الحرفُ قرينةُ الهوية“ملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي”

( الجسرة )

*وئام يوسف

يتزامن «ملتقى القاهرة الدولي لفن الخط» (17-24 تموز يوليو) ولحظة ملحّة لتأكيد الهوية العربية التي تكاد تُطمَس ملامحها، لما يعصف بنا من هلاك ومتغيرات جعلت العالم العربي على صفيح مستعر، فيسلط الضوء على الخط العربي كفن يحكي الحضارة العربية، رابطا بين تراث الماضي وجِدَّة الحاضر، عبر فعاليات قوامها الحوار والتفاعل بين 115 فنانا من 15 دولة هي الإمارات، العراق، السودان، السعودية، سوريا، تونس، المغرب، لبنان، الأردن، ماليزيا، الهند، اذربيجان، الجزائر، بنغلادش، بالإضافة إلى مصر. وقد سعى الملتقى في دورته الثانية، إلى تنمية الذائقة الفنية لدى المتلقين وربط الأجيال بتراثها الفني تاريخياً وإبداعياً، بالإضافة إلى الإسهام في بناء الصورة الحضارية للفنون العربية والإسلامية وتشكيل حوار إنساني خلّاق يقدم صورة إيجابية للعالم عن الثقافة العربية، كما إثراء المكتبة العربية وتنمية الوعي الفني والنقدي بالدراسات والأبحاث النظرية المتصلة بفنون الخط العربي. وكانت مصر في القرن الـ16 ق م إحدى البقاع التي شهدت تطور وابتكار الخط في صورته الهيروغليفية، لهذا ليس من الغريب أن تعود الآن وتقف عند هذا الموروث الإبداعي لتناقش إشكالاته وكيفية العمل على تذليلها، إذ ركز المحور الرئيس للندوة العلمية للملتقى، على إشكالات الخط العربي بين الحفاظ على الهوية وآفاق التحديث، شارك فيها قومسيير الملتقى محمد بغدادي ونقيب الخطاطين خضر البورسعيدي وعدد من خطاطي الدول المشاركة. أخلاقيات الخط كرم المهرجان هذه السنة الخطاط السوري محمد فاروق الحداد، الذي شكل من الكلمة وفضاءاتها لوحات فنية تفيض جمالا وابتكارا. ابن مدينة الوليد «حمص» كان قد أولع بالخط منذ صغره وتلقنه على يد الخطاط عدنان الشيخ عثمان الذي علمه أخلاقيات فن الخط إلى جانب المشق وقياسات الحرف وضوابطه. كما شارك في مسابقات «مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية» (إرسيكا) التي تقام في تركيا كل ثلاث سنوات وشارك أيضاً في مسابقات المركز العالمي في إيران. كذلك حاز العديد من الجوائز، منها الجائزة الثانية مناصفة في خط الثلث الجلي خلال المسابقة الدولية الثالثة لفن الخط العربي في تركيا 1993، وجائزة خط الثلث في مهرجان طهران الاول للزخرفة 1997. وكرم المهرجان أيضا أسماء عربية لمعت في فن الخط هم ابراهيم المصري وخضر البورسعيدي من مصر، ومن السودان الفنان تاج السر حسن، خطاط ورسام ومصمم حروف طباعية على قدر من التميّز والإبداع، وهو الآن عضو هيئة تحرير مجلة حروف عربية وعضو في لجان تحكيم الفنون التشكيلية والخط العربي في الإمارات ودول مجلس التعاون. كذلك نظم الملتقى مسابقة لفنون الخط في اتجاهات ثلاثة، أولها الاتجاه الأصيل للخط وحاز المركز الأول فيه خالد محمد السيد علي من مصر، وبالمركز الثاني حلّ مناصفة أحمد صلاح محروس أحمد من مصر ومختار أحمد من الهند، ونال المركز الثالث مناصفة أشرف بن زيدي من ماليزيا وفادي منير يقظان من لبنان. وفي الاتجاه الثاني المتضمن التجارب الخطية الحديثة فاز من مصر شريف رضا محمد أبو العلا ومحمد فهمي طوسون بجائزة التمييز مناصفة بينهما. أما الاتجاه الثالث المتضمن الفنون التي تستلهم الحرف العربي عبر وسائط تقنية أخرى كالأعمال الغرافيكية والطباعة الرقمية فنال جائزة التمييز مناصفة عبد الرحمن أحمد عبد الفتاح وعبد السميع رجب حسين من مصر. لغات مهددة قومسيير الملتقى محمد بغدادي أشار خلال حفل التكريم إلى التهديد الذي ترزح تحته اللغة العربية مستعيناً بتقرير صادر عن منظمة اليونيسكو بأن 107 لغات مهددة بالاختفاء ومنها العربية، لافتا إلى ضرورة إقامة فعاليات أسوة بملتقى فنون الخط لبحث كيفية تجاوز هذه المحنة «الخط العربي يأتي في مقدمة الفنون الراسخة في إثراء المرحلة الراهنة بزخم ثقافي وفني نابع من التراث العربي، خاصة أن الحرف العربي هو الوحيد الذي استطاع الفنان العربي أن يحوله من حروف للكتابة إلى لوحة تشكيلية بكل أركانها». صاحبَ الملتقى عدد من ورش العمل التي تنوعت بين المواضيع والفنانين المشاركين فيها، استهلتها ورشة حول تشريح الحرف «الزخرفة وحلّ الذهب واستخدامه» أشرف عليها الخطاطان مصعب الدوري من العراق وفادي أبو ملحم من لبنان، وتضمنت الورشة الثانية أدوات الكتابة «الابتكارات الحديثة في لوحات الخط العربي» قدمها ثائر شاكر محمد الأطقجري من العراق، إضافة لأخرى حول الخط المغربي وأسرار كتابته قدمها الخطاط المغربي بلعيد حميدي، فيما تختتم الورش مع الخطاط المصري خالد مجاهد بورشة حول تقنيات لوحات خط الثلث. وعلى ضفة أخرى من الملتقى يقام سوق لأدوات الخط العربي التي تستخدم في هذا الفن، أهم معروضاته ورق مقهر، أقلام بسط مصنعة يدوياً، أحبار وألوان وأصباغ مصنعة من الطبيعة إضافة إلى أمشق وكتيبات تعليمية. ولعل ما أغنى فعاليات ملتقى القاهرة لفن الخط موسيقى فرقة بيت العود بقيادة المبدع نصير شمة التي شاركت في حفل التكريم لتشكل ألحانها مع عناصر الملتقى كونشرتو يؤكد أن الموسيقى والحرف أدوات تسمو بإنسانية الإنسان بعيدا عن جلافة الواقع وبربريته.

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى