‘ليوا للرطب’ يروى حكايات التراث من خلال السوق الشعبي

( الجسرة )

يروي السوق الشعبي المصاحب لمهرجان ليوا للرطب بدورته الـ 12، حكايات التراث ويرسم أبهى الصور ليبهر بها القادم إلى المهرجان، حيث تفوح في أروقة السوق روح التراث الإماراتي الأصيل وتنتشر ثقافته المتوارثة عن الآباء و الأجداد لينهل منها كل من يمر من هناك.

وقال عبيد خلفان المزروعي، مدير المهرجان، إن عدد محلات السوق يبلغ 136 محلاً تستفيد منها أكثر مئات الأسرة الإماراتية، والتي تعرض المنتجات المصنوعة من النخيل مثل (الجفير والمخرافة والحصير والصرود واليراب والمشب) وغيرها الكثير، وجميعها منتجات قديمة تصنع من خوص النخيل فضلاً عن الحلويات المعدة من التمر ودبس التمر إضافة إلى الرطب بكل أنواعه.

وأضاف المزروعي أن السوق الشعبي يجسد التراث المحلي الغني بالحرف اليدوية المحلية المرتبطة بالنخيل والتمور أمام السائحين المهتمين بحضور المهرجان والذين سيجدون أمامهم نموذجا للواحة الغناء التي تتزين بسعف النخيل الذي تمت حياكته بحرفية عالية وكل ما يرتبط بحياة الأسرة البدوية البسيطة من سدو وحياكة.

وأشار المزروعي إلى أن السوق يحتوي على عددٍ من المجالس، يتم توزيعها على الحرفيات ليعرضن فيها حرفهن اليدوية أمام الزائرين، حيث روعة المنتجات التراثية المصنوعة من قبل مجموعة من الأمهات أمام الزوار مباشرة، مشيرا إلى أن وجود المجالس داخل السوق يفسح المجال أمامهن لتعليم المهارات اليدوية للجيل الجديد حيث تستقبل هذه المبادرات العشرات لتعلم هذه الصناعات المحلية التراثية التي تنقلها الوالدة للأبناء كما يزيد من خبرة أصحاب الصناعات التقليدية والقائمين عليها أنفسهم من خلال التعرف إلى أذواق الجمهور والزوار من المواطنين والمقيمين والسياح.

ويعد السوق الشعبي نقطة جاذبة لأبناء الإمارات والمقيمين فيه إلى جانب عدد كبير من السياح، فالسائح الذي يزور ليوا ومهرجانها لابدّ وأنه يرسم صورة الواحة الغناء في مخيلته قبل الوصول، ولا شك أنَّه سيزين تلك الصورة بما ينتظر أن يراه من حياكة لسعف النخل، ومنتجات مشتقة من سعفها، ومن حلوى التمر ومعها كل ما يرتبط بحياة الأسرة البدوية البسيطة من سدو وحياكة.

ويلاحظ الزائر لحظة دخوله السوق أن كل ما هو معروض في السوق مختص بالصناعات المستوحاة من التراث والبيئة القديمة إلى جانب سلال الرطب اليدوية والرسم على الشيل والحناء وغيرهما من المشغولات اليدوية، والمأكولات الإماراتية، وكل هذا يأتي ضمن استراتيجية لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية وجهودها في حفظ التراث المعنوي لإمارة أبوظبي ودولة الإمارات، وتطويره من خلال دمجه في الحياة اليومية للمجتمع، وضمان أنّ التراث الثقافي الغني للمنطقة سيظل حياً متواصلاً في المستقبل ولن يتعرض للنسيان، لإيمانهم بأنه من السهل جداً أن تضيع ثقافة ما في ظلّ رياح التغيير السريع إذا لم يتم الاهتمام بها، وإذا لم يكونوا واعين بقيمها، لذا أخذت اللجنة على عاتقها الحفاظ على هذا التراث.

كما يرى زائر السوق الشعبي في المهرجان الدور الحيوي الذي تلعبه المرأة في الاقتصاد البدوي الفلكلوري العريق وكيف أنَّها تعد محوراً مهماً لتجميع ما تقدمه الواحة من خيراتها وكيف ترث المرأة من أمها وجدتها أساليب الاستغلال الأمثل لهذه الخيرات وكيف يمكن حفظها للاستفادة منها بعد موسم جني الرطب. كما سيجد تلاحم الأسرة البدوية ورعايتها ضمن نطاق القبيلة، وكيف أن السوق هو مهرجان محلي دائم تلتقي فيه الخبرات و يعاد في دكاكينه إنتاج التراث عبر الأجيال.

• سعيد المعمري: لقائي مع الأطفال والشباب وأهاليهم وسط أجواء تراثية يجعلني أبدع في طرحي

يقدم الإعلامي سعيد المعمري الفعاليات التراثية التي تنظمها لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي على مسرح الطفل في مهرجان ليوا للرطب، وبالتعاون مع عدد من الجهات الراعية والداعمة، حيث ينقل الأطفال وذويهم إلى عالم من الفرح والمرح الممزوجين بالتراث والعادات والتقاليد.

وأكد المعمري أن لقاءه مع الأطفال والشباب وأهاليهم وسط أجواء تراثية يجعلني أبدع في الطرح الذي أقدمه على منصة قرية الطفل، مشيرا إلى حجم التفاعل الذي تشهده القرية من الرابعة وحتى العاشرة، وبشكل يومي منذ انطلاقة المهرجان، حيث تستقطب الفعاليات والأنشطة التي تقيمها القرية كافة الفئات والعمار من نساء ورجال وأطفال وشباب.

من جانبها، قالت ليلى القبيسي مديرة فعاليات خيمة الطفل في مهرجان ليوا للرطب إنّ أهمية هذه الفعاليات تكمن في أنها رسالة توعوية بأهمية الارتقاء بذائقة الطفل وترسيخ أسس المسرح لديه وغرس قيمة العمل الجماعي في نفسه، وعلى العديد من الجوانب الأخرى، أهمها كيفية الاستفادة من الوقت.

وأشارت إلى أنّ مثل هذه المهرجانات تخلق العلاقة الحميدة بين الطفل والمسرح، من خلال الممثلين، الذين يتحركون على المسرح من دون خوف وكأنهم يلعبون، وهنا تنشأ علاقة سوية بين الطفل وخشبة المسرح، والذي يشكل فناً راقياً، كما أن اللجنة المنظمة ومن خلال برامج تسعى إلى لعب دوراً أساسياً ومهماً في تنمية عقل الطفل وربطه بماضي الأجداد وتراثهم من خلال الحديث بلغتهم، وإبلاغ الجيل الناشئ بإنجازات أجدادهم وأباءهم وما حققوه من بطولات وغيرها الكثير من الأمور التي تعزز الهوية الوطنية وتغرس حب الوطن في نفوس الأجيال الجديدة.

وأضافت أن الورشات التراثية الخاصة بالأطفال تعد لوناً من ألوان الحياة الإماراتية القديمة، لذا وإيماناً من اللجنة المنظمة للمهرجان تم إقامة ثلاثة ورشات فنية للأطفال، ضمن فعاليات قرية الطفل التي تشهد إقبالاً متميزاً من قبل أطفال المنطقة الغربية وزوار المهرجان وأهاليهم الذين أتوا للاستمتاع في هذا العالم التثقيفي التعريفي المتميز.

وتهدف هذه الورشات إلى ربط الجيل الجديد من الأطفال بثقافة وتراث الإمارات، وتقدم “الورشة الأولى” ورشة الأورغامي (فن طي الورق) والتي يتم خلالها تعليم الأطفال كيفية تدوير الأوراق وصناعة مجسمات جميلة، وقد تم تدريبهم على عمل مجسمات لشجرة النخيل من الورق المطوي، حيث تقوم “حنين”الفتاة المتواجدة في القرية بالإشراف على مجموعة من الأطفال وتعليمهم كيفية صنعها وبعد أن يكتمل تشكيل نموذج مصغر منها يتم إهدائها إلى الأطفال المشاركين لتكون ذكرى خاصة من قبل المهرجان.

والورشة الثالثة ارتكزت على مخيلة الأطفال في صنع السيارات التي يحلمون بها من الأطباق الورقية، وفي الورشة الثالثة يتم إعطاء مساحة للأطفال في المرسم الحر ليخرجوا ابداعاتهم في الرسم والتلوين، ويتم عمل مسابقات لبعض الرسومات المتعلقة بمهن قديمة وأشياء تراثية أخرى، وذلك من أجل الحفاظ على الخصوصية المحلية من خلال ترغيبهم في التعرف على أدوات التراث التي تشكل جزءاً مهماً من الانتماء الوطني، بلى فقرات شيقة مثل فقرة الساحر التي يقدمها لاعب الخفة عبدالمجيد عبدالله، والمسرح وغيرها الكثير.

وتقدم الجهات الراعية والداعمة والمنظمة في المهرجان العديد من الجوائز القيمة لجمهور قرية الطفل، حيث تقدم لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي مجموعة من الجوائز النقدية القيمة، وتقدم شركة “أدنوك” ومجموعة شركاتها مجموعة من الجوائز العينية القيمة، إلى جانب جوائز مقدمة من مديرية شرطة المنطقة الغربية، وقسم دوريات الطرق الرئيسية بالمنطقة الغربية، ومركز إدارة النفايات “تدوير”، بالإضافة إلى فقرة الدبدوب مع الفنان جاسم عبيد والتي تقدمها الشرطة المجتمعية في المنطقة الغربية.

• الحناء حاضر بفنونه وتقاليده

يعتبر الحناء من أقدم طقوس الزينة في مجتمع الخليج العربي، والتي لطالما تمسكت بها ابنة الإمارات من عهد الجدات، حيث تجلس الزائرة مع النسوة وهن يحضرن الأدوات ويقمن بمزج الحناء مباشرة أمام زائرات السوق الشعبي بمهرجان ليوا للرطب للإشارة على جودة الحناء، وذلك بعد أن تسأل عن اللون الذي ترغب فيه وما إذا كان يميل أكثر إلى الأحمر أم الأسود.

وتتوافد زائرات المهرجان على محال نقش الحناء لينقشن رسمات جميلة بريشة فنانة أبدعت بحناءها، فأخذت ترسم لوحات فنية تزين بها أنامل الزائرات لموقع المهرجان، حيث يشهد السوق الشعبي في المهرجان حلقات تعليمية تقدمها النساء المسنات المحتفظات بهذا الموروث الشعبي لتعليم الفتيات هذه الحرفة بكل حذافيرها، بدءا من الإتيان بأوراق الحناء المجففة والإمعان بدقها وترطيبها باللومي ومنقوع الشاي حتى يتماسك الخليط.

وتقول أم محمد إنه بالرغم من انتشار الحناء الجاهزة بالأسواق، غير أنها تفضل تحضيرها بنفسها، مشيرة إلى أن الإماراتيات خبيرات في مجال الحناء ويعرفن جيدا التمييز بين النقوش وجودة الرسم.

وتضيف أم خالد أنها تبحث باستمرار عن اللافت منها والجديد، لأن القصد من التحني هو الشعور بالبهجة وإظهار الأناقة، متفاخرة بأن علمت بناتها كيفية تحضير مادة الحناء بحسب الطريقة الأولية، وها هي تعلم زائرات المهرجان هذه الطرق والأساليب.

وترى أنه من المهم جدا أن تحضر هذه الحرفة في مختلف المهرجانات التراثية لأنها تقدم مفهوما خاصا عن المرأة الإماراتية التي مازالت تحرص على التمسك بتقاليدها حتى مع تبدل الأزمنة، وتنقل الرضا الذي لمسته من كل امرأة دخلت إلى خيمة الحناء.

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى