«ثقافة الاعتراف» أم «ثقافة الواجب»؟: مئوية عبد المجيد بن جلون وإحياء الذاكرة الإبداعية المغربية

طاهر الطويل

احتضنت المملكة الوطنية للمملكة المغربية في الرباط، عشية يوم الجمعة الماضي، احتفالية ثقافية خاصة بالذكرى المئوية لميلاد الأديب المغربي الراحل عبد المجيد بن جلون (1919 ـ 1981) شارك فيها الأدباء والباحثون: أحمد المديني، محمد مصطفى القباج، أحمد زيادي، عبد الله مدغري علوي، عبد القادر الشاوي وسعيد يقطين. كما شكل اللقاء الذي حضره العديد من المثقفين والإعلاميين مناسبة لتسليط الضوء على الكتاب الجماعي الذي صدر في الذكرى نفسها تحت عنوان «عبد المجيد بن جلون: الكاتب الوطني».

اعتبر محمد الفران (مدير المكتبة الوطنية) اللقاء لحظة وفاء لكاتب متميز واستثنائي، مثنيا على الجهد الذي قام به أحمد المديني، من خلال الإشراف على إعداد الكتاب الجماعي وتنسيق مواده، ضمن عمل تطوعي متواصل لتوثيق الذاكرة الإبداعية وصيانتها وتثمينها. وتحدث وائل بن جلون (نجل الكاتب الراحل المحتفى به) عن المسار الأدبي والسياسي لأبيه، متوقفا عند كتابه «وادي الدماء»، الذي يضم مجموعة قصص قصيرة تصنف بكونها «ملتزمة» بالقضايا الوطنية والإنسانية. وأفاد أحمد المديني بأن اللقاء المذكور يندرج ضمن الاحتفاء برواد زرعوا النبتة الأولى في التربة الإبداعية للمغرب الحديث. وأوضح أن كتاب «عبد المجيد بن جلون: الكاتب الوطني» يعدّ المحطة الثالثة للمشروع الذي يرعاه بمعية ثلة من المثقفين المغاربة، وبدعم من المكتبة الوطنية، بعد كتاب أول صدر في 2016، بعنوان «شاعر في السماء» خصص لسيرة الشاعر الراحل أحمد المجاطي الذي رسخ الحداثة الشعرية في المغرب، ثم كتاب «محمد زفزاف صنعة الكاتب» الذي صدر العام الماضي وفاء لكاتب معطاء أغنى القصة القصيرة والرواية المغربيتين. وأضاف المديني أن إحياء الذكرى المئوية لعبد المجيد بن جلون، بوصفه رائدا من الرعيل الأول، تجسد إرادة القطع مع الجحود والمحو والنسيان، كما تجسد الرغبة في إحياء الذاكرة الثقافية المغربية، موضحا أن المحتفى به زاوج بين الالتزام الوطني والإبداع الأدبي.

أما الأديب أحمد زيادي فأشار إلى أن قصص بن جلون توثيق دقيق وتأريخ صادق، لأنها ألصق بالنفوس وأصدق تعبيرا عن واقع الناس، خلال معركة التحرير والكرامة في مرحلة مواجهة المستعمر الفرنسي.
وخصص الباحث عبد الله مدغري علوي مداخلته لكتاب «في الطفولة» لعبد المجيد بن جلون، متوقفا عند مسألة اختيار النوع الأدبي، أي السيرة الذاتية ذات الأبعاد الرومانسية، التي تجسد نظرات متقاطعة بين وسطين في حياة الكاتب، أحدهما بريطاني والثاني مغربي مُستعمَر. ثم انتقل المتدخل إلى الحديث عن بناء الشخصية في الكتاب المذكور، حيث تطرق إلى شخصية المغترب/ المرتحِل وعلاقته مع الآخر، محللا المعاني العميقة للكتاب، ومن بينها الهوية والنظرات المتقاطعة والبحث عن التوازن والوعي النقدي تجاه العالمين الغربي والمشرقي، خالصا إلى وصف عبد المجيد بن جلون بـ«كاتب ما بعد الوطنية».
وأثار الأديب عبد القادر الشاوي مسألتين، تتعلق أولاهما بوضعية الكاتب في المغرب، والثانية بصفة الوطنية، حيث أوضح أنه منذ سبعة عقود لم ينتج بعد وضع اعتباري خاص بالكاتب المغربي. ومع ذلك، فإن حضور هذا الأخير مستمر ـ حتى بعد مماته ـ من خلال مؤلفاته وكذا من خلال الشبكة العنكبوتية. أما بخصوص صفة الوطنية، فذكر أنها صفة نصية وأسلوب كتابة، أكثر من كونها أسلوب مواجهة سياسية مع الآخر.
في حين رأى الناقد سعيد يقطين أنه عوض وصف تلك الاحتفالية بـ«لقاء الوفاء» وبـ»ثقافة الاعتراف»، فإنه من الأفضل استعمال مصطلح «ثقافة الواجب» و«التعرف على الذات». وشدد على ضرورة أن تكون مثل هذه المبادرات المتعلقة بالذاكرة والماضي الثقافي مندرجة في إطار مؤسسي، بدل أن تقتصر على مبادرات ذاتية، وهي مهمة موكولة ـ في نظره ـ إلى المكتبة الوطنية ووزارة الثقافة وكلية الآداب والعلوم والإنسانية، وغيرها من المؤسسات الرسمية المعنية، المطالبة بنقل الجهود من الافتراض إلى الواقع، وجعل مثل هذا التقليد مستمرا وليس مقتصرا على مناسبات بعينها، من أجل خدمة الأدب المغربي الذي لا يعرف عنه الكثيرون أي شيء.
وفضّل الباحث محمد مصطفى القباج استحضار ذكرى تأسيس اتحاد كتاب المغرب العربي، مشيرا إلى أن عبد المجيد بن جلون كان يهدف إلى جعل هذه المنظمة كعائلة واحدة. كما كان يؤمن بالتكامل بين مختلف أصناف المعرفة وبإقامة الجسور بين الكتّاب والفنانين التشكيليين والموسيقيين في إطار «دار الفكر» التي كانت مقرا للاتحاد المذكور.
الجدير بالذكر أن كتاب «عبد المجيد بن جلون: الكاتب الوطني» يضم مساهمات كل من: أحمد المديني، محمد مصطفى القباج، حورية الخمليشي، أحمد زيادي، عبد الله علوي مدغري، محمد الداهي، عبد القادر الشاوي، سعيد يقطين، أنور المرتجي، إدريس نقوري.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى