في بلدة بيرون‎ ‎وهي عاصمة خوارزم (التركستان) ومنها جاءت نسبته البيروني التي اشتهر بها ‏والتي أعطته بعد تحريفها اسم اليبورون ‏Aliboron‏ وهو الاسم الذي اشتهر به في أوربا خلال العصر ‏الوسيط.

وقد حرص البيروني على أن يتعلم على يد أساتذة في أماكن وبقاع مختلفة، كما تعلم العديد من ‏اللغات مثل السنسكريتية وعدد من لغات الهند وكذلك العبرية والسريانية، وكذلك أطلع على الفلسفة ‏اليونانية. ويذُكر أن البيروني عاش في عزلة نافت على الثلاثين عاما صنف خلالها أروع مؤلفاته،والتي ‏بلغت بين كتب ورسائل المائة والعشرين، نقل بعضها إلى لغات مختلفة لينهل منها الكثيرون في دراساتهم ‏العلمية والتاريخية. وقد استخدم البيروني اللغة العربية في كتابته علماً بأن لغته الأم هي اللغة ‏الفارسية، حتى نسب إليه أنه قال “إن الهجو بالعربية أحب إلي من المدح بالفارسية”.

ويعد كتاب ‘الآثار الباقية عن القرون الخالية’ هو أشهر كتب البيروني وأغزرها مادة وأغناها ‏ثقافة، ألفه البيروني لشمس المعالي قابوس بن وشمكير وأتمه عام 390هـ ، والكتاب أشبه بالموسوعة ‏الثقافية الجامعة والتي من مشتملاتها البحوث الفلكية والتاريخية القيمة. وإذا أردنا أن نحدد قيمة ‏هذا الكتاب بدقة فنقول أنه احتوى على التقويم عن الأمم القديمة، كما اعتمد فيه البيروني على ‏الدراسة المقارنة والوصفية لحقب مختلفة من التقويم، بالإضافة لاحتوائه على قدر كبير من ‏المعلومات المتعلقة بتاريخ الأديان ومأثورات الشعوب، وبهذا يعد الكتاب الأول من نوعه في الفكر العالمي ‏كما أنه لا يزال يتمتع بقدر كبير من الأهمية من الزاوية التاريخية.‏

والجدير بالذكر؛ أن البيروني مؤرخ ثقة ترك قاعدة ذهبية لكتابة التاريخ وتفسيره، فيقول: “‘فالواجب علينا أن نأخذ الأقرب.. فالأقرب والأشهر فالأشهر، ونحصلها من أربابها ونصلح منها ما ‏يمكن إصلاحه ونترك سائرها على وجهها ليكون ما نعمله من ذلك مُعيناً لطالب الحق ومحب الحكمة ‏على التصرف في غيرها ومُرشداً إلى نيل ما لم يتهيأ لنا”.‏

ومما لا شك فيه؛ أن البيروني كان من أهم العلماء إبان عصره والعصور التي لحقت به، وهذه ‏الحقيقة يقرها كل مؤرخي العلم فوضعوه في مصاف كبار العلماء الذين حققوا الإنجازات الضخمة في ‏تاريخ مسيرة العلم والحضارة. فيقول جاك ريتلر في كتابه الحضارة العربية: “وطوال الألف سنة ‏حالكة الظلمة في تاريخ العصور الوسطى، كان يشع عبر العالم الإسلامي أسم العالم أبو الريحان البيروني ‏الذي قُدر له أن يبلغ شهرة واسعة. فقد ترك البيروني – الفيلسوف والمؤرخ والجغرافي والرياضي ‏والفيزيقي واللغوي والشاعر- في هذه الميادين المختلفة مؤلفات هامة جعلت منه ليوناردو دافنشي ‏العالم الإسلامي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى