لور غريب ومازن كرباج معاً.. أبجدية ساخرة متمرّدة

الجسرة الثقافية الالكترونية

*أحمد بزون 

المصدر: السفير

 

هي تجربة ظريفة في كل الحالات، أن تتشارك أم وابنها، ليس في معرض واحد، وإنما في إنجاز اللوحة الواحدة. من دون أن ندري مّن الذي تواضع للآخر، الأم الثمانينية التي لا تتخلى عن حيويتها، أم الإبن الذي لم يتخطَّ الأربعين بعد. فالأم صاحبة تجربة عريقة في الرسم، والإبن صاحب تجربة جديدة ومتميّزة. ثم لا بد من أن نتساءل: كيف يتآلف عقلان وإحساسان في إبداع لوحة واحدة، يحتاج المشاهد إلى الكثير من التدقيق ليعرف كيف يفرز ما قدّمه كل منهما على حدة.

إن المعرض الذي حمل عنوان «أبجدية لور غريب ومازن كرباج»، ويستمر في غاليري «جانين ربيز» (الروشة) لغاية 3 نيسان المقبل، ليس الأول من نوعه في مسيرة التعاون بين الفنانين، فقد تشاركا أيضاً في لوحات تابعا فيها يوميات حرب تموز 2006، ونفذا رسماً ذاتياً مزدوجاً بعنوان «أنت وأنا والبابيي بان» العام 2008، وأقاما معرضاً حمل العنوان نفسه العام ٢٠١٠، كما نفذا العام الماضي قصة مصورة عنوانها «غداً لن يأتي».

ضم المعرض الجديد 26 رسماً بالحبر الصيني، لا يبتعد عن روحية التعاون نفسها، بنية تقديم شراكة فنية مزدوجة، يتابعان فيها فصول التعاون، بل فعلاً تجريبياً في عمل إبداعي مشترك، سمته في الأساس أنه شخصي.

الانسجام الذي نراه في اللوحات بين ما خطّه القلمان يجعلنا نفكر بالإرث الفني مرة، أو مرة أخرى بالاكتساب الذي يتأسس عليه الإبن، قبل أن يبحث عن بصمته ويجسّد أفكاره وتقنياته في ما يقدّم. ربما يصبّ الفنانان تعايشهما الفني داخل البيت في حبر اللوحة، وعلى مساحة واحدة، فيبدو الرسم شكلاً من أشكال التعايش والمشاركة، أو أسلوب حوار حر، يهدأ مرة ويصطخب مرات، لا نعرف مَن الذي يبدأ وينتهك بياض اللوحة أولاً، إلا أننا نعرف أن مازن يمتلك جرأة رسم الخطوط السميكة وتأسيس الشكل الفسيح الذي يحتضن الفراغ ويلعب بحدوده، في حين تهتم لور أكثر في تطريز هذا الفراغ أو هندسته أو ضربه بمزاج فوضوي.

فَهْمُ مواضيع المعرض لا يحتاج إلى الكثير من التفكير، فالكلام موجود ويفسر نفسه، وهذا الفن ينضوي في الأساس تحت عنوان عام هو «قصص مصورة»، ويمكننا بالتالي أن نفهم قصة كل رسم من خلال الجمل التي ترافقها، ثم من خلال الأشكال المرسومة، وإن كان التوازي بين النص والرسم ليس ضرورياً بالنسبة إلى الفنانين، فالمزاج أو الارتجال هو الذي يزيد النص إلى درجة أن اللوحة قد تقتصر عليه وحده، كما في لوحة «اقتباس»، ثم يختفي الكلام ليسرد الفنانان بالرسم وحده، كما في لوحة «أمل». على أن الرسم يكون واضحاً ومقروءاً أحياناً من دون أن يرفق بكلام، والكلام يكتب بشكل يبدو فيه كأنه مفردات بصرية تعبيرية.

مواضيع المعرض تتنقل بين الحب، والحرب وآلامها، وهموم الحياة، واليوميات المنوّعة… الحب في درجاته التي تصل إلى حفلة ممارسة جنس جماعية، في لوحة «عربدة»، وما يدور حول أفكار الحبّ، من غرام واشتياق وشيطنة. والحرب لا تحضر بالنار والحديد، إنما بآثارها وأوجاعها وما خلفته من فقر وجوع. أما الهموم واليوميات فتضرب في اتجاهات قد تكون متوقعة أو مفاجئة… وربما تقتصر بعض اللوحات على موضوع واحد، أو تتداخل لوحات أخرى، كأن يجتمع الخير والشر في لوحة واحدة، أو يجتمع عدد كبير من الشخصيات في لوحة واحدة، أو تجتمع مسرحيات أنطوان في رسم ينصّبه «ملك ملوك المسرح»، وهو رسم تكريمي يستحقه من زوجته وابنه، أو يجتمع الكون بكل ما فيه على مساحة واحدة، كما في لوحة «كون». فالأشكال مركبة، إلى درجة أن الكون يضمّ أكواناً والجسد أجساداً والوجه وجوهاً، وكلما حدقت في الرسم وجدت تفاصيل جديدة، واكتشفت جديداً، وضحكت هنا وحزنت هناك. واللافت لنظرنا أن بعض اللوحات أخذت بعين الاعتبار تراث لوح الرقيم، المسماري والهيروغليفي…

وفي كل ذلك لا تعرف من أين يبدأ الرسم، هل التفاصيل هي التي تحدّد الشكل العام أم أن الأخير يوحي بالتفاصيل، أمر ربما لا يدخل في سياق محدّد، فلا نظام أحادياً يمكن أن يفرض نفسه على هذين الفنانين المتمردين على أي نظام. فأنت أمام تبسيط المفردات، بحيث ترى الشكل مختصراً أو كاريكاتورياً، لكنك تقف عند علاقة الأشكال ببعضها، علاقة التجاور والتوازي والتضاد وكل ما من شأنه أن يجعلك تفكر وتستغرق في فك شبكة التفاصيل.

المهم أن المعرض يطرح الكثير من الأسئلة، بدءاً من سؤال الشراكة الذي ذكرناه في البداية، وصولاً إلى سؤال تحديث فن القصص المصوّرة الذي نرى شكلاً متطوّراً منه في الرسوم المعروضة، مروراً بكل ألوان السخرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى