الرواية علاج للغضب

صبحي فحماوي

الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع، هو الرواية، إذ قرأت اليوم أن الرواية النفسية التي تصور عالم التوتر والاكتئاب، تصلح لأن تكون وسيلة علاج نفسي لبعض أمراض الاكتئاب، وكثير من مسببات التوتر والغضب. وأن الروايات تعطي نتائج مهمة في إقناع القراء بوجهة نظر الروائي. ولهذا صار بعض الأطباء النفسيين يقترحون على المرضى قراءة روايات محددة، متخصصة بالمرض الذي يعانون منه، فتنفعهم وتؤثر عليهم إيجابيا في علاج حالاتهم النفسية، بدل العلاج بالأدوية.

ولقد سبق لصديقي الدكتور إبراهيم علوش أن ذكر لي أنه يُدرِّس طلابه نفس المادة الاقتصادية الواردة في روايتي “الحب في زمن العولمة”، ولكن الطلاب لا يفهمون المادة كما يريدهم أن يفهموها.

وقال إن طريقة سرد أفكار رواية “الحب في زمن العولمة” تُستوعب سريعاً، وتذوب في الذهن كالحلاوة. بعكس طريقة التعليم بالمحاضرات التي تكون جافة وصعبة الهضم.

وقال إن أفضل طريقة للتعليم هي تقديم رواية ذات علاقة بموضوع التعليم المطلوب.

وهذا يؤكد أن للرواية دوراً في توصيل المعلومة للقارىء الذي لا يستوعب المحاضرات بسهولة، أو النصائح الأبوية أو حتى الطبية.

والموضوع الذي أتطرق له اليوم هو “الغضب”. والغضوب هو الشخص الذي يقفد السيطرة على نفسهِ فيقذف حممه على الآخرين. والغضيب هو الذي يغضب الآخرين، فنقول مثلاً: (غضيب والدين).

الغضب تصرف خارج عن المألوف، وعندما يغضب الإنسان فإنه يثور ويفقد القدرة على التفكير، وقد ينتج الغضب عن الشعور بالظلم من المعتدي، سواء كان عدواً، أو طرفاً أخر يتعامل معه في المجتمع.

وقد ينشأ الغضب بسبب حسد الغضوب للغني، أو الغيرة من منافسيه، وقد يغار على إحدى قريباته، أو محارمه، خاصة إذا تعرضت لمضايقة اجتماعية، أو تحرش، أو استضعاف من قبل الآخر.

وقد تكون أسباب الغضب خارجيّة، وهي كثيرة. كالتعب المهني، والتعرض للنصب، أو الاحتيال، وقد يثور شخص لمجرد مشاهدته للون ينفر منه، فلقد ثار صاحب حديقة وغضب غضباً شديداً لأن وردة تفتحت في حديقته بلون أصفر كان عمالي قد زرعوها له، رغم أنه حذرنا من زراعة اللون الأصفر. ولم يهدأ غضبه إلا عندما ذهب العامل وخلع شجيرة الورد واستبدلها بشجيرة ورودها غير صفراء.

وقد تكون الأسباب داخلية. كالألم في جسد الغضوب، وقد يكون إرهاق التعب هو الدافع للغضب، وقد يكون المرض هو السبب، ولا أعتقد أن الجوع هو سبب للمرض، إذ أنهم يقولون: “أنت تغضب، إذن أنت بصحة جيدة”.

وقد تكون الأسباب نسائية المنشأ، مثل ظهور الغضب على النساء المتزوجات منذ عدة سنوات بدون حصول الحمل لديهن، وقد يكون عند النساء الكبار بسبب بلوغهن سن اليأس، وعدم تشغيل كثير من الغدد الصماء المرافقة للحمل والولادة، والطمث، وندرة العلاقات الجنسية.

وقد يكون الغضب بسبب انتهاء تأثير مخدر للاكتئاب، أو بسبب انتهاء تأثير مخدر كيف كان يتعاطاه الشخص، وقد نفد من متناول يده، فيصير الشخص المدمن عرضة للغضب الشديد.

وقد ينتج الغضب عن الاكتئاب نفسه، والقلق الذي هو أحد أعراض الاكتئاب يقلل نسبة الرضا عن الذات ويضعف الشعور بالأمان، وتكثر الشكوى ترافقاً مع حالة القلق.

والغضب مع مرور الوقت يصبح عادة يصعب التخلّص منها، ولذلك يجب عمل الممكن للخروج من هذه الدوامة التي تدمر الشخصية.

كنت أتذكر ونحن أطفال كيف كان جارنا يغضب فيتفوه صارخاً بكلمات بذيئة تجعلنا نحن الأطفال نستهزىء به، وكيف كان أحد رجال الحارة يغضب فيضرب زوجته و أولاده ضرباً شديداً، فنراه وهو غاضب، يتصرف كالوحش الكاسر، فنكرهه.

وأذكر رجلاً شاهد ابنته إذ رآها تكلم شاباً في الشارع كان يسألها عن الطريق، فغضب من سلوكها الذي لم يعجبه، وصار يصيح وهو يهددها بالقتل، ثم تطور الغضب في كيانه، فما كان منه إلا أن سحب مسدسه وأطق النار عليها فقتلها، ليغسل العار في عائلته، وكانت النتيجة أن سجن خمس عشر سنة، وكانت أسرته مكونة من ثلاث بنات صبايا، وزوجة ما تزال شابة، فضاعت العائلة التي صارت تعيش كالأيتام على مآدب اللئام.

ومن أعراض الغضب، الصراخ، وقد يتم خلاله تكسير أشياء ثمينة أو تمزيق نقود أو قذف ممتلكات ثمينة في الهاوية، وقد يؤذي الغاضب نفسه أو يؤذي الآخرين المحيطين به، أو مسببي الغضب له.

وينصح الغاضب بممارسة الرياضة، فهي تقوي عضلات الجسم وتبعد عنه حرق الأعصاب، وبالتالي تريح الغضوب.

ومن الضروري للغضوب أن يقنع نفسه إن الصراخ وعدم السيطرة على النفس يضعف شخصيته أمام الآخرين، ويقلل من احترامهم له، وأن يُعوِّد نفسه على عدم التفوه بكلمات سيئة وألفاظ غير لائقة كي لا يزداد غضبه، وتقبل المشاكل دائماً بهدوء، والنظر إلى الموقف الذي سبب له الغضب، على أنه موقف سخيف، ولا يستحق الحنق.

ومن الضروري أن يتعود على التفكير مسبقاً بالكلام الذي يريد أن يقوله قبل النطق، وإذا رد فإنه يتفوه به بشكل مناسب. ويمكنه في النهاية اللجوء إلى أخصائي أو طبيب نفسي.

ثم إن قراءة الروايات المختصة بالسيطرة على الأعصاب ضرورية لمثل هذه الحالات، وعموماً فإن قراءة روائع الروايات والكتب والقصص الأدبية بشكل عام تخفف إلى حد بعيد ضغط الغضب.

ومن الضروري الاسترخاء لمواجهة الغضب، وتغيير المكان والبيئة التي حدث فيها الغضب. قم وامش في الشوارع. اذهب لزيارة.

وقد يكون النوم حلاً لأعراض الغضب، فكما يقولون: “إذا كثرت همومك نام لها” كلنا نتذكر أن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) نهى عن الغضب، وكان شعاره: “لا تغضب”.

ومن نتائج الغضب؛ عدم القدرة على النوم، وقد يتسبب الغضب بإجهاد القلب؛ فعند الغضب تزداد كمية الدم التي يضخها، مما يجهد عضلة القلب ويؤدي إلى تصلب الشرايين ويرفع ضغط الدم، ويتسبب في ارتفاع نسبة السكر في الدم، وقد يؤدي لمرض السكري. وقد يتلف الأعصاب، وممكن أن يتسبب في العمى المفاجئ، وأن يتحول سلوكه إلى عدواني.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى