القاهرة الثقافية تشهد ملتقى ‘العلاقات المصرية الروسية’

مرفت واصف

أكدت د. أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة أن تطور العلاقة وقوتها مع روسيا في الآونة الأخيرة تعد إضافة حققتها ثورة 30 يونيو، وانفتاح هذه العلاقة المصرية الروسية واتسامها بالحيوية والفاعلية، تعد رسالة للعالم لإعادة تقييم موقف صناع القرار وتعبيرًا عن قدرة مصر على التحرك الفعَّال.

ومصر وروسيا يربطهما تاريخ حافل من المواقف المشرفة على الساحة الدولية، مؤكدة أن العلاقات المصرية الروسية منذ قديم الزمان كانت – وما زالت- علاقات قوية وإستراتيجية، وتمثل صداقة حقيقية بين البلدين الشقيقين؛ حيث تسعى روسيا عقب تطورات الأحداث بمنطقة الشرق الأوسط خلال الأعوام الماضية لبناء تحالفات جديدة وإعادة الصداقات القديمة، وتحديدًا مع مصر والدولة العربية الكبرى ذات التأثير الفعال بالمنطقة والعالم. كما تسعى مصر في ظل قيادتها الحكيمة والواعية إلى العودة لدورها الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط والعالم،

جاء ذلك أثناء افتتاح الصبان و د. شريف حلمي “رئيس الجامعة المصرية الروسية” ملتقى العلاقات المصرية الروسية عبر العصور بقاعة المؤتمرات بالأعلى للثقافة، والذى يستمر حتى 26 مايو/آيار الجاري، والذي أقامته لجنة التاريخ بالمجلس بالتعاون مع الجامعة المصرية الروسية ومقررتها د. زبيدة عطا، ود. علي بركات مقرر الملتقى، بمشاركة لفيف من المثقفين والعلماء والباحثين المؤرخين.

وأضافت الصبان بأن لروسيا تاريخا فنيا وثقافيا كبيرا في مجال الثقافة، فهى من الدول التي وضعت بصمات واضحة في مجالات الثقافة من الأدب والموسيقى والسينما على مستوى العالم، وقد تأثر المصريون في مجال القصة والرواية والشعر بالتجربة الروسية في الأدب مثل أعمال تولستوي وتشيخوف ودوستويفيسكي وبوشكين.

بينما عبر د. شريف حلمي عن مدى سعادته بهذا اللقاء الحافل فى بيت المثقفين المصريين للعمل على تنمية العلاقات الثقافية والعلمية بين الدولتين المصرية والروسية، مؤكدا أن تلك المبادرة التي تقدم بها المجلس لتنظيم هذا الملتقى تعبر عن الدور الكبير الذي يلعبه المجلس ووزارة الثقافة في تنمية وتقوية العلاقات المصرية الروسية في كافة المجالات خاصة مجال الأدب والترجمة والفنون، مشيراً إلى أن الجامعة المصرية الروسية منذ إنشائها كان أهم أهدافها إرساء دعائم التعاون العلمي مع الجانب الروسي، ويسعد الجامعة في هذا الإطار تطوير هذا التعاون بين الجانبين من خلال خطة وسياسة وزارتي الثقافة والتعليم العالي لتنمية العلاقات التاريخية بين الدولتين.

وأشارت د. زبيدة عطا إلى أهمية الملتقى الذي يحضره كوكبة من كبار العلماء والمفكرين الذين لهم إسهام واضح في تأريخ وتوثيق العلاقات المصرية الروسية عبر العصور، تناولت العديد من الاتفاقيات والمؤتمرات التي أقيمت بين جامعة حلوان وجامعة الصداقة وموسكو لتوطيد التاريخ العربي الروسي وإنشاء مراكز لتعليم اللغة العربية، والحديث عن الجانب التاريخي في عملية الاستشراف الروسي بدافع المعرفة وليس العداء بين الشرق والغرب، والعلاقات بين الدولتين منذ الخلافة العباسية وخلال فترة تاريخ مصر الحديث والمعاصر والدور الروسي في عهد الرئيس جمال عبدالناصر في بناء السد العالي وعمليات التسليح والخبرة الروسية متمنية المزيد من العمل على ترسيخ العلاقات وتوثيق الاتفاقيات بين الدولتين في مختلف المجالات.

وأشار د. علي بركات إلى عمليات توثيق وتأريخ العلاقات المصرية الروسية عبر العصور مستندا إلى مؤلفات الجبرتي في رجوع المؤرخين الباحثين للعمل دراسة مقارنة بين الدولتين، كما استعرض جوانب هامة للدور الروسي في عهد المماليك والعثمانيين ثم تناول العلاقات الروسية المصرية في عهد الرئيس جمال عبدالناصر والرئيس السادات، مشيرا إلى كيفية استمرار توطيد وتأكيد على العلاقات بين الدولتين.

• الجلسة الأولى

وقد بدأت فعاليات الجلسة الاولى في اليوم الاول “لملتقى العلاقات المصرية الروسية عبر العصور” عقب افتتاح الملتقى، فتحدثت د. ايرينا كاربتيانتس في بحثها “دور الإتصالات والنقل في تطور العلاقات المصرية الروسية المصرية” عن أن الحضارة في كل من مصر وروسيا بدأت بوسائل النقل البحري حيث كان النيل هو الشريان الرئيسي للحياة وقامت على أساس كافة وسائل الحياة، وكان لها دور رئيسي في حياة المصريين، حيث لعبت وسائل النقل البحري دورًا هامًا لربط أنهار أوروبا بالبحر الأبيض المتوسط.

وأضافت: في منتصف القرن التاسع عشر كانت وسائل النقل مهمة في مصر ونشأت السكك الحديدية وأصبح ذلك مرتبطاً بالتطور الاقتصادي في مصر، وبعد الثورة الروسية انقطعت العلاقات بين روسيا ومصر وتوقفت إلى حد كبير وذلك ينطبق على العلاقات الرسمية فقط وليست التجارية أو الاقتصادية، فقد قامت العلاقات الروسية المصرية في القرن العشرين على أساس طرق النقل البري والبحري، حيث كان ميناءا بورسعيد والإسكندرية هما ميناءا الوصول الى مصر. وفي الحرب العالمية الثانية تجددت العلاقات المصرية الروسية عام 1943 وبالرغم من عدم وضوح نهاية الحرب فالإتحاد السوفيتى بنى علاقات قوية بين روسيا ومصر، وتساهم روسيا في إنشاء منطقة حرة للصناعة، كما تساهم في جميع خطوط سكك حديد مصر بالكهرباء، وأكدت على أهمية ضمان الأمان في وسائل النقل بين الدولتين، مما يساهم في زيادة الحركة السياحية المتبادلة بين الجانبين.

وأشارت د. جالينا لوكيانوفا في بحثها عن “الإتصالات الحضارية بين روسيا ومصر”، إلى الأماكن المقدسة بشبه جزيرة سيناء مثل دير سانت كاترين، حيث استمرت البحوث الشرقية في عهد الملكة كاترينا، وأصبح الروس يهتمون بالأماكن المقدسة في سيناء بشكل خاص مما يعود لشعبيتها في روسيا، وفي أوائل القرن التاسع عشر فُتِحتْ معاهد لدراسة اللغات في روسيا لتبادل الثقافات بين البلدين، مما نتج عنه ظهور عناصر ثقافية وعدد من المعماريين، كما نوهت إلى تشييد وبناء جسر مصري وبوابة مصرية ونافورة الهرم وقد جمعهما تصميم مصري قديم خالص بما فيه من نقوشات هيروغليفية وذلك بمدينة سانت بطرسبرج.

كما تحدث د. رفائيل ارسلانوف في بحثه عن “صورة مصر في مؤلفات الرحالة الروس في القرن التاسع عشر” متناولًا السرد التاريخي للعلاقات المصرية الروسية والتي ظهرت بوضوح عبر مؤلفات الرحالة الروس، والتي كثيرًا ما اعتمد عليها المؤرخون والباحثون في السرد التاريخي للعلاقات بين مصر وروسيا، وأهمية دور الرحالة الروس في نشر ونقل الثقافة.

ثم تحدثت د. لودميلا بونومارنكو في بحثها عن “مشكلة التنمية الروسية والمصرية” مستشهدة بمشروع السد العالي أحد المشروعات العملاقة التي ساهم بها الإتحاد السوفيتى إبان فترة حكم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، كما أثنت على ازدهار العلاقات بين الجانبين في تلك الحقبة، وأشارت إلى العلاقات المميزة بين البلدين في الفترة الحالية، والتي تراها تسير في المسار السليم مؤكدة على علاقة الود والصداقة التي طالما ربطت بين الجانبين.

ثم إنتقلت الكلمة للدكتور حسن طلب الذي وجه الشكر للدكتورة أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، والدكتورة زبيدة عطا مقرر لجنة التاريخ التي رأست الجلسة على تنفيذ هذا الملتقى الهام، وتناول طِلِب في بحثه “جماعة الشكلانيون الروس وتوجيه النقد الأدبي في القرن العشرين”، وأكد على أهمية بيان الأثر الكبير الذي تركته جماعة (الشكلانيين الروس) على النقد الأدبى في القرن العشرين بصفة عامة، سواء على المستوى العالمي أو على المستوى العربي، مشيرًا إلى حقيقتين، أولهما أن مصطلح (الشكلانيين الروس) لم يكن من وضع هذه الجماعة ذاتها، وإنما هو اسم أطلقه عليها خصومها.

أما الحقيقة الثانية أن حركة (الشكلانيين الروس) لم تكن الحركة الأدبية والنقدية الأولى التي نشأت في روسيا، وكان من أهم روادها : نيكولاى مينسكي، وامتدت إلى أوائل القرن العشرين على يد الجيل التالي الذي كان أندريه بيلي من أشهر أعلامه، ثم أضاف أن أهم ما يميز هذه الجماعة هو التفاوت اللافت بين أعلامها وعلى الرغم من ذلك التفاوت بين أعلام الشكلانيين الروس، يبدو الأثر الهائل الذي تركه هؤلاء الأعلام على مسيرة النقد الأدبى في الغرب.

• الجلسة الثانية

أما فاعليات الجلسة الثانية من “ملتقي العلاقات المصرية الروسية عبر العصور” فقد أدارها الدكتور أيمن فؤاد، وتحدث فيها الدكتور محمد أحمد بديوى عن دخول الروس إلى المسيحية، وأكد أن الأديان اُستغلت وقتها فى تكملة الحياة، لذا نجدهم تركوا الماثونية، وذهبوا إلى المسيحية، ومن ثم التفكير للدخول إلى الدين الإسلامى، كى يكون السبيل إلى دول الشرق، ولكن سرعان ما أتى الاحتلال المغولى الذى اهتم بالشأن الخارجى ولم يقف كثيرا أمام مشكلات الروس الداخلية, مضيفاً بأن الروس قد تخلصوا من المغول، وكانت بداية لمرحلة جديدة كان للدين دور كبير فيها، فتبنوا حماية المسيحية فى الشرق.

كما تحدث الدكتور أحمد درويش في بحثه بعنوان “ابن فضلان: وصف الحياة في روسيا فى القرن العاشر مشيرا إلى كتابات أحمد ابن فضلان وما رواه فى بعثته التى ترأسها والمرسلة من قبل أمير المؤمنين ببغداد إلى روسيا، والمكونة من خمسة آلاف فرد على مختلف التخصصات. وأشار إلى ملحوظات بن فضلان ووصفه الدقيق لكل ما رآه من عادات وتقاليد وحتى الصفات الجسدية، وقد جمع كل ذلك فى كتاب هام بعد ذلك.

وعن المصادر العربية والإسلامية التى تتحدث عن تاريخ روسيا تناولها الدكتور طارق منصور قائلًا: إن الروس عندما أرادوا التحرك نحو الشرق كانوا مدفوعين بفكر سياسى بحت.

وأضاف أن هناك من أعاق هذا الفكر السياسى لدى الروس مثل الدولة الإسلامية والبيزنطية، ولكن الروس بدهاء شديد ومكر استطاعوا الخروج من هذا المأزق بعقد المعاهدات التجارية والسياسية.

أما الدكتور محمد زايد عبدالله فتناول في بحثه “الروس بين ابن فضلان وقسطنتين السابع” مشيرا لكتب الرحالة في تلك الفترة وأهميتها كمرجع هام في رصد تفاصيل تلك الفترة الهامة، وأشار لأهميتهما في رصدهم للعلاقات التجارية والاقتصادية في تلك الفترة التي تعد فترة ازدهار الروس.

عن مشاهدات الرحالة الروسي آفانسي نيكتين في بلاد فارس والهند تحدث الدكتور عمر عبدالمنعم قائلا: إن الرحالة آفانسي أتى مع مجموعة من التجار لزيارة بلاد فارس والهند، ولكن لسوء حظه تعرض للهجوم من قبل قبائل تتارية، ولكنه أصر على تكملة رحلته، وعاش بين المسلمين وتنقل بينهم كرجل مسلم، فصلى وصام معهم، وأطلق على نفسه اسم مسلم. وأضاف عبدالمنعم إن آفانسي استطاع أن يكتب وصفا دقيقا عن العادات والتقاليد والاحتفالات الدينية، وعندما قرر العودة إلى وطنه، مات في طريقه للأسف.

 

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى