جابر عصفور.. تكريم في الخفاء!

( الجسرة )

*مصطفى عبدالله

ظُلم هذا الكتاب ظلمًا بينًا، فعلى الرغم من أنه يقع فى مجلدين يضمان نحو ألف صفحة، وحررت فصوله أقلام أكثر من ستين مبدعًا وأكاديميًا وقانونيًا من مصر ومختلف أرجاء العالم، إلا أنه لم ينل ما يستحقه من اهتمام.

وأنا شخصيًا لم أعلم بصدوره إلا مصادفة على الرغم من إسهامي بتحرير أحد فصوله!

“مرايا جابر عصفور” هذا هو عنوانه وهو يضم مجموعة من الشهادات والدراسات المهداة إلى الناقد الدكتور جابر عصفور فى مناسبة بلوغه السبعين، حررته أقلام عرفت هذا الرجل الذي تعددت مواهبه وأوجه عطائه في الحياة الثقافية المصرية والعربية، زمن هذه الأقلام: روجر ألن، ثائر ديب، صلاح الدين بوجاه، وهو جهد قامت به لجنة الكتاب والنشر بالمجلس الأعلى للثقافة وقت أن كان الدكتور شعبان خليفة مقررها، وقد أعد الكتاب للنشر الكاتب سامح كريم.

وفى دراسته المعنونة بـ “أثر المقامة فى الأجناس السردية العربية الحديثة” يعترف المفكر الأميركي البارز روجر ألن بأنه تعلم كثيرًا من عصفور الذي شاركه الاهتمام ببحث الإشكاليات المتعلقة بكتابة تاريخ الحركة الثقافية واسعة النطاق، المعروفة بالنهضة وبعواملها؛ الداخلية منها والخارجية، في سياق أي محاولة للكشف عن مراحلها البدائية، وتنظير بدايات الأجناس الأدبية، وازدواجية المؤثرات الأدبية والثقافية.

في حين يشير المترجم السوري ثائر ديب إلى “مفارقات جابر عصفور” المتمثلة في كونه متبحرًا، منغمسًا في الحداثة، متضلعًا من آخر المناهج النقدية والاختراقات النظرية التي يزخر بها الفكر العالمي، ومع ذلك فإن موضوع كتاباته الغالب هو قديمنا، من الصورة الفنية ومفهوم الشعر عند النقاد القدماء، إلى استعادة الماضي ومرايا طه حسين المتجاورة.

أما الروائي والمفكر التونسي صلاح الدين بوجاه فيلتفت في دراسته المعنونة بـ “المعرفة العاقلة والمعرفة الذائقة” إلى قدرة جابر عصفور على الجمع ما بين المناهج النقدية الغربية، ومناهجنا في البلاغة العربية، ويقول: “لفتني في جابر عصفور جمعه بين قوة المنهج ورخاوة اللغة وطلاوة الأسلوب، حتى لكأن العربية عنده قد تربت في بيوتات القاهرة القديمة، رغم ما نعرفه لدى لرجل من متانة معرفة بالمناهج الغربية الحديثة، لا تقل عن امتلاك زمام مناهجنا القديمة.

ويقارن الدكتور جهاد عودة بين المشروع النقدي لطه حسين والمشروع النقدي لجابر عصفور قائلا: “إذا كان مشروع طه حسين يقوم على أساس تجاور المرايا، فإن مشروع جابر عصفور ينهض على تحاور المرايا”.

ويربكنا المفكر الدكتور حامد عمار، شيخ التربويين، عندما يجعل مشاركته بعنوان “أستاذي جابر عصفور” وفيها يعدد أوجه هذه الأستاذية، رغم قصر عمر صلته بعصفور بحساب الزمن.

ويتوقف الناقد الدكتور حسين حمودة أمام أهم مصطلح صكه جابر عصفور ألا وهو “زمن الرواية”، الذي تحول في عمله من مجرد عبارة عابرة إلى فكرة محورية في مفتتحه لأحد أعداد مجلة “فصول” التي كان أحد مؤسسيها.

وفي شهادته التى حملت عنوان “وكنا بحجم ما ترى” يستعيد الأديب سعيد الكفراوي منازل الخطوة الأولى في مدينة المحلة الكبرى مع جابر عصفور ويتساءل: هل ترى إن هجرة الستينيات الأولى كانت ضرورية؟ وهل ترى أن الحصاد يساوي انكسار القلب، وأيام الاغتراب، وحرق الدم فيما جاءت به الأيام؟

وتتسع صفحات هذا الكتاب التذكارى لفصول سطرتها أقلام رحل أصحابها مثل: الدكتور عبدالغفار مكاوي الذي تأمل مناسبة لا يمكن أن تغيب عن ذاكرة جابر عصفور عندما قال: “دعوني أرجع للوراء أربعين سنة على الأقل لأجدد شعوري بالفخر والاعتزاز بأنني كنت أول من بشر بالناقد الواعد جابر عصفور؛ فقد شاءت المصادفات أن أحضر مناقشة رسالته للماجستير عن أدباء عصر الإحياء، يخايلني الآن مشهد المناقشة الدرامية في المدرج العتيد رقم 78 الذي طالما ألقينا محاضراتنا فيه، ويكاد ضباب الذاكرة يشف أمامي عن وجوه بعض أساتذتنا الأعزاء، الذين جلسوا بأروابهم الجامعية المهيبة على منصة المحاكمة – ويتساءل – هل كان القضاة الثلاثة من بين هذه الأسماء الكريمة: سهير القلماوي، شكري محمد عياد، عبدالعزيز الأهواني، عبدالمحسن طه بدر، عليهم جميعًا رحمة الله ورضوانه، وهل كان من بينهم أستاذنا حسين نصار، مد الله في عمره، كنت طوال المناقشة شديد الانبهار بالشاب الذي يرد على الأسئلة الموجهة إليه بجرأة وثقة في النفس وتمكن مذهل من النقد العربي القديم والنقد الغربي الحديث.

والدكتور نصر حامد أبوزيد الذي قال: “استطاع جابر عصفور تحليل مفهوم “الصورة” عند القدماء من خلال مفهوم أوسع للتراث من جهة، ومن خلال رؤية حديثة عصرية من جهة أخرى.

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى