صالح بركات: «صالتي من أجل ثقافة تشكيلية جامعة»

( الجسرة )

*محمد شرف

بالرغم من تبدّل الزمن والأحوال، وما فرضته عليها ظروف غير إعتيادية، تبقى بيروت، بالنسبة إلى صالح بركات، مدينة قادرة على تخطّي العثرات والتغلّب على المحن. وإذا كان هذا الحكم ذا طابع شمولي، ويرتكز إلى منحى تفاؤلي لا مناص من التمسّك به، فإن ما يهمّنا، هنا، هي الناحية المرتبطة بشؤون الفن التشكيلي وشجونه، وهي الناحية التي كانت شغل صالح بركات الشاغل منذ سنوات طويلة. على هذا الأساس أقدم بركات، صاحب غاليري «أجيال للفنون التشكيلية»، على افتتاح صالة جديدة للعرض تمتلك من المقومات ما يؤهلها لمنافسة صالات عالمية شهيرة. حول افتتاح هذه الصالة وطموحات صاحبها كان لنا معه هذا الحديث. ] افتتحت مؤخرا صالة جديدة للفنون التشكيلية تحمل إسمك الشخصي، إضافة إلى غاليري «أجيال». ما الذي دفعك إلى القيام بهذه الخطوة، وما هي مميزات الصالة الجديدة؟ ـ أسست غاليري «أجيال» عام 1995، ويأتي إفتتاح الصالة الجديدة بعد مرور 25 عاماً على ذلك. هناك أسباب عدّة دفعتني إلى القيام بهذه الخطوة، وقد جاءت مناسبة مرور الربع قرن شكلية لا أكثر، في حين أن الأسباب الفعلية تعود إلى الحاجة لصالة رحبة، تتناسب مع المعارض الإستعادية الكبيرة التي ننظّمها من حين إلى آخر، والتظاهرات الفنيّة التي تتطلّب مساحة كافية للعرض، بعدما كنا نعمد سابقاً إلى إستعارة «مركز بيروت للمعارض» أو «مركز بيروت للفن»، حيث كنّا أقمنا معرضين إستعاديين كبيرين لشفيق عبود وسلوى روضة شقير. لكن مركز بيروت للمعارض أُقفل حالياً، وتفرّغ مركز بيروت للفن للأعمال التجريبية، وشاءت الصدفة أن يُعرض «مسرح المدينة « للبيع، والمقصود هنا ذلك المكان الذي شغلته قبلاً سينما كليمنصو، التي كنت أرتادها في صباي لمشاهدة أفلام لكبار المخرجين أمثال فيلليني وبرغمان. هذا المكان يمتلك حيثيات عدة، أكان من حيث موقعه الجغرافي، أم من حيث مكانته التاريخية في الحياة الثقافية لمدينة بيروت، وهكذا اتخذت القرار بالحصول عليه مما سيساعدني على تحقيق مشاريعي المستقبلية التي تصبّ، أولاً وأخيراً، في خدمة الثقافة التشكيلية، ليس في لبنان فحسب، بل في المنطقة العربية ككل. ] من المعروف أن أوضاع الفن التشكيلي لجهة التسويق ليست على أفضل حال في الوقت الحاضر، ألا تعتبر أن افتتاح صالة جديدة بهذا الحجم يتضمن ضرباً من المغامرة؟ ـ صحيح أن أوضاع التسويق ليست على أفضل حال في بلدنا، لأننا، وبكل بساطة، لسنا قادرين على منافسة الأسواق الخليجية التي استقدمت «غاليريهات» ومزادات عالمية، وصارت تسوّق لأسماء غير عربية. أحد أهدافي من إقامة هذه الصالة، توفير المكان الذي في إمكانه استيعاب نشاطات كبيرة ومتنوعة، وتوفير الحد الأدنى من إمكانية المنافسة على الصعيدين العربي والعالمي، إذ من المعروف أن المكان والقياس والمساحة تلعب جميعها دوراً في هذه المسألة. أود أن أعمل على ثقافة عربية جامعة في مجال الفن التشكيلي، وهذا الأمر لا يحظى بما يستحقه من اهتمام في الوقت الحاضر، ومن خلال ذلك يمكن إعادة إحياء دور مدينة بيروت الثقافي. من جهة أخرى، نطمح إلى العمل مع المساحة الأكاديمية، عبر التعاون مع الجامعة اللبنانية والجامعات الأخرى، بغية مساندة فناني لبنان في سعيهم إلى الإرتقاء بالفن المحلّي نحو مستويات مرموقة. ] استناداً إلى خبرتك العملية في هذا المجال، هل من نصائح يمكنك أن تقدمها إلى الفنانين الصاعدين لجهة الخيارات والموضوعات، أم أنك تعتبر أن هذه المسألة ذاتية بالكامل، وفي هذا النطاق كيف تقيّم التجارب الفنيّة الأكثر حداثة؟ ـ هذا موضوع حسّاس، وهو ذو صلة أحياناً بالناحية التجارية، إذ حين يعمد المسؤول عن صالة العرض إلى نصائح توجيهية لمن يعمل معهم من فنانين لا يمكن حينها إغفال الماورائيات المحض تجارية. أنا أعمل من أجل مشروع ثقافي، ولو كنت مهتماً بالناحية التجارية حصراً لكنت قمت بتسويق الفن الغربي. هذا المشروع الثقافي الذي أعمل عليه منذ البداية دفعني إلى تنظيم معارض إستعادية ذات هدف غير تجاري لفنانين لبنانيين كبار، إذ كان همي الأساسي الحفاظ على الهويّة المحليّة، التي إن زالت فسنزول معها حكماً. من ناحية أخرى، لقد كنت أدعم دائماً التيارات والإتجاهات الطليعية (الأفنغارد)، وأدافع عن المنجزات التي أرى فيها أهمية قد لا تكون واضحة للملأ. لهذا افتتحت الخميس الماضي (21 تموز الحالي)، في غاليري «أجيال»، معرضاً للفنان باسل سعدي، وهو فنان جدّي، بل كثير الجديّة، ويعمل ما بوسعه كي يبرهن أنه جدير بالثقة. لقد قمت دائماً بدعم إناس وتجارب من هذا الصنف، وخصوصاً حين تكون التجربة جديرة بالإنتباه ومبنية على هواجس حقيقية، وهذا الميل يتوافق مع كل ما تحدثنا عنه آنفاً، إذ أنني على قناعة بهذا الدور الذي مارسته سابقاً، وما زلت أمارسه في الوقت الحالي، كما أطمح إلى التمسّك به مستقبلاً في طبيعة الحال.

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى