بين الورقي والإلكتروني.. تطور مصطلح الورقة

الجسرة الثقافية الإلكترونية-خاص-

*إبراهيم العامري

يعد قرار شركة “إي أس آي ميديا” المالكة لصحيفة “إندبندنت” البريطانية، أن آخر طبعة ورقية للصحيفة كانت في آذار (مارس) من هذا العام، وأنها تحولت بالكامل إلى جريدة إلكترونية، إعلانا صارخا بأننا أمام نقلة انسانية حقيقية في النشر ووسائله فالصحيفة التي تعد إحدى أعمدة الصحافة الأوربية والعالمية قررت الانتقال من التقليدي إلى الحداثي الذي يستطيع التوفر بين يديك بكبسة زر بدلا من الذهاب للبقالة لاقتناء نسختك الورقية وتصفحها مع فنجان قهوتك الصباحية، هذه الخطوة ليست الأخيرة وإنما بداية إلى تحول كثير من المؤسسات الصحفية إلى الفضاء السبراني.

الصحف الورقية العظمى تتلاحق تباعا في التوقف عن الصدور لما شكلته تكاليف الطباعة وأعداد الصحافيين المتزايد من عبء كبير سبب عجزا ماليا لها ، إلا أن هذا ليس سببا حقيقا يعزى إلى أزمات الصحف العالمية ، ولم يعد الكساد العالمي وتدهور عجلة الاقتصاد يشار إليها بتوقف أنفاس هذه الصحف العملاقة، لقد كان لنشوء الانترنت –كما يرى بعض الباحثين- سببا رئيسا في تراجع الصحف وتأزيم الموقف ففي إحدى الدراسات بين مركز بيو للبحوث الأمريكية التي تصدر الكترونيا أنها تقتصد بما جملته 60% من المصاريف فيمل لو صدرت ورقيا، وبالمقابل فهي تخسر 90% من عائداتها.
هذا لا يتوقف على العمل الصحفي في هذه القرية الصغيرة ” الكرة الأرضية” بل تعدى ذلك إلى كل ما هو ورقي حيث بدأت المكتبات العريقة تستعد على ارشفة مقتنياتها وتحويلها إلى كتب إلكترونية تخدم أكبر عدد من الرواد والبحاثة دون عناء وترحال من بلد إلى آخر.

وفي معرض الحديث عن المنتج الكتابي الإنساني لا بد لنا من التعريج على معنى كلمة الكتابة وتوصيفها أنها وسيلة لنقل الأفكار الصادرة عن النطق بشقيه المعلن والمكنون في خيال الكاتب فهي عبارة عن لغةٍ نصيّة أو رسوم رمزيّة، والأحداث عبر تلك الرموز التي تطورت بتطور الكتابة والإنسان عبر العصور. وقد مرت الكتابة عبر الزمن بمراحل تطور إلى أن وصلت إلى ما نتداوله الآن في اللغات المكتوبة وكان المتغير في هذا الفعل الإنساني هو الوسيلة فقط فمن بدايات الإيماءات الجسدية التي تشبه لغة الحيوانات وتعبيراتها إلى النقش على الحجر، قبل أن يطور الإنسان أدواتٍ أخرى للتدوين عليها كالألواح الطينية والبردى، والرقّ ثمّ الورق، وتأتي حاجة الإنسان إلى التعبير وتدوين ما لديه من أحداثٍ ومعلومات على وسيطٍ خارجيّ لنقل أفكاره وتداولها السبب الأكثر قوة لتطور طرق النقل الكتابي للمنتج الحضاري الإنساني ومجاراته للزمن فقد شهدت البشرية مرحلة فارقة عندما اخترع غوتنبرج الآلة الطابعة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، حيث أحدث هذا الاختراع قفزة نوعية في الوسيلة وصفها مارتن لوثر بأنها “أسمى فضائل الرب على عباده” وبهذا بدأ عصر الكتاب الورقي الذي أصبح حالة رومنسية للمثقف الذي يعشق رائحة الورق وتقليبه.
وفي زمن قريب ومع اختراع الحاسوب وتطوره إلى الانترنت أصبح الإنسان أمام وسيلة أكثر سهولة للنشر وهي الإنترنت وأصبح الفضاء السبراني هو الورقة الآنية للإنسان وتطور مصطلح الورق من مخرج صناعي للشجرة إلى شاشة مسطحة تحرك بالأصابع وأصبح الهاتف والحاسوب المحمول أكثر حميمية إذ يتنقل به الإنسان في حله وترحاله وبهذا يقف الإنسان أمام حقيقة وحيدة مفادها أن الفعل الثقافي المعرفي هو فعل لا يؤمن بالأداة وشكلياتها بل يؤمن بشيء وحيد هو المحتوى والجدة التي يمكن أن يحققها من خلال أدواته ومع هذا كله لا أستطيع الفكاك من تلك الحالة الرومنسية التي لا تذهب بعيدا عن حالة الحميمة التي تصنعها رائحة الورق داخلي ومن حاة الدهشة حين أزور المكتبات على الرغم من أنني أكتب الآن على جهاز حاسوب بشاشة قالة للثني واللمس ماركة “لونوفو” .

*مدير التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى