الرواية السعودية تتقدم والنقد الأدبي يتراجع.. ونحن بخير

زكي الصدير

أصدر الروائي السعودي فراس اللامي مؤخرا روايته الأولى عن دار الساقي حاملة عنوان “سعودي في ميشيغان”، مستحضرا حياة توثيقية لرجل سعودي متقاعد عن العمل في رحلة علاجية من مرض السرطان إلى ولاية ميشيغان الأميركية، استمرت عاما كاملا، لتنتهي بوفاته، بعد رصده اليومي لتقلبات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية للجالية العربية، لا سيما السعودية مع الأقليات العرقية الثانية، مرورا بلحظاته الصغيرة والكبيرة المسكونة بدهشة السؤال، ومراحل اكتشاف الأمكنة هناك.

يعكف اللامي حاليا على رواية تاريخية تتحدث عن مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان فيها صبغة سياسية واجتماعية وتتناول مشكلة العنصرية والفساد وسبب إعلان المدينة الصناعية الشهيرة لإفلاسها على لسان شخصيات أميركية من خلفيات عرقية مختلفة من سكان المدينة من المتوقع صدورها في نهاية 2017.

سعودي في ميشيغان

حاول فراس اللامي (مواليد ميشيغان عام 1981) في روايته أن ينسج خيالاته السردية من وقائع الحياة التي جرّبها واختبرها أثناء حياته في ولاية ميشيغان، حيث ولد وعاش ودرس في جامعتها، وتخرج فيها حاملا شهادة الماجستير في “مناهج وطرق التدريس” من جامعة ايسترن ميشيغان. هذه التجربة خلقت له عوالم ويوميات مع تاريخها بكل تفاصيلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي جعله قريبا من معطياتها التي تخص العرب والسود وبقية الأقليات التي تعيش حياة تتنوّع بين الرتابة والعمق والقهر والرضا.

يحدّثنا اللامي عن مناخات الرواية قائلا “الغالب الأعم من الرواية كتب في أحد المقاهي الصغيرة في مدينة الهفوف (شرق السعودية) على وقع صراخ الأطفال وضحك المراهقين وحكايا أساتذة جامعيين وصخب حضور متفاعلين مع مباريات الدوري المحلي وبطولات أوروبية، في حين كان التدقيق والحذف والإضافة والتعديل في المنزل بالدمام. الرواية اخترت فيها مدينة آناربر التي قضيت فيها عدة سنوات في فترة الابتعاث لتكون إطارا مكانيا أعرفه جيدا لتوظيفه في الرواية التي تتناول قصة متقاعد سعودي يسافر إلى هناك للعلاج من مرض السرطان في فترة الربيع العربي”.

مع أن “سعودي في ميشيغان” رواية اللامي الأولى، إلا أنها امتلكت لغة متماسكة، وأجنحة كانت قادرة على الطيران أكثر مما هي عليه، غير أن اللامي لم يذهب عميقا في الاشتغال النفسي على شخصياته، وذلك مثلا، عبر اجتراح عوالمها المتناقضة والسرية التي يرغب القارئ عادة في الإطلال عليها. فجاءت شخصياته الروائية هادئة ومطمئنة، لا تمتلك سؤالها الفلسفي، ولا ثورتها السياسية، ولا رأيها في ما يحدث. وربما نستطيع أن نستثني من ذلك شخصية النمنم التي بدت أكثر تعقيدا وسط بقية الشخصيات.

يتّفق ضيفنا اللامي مع هذا الرأي، ويعلّق بالقول “هو بالمناسبة أمر متعمد أولا لتوجيه مخيلة القارئ وانتباهه للمكان وللحدث المحوري وهو المرض الملازم للبطل، بحيث يسمع القارئ ويدور في مخيلته مستشفى ومرضى وأطباء. ثانيا، نزعة للتجريب بتحدي القالب التقليدي لبنية الرواية بوجود شخصيات عابرة سواء الثانوية منها أو حتى الرئيسة في عالم لاهث ومكان يسحق أبطاله ويصنعهم بشكل باهت، بل إن النمنم نفسه لم يكن موجودا في مسودة الرواية الأولى وحضر لاحقا لضرورات فنية بحتة”.

في سؤال عن غياب رياح الربيع العربي عن أحداث الرواية وانعكاساتها على الجاليات العربية في أميركا، على الرغم من أنها تجري في قلب الربيع زمنيا، يجيب الروائي “أتفق معك، وهنالك عدة أسباب لهذا الأمر، أولا: خططت من البداية لتخصيص رواية واحدة على الأقل تتناول المجتمع العربي الأميركي ونظرته إلى الربيع العربي في فترة لاحقة مع اتضاح الوضع في كل من سوريا واليمن، بحيث لا أكرر نفسي في الأعمال في ظل أن الرواية انتهيت من تأليفها في منتصف 2014. ثانيا: إضافة المزيد من الشخصيات العربية الأميركية كانت ستؤدي إلى تضخم الرواية وتعقيدها وهو ما ينافي رغبتي في رواية أولى بسيطة سهلة قصيرة إلى حد ما. وأخيرا ركزت على الهموم المحلية للشخصيات اقتصاديا وسياسيا التي حضرت بقوة في تلك الفترة في مكان أحداث الرواية”.
خيالات سردية من وقائع الحياة
سحب البساط

عن قراءته للمشهد السردي الشبابي في المملكة العربية السعودية، يرى ضيفنا أن النتاج المحلي كثير، وقد سحب البساط من جيل المخضرمين قائلا “البون الشاسع في جودته لدرجة وجود روايات شبابية رائعة وفي غاية الجودة حتى على المستوى العربي، لكن في المقابل يمكننا أن نلاحظ أيضا وجود روايات ضعيفة فنيا ومن المستغرب قبول دور نشر لها، لكن على العموم باتت الرواية اليوم تتوجه أكثر إلى مواضيع لم تطرق كثيرا كالطائفية والقبلية معتمدة في ذلك على لغة مباشرة تناسب القارئ الشاب، وقد تكون سطحية ولا تغري القارئ النخبوي”.

وعن مدى مواكبة الحركة النقدية الحقيقية للمنتج الروائي الشبابي في السعودية يذهب اللامي إلى أن “السنوات الخمس الماضية شهدت تراجعا كميا في عدد الكتب النقدية الصادرة عن الرواية السعودية سواء عن الجيل الشاب أو قدامى المحاربين، وكذلك في الملاحق الأدبية في الصحف والمنتديات الأدبية، وإن كانت هذه الروايات أفضل من ناحية النوع مما سبقها. وفي المقابل نشط النقد الأدبي في الإعلام الجديد في تويتر وفيسبوك وكذلك في بعض فروع جمعية الثقافة والفنون، والأندية الأدبية، وفي الندوات المقامة في معارض الكتاب”.

وفي جانب آخر يرى ضيفنا اللامي أن “تيار الصحوة في السعودية قد انتهى، وأن المملكة تعيش عصر ما بعد الصحوة، وأنه يجب على المثقف أن يوضح للرأي العام أن الفنون والفلسفة والآداب والديمقراطية ليست ترفا، بل ضرورة حتمية لأي دولة رائدة، وأن التاريخ الإسلامي شاهد على بروز هذه القيم في العصور الذهبية للمسلمين، وخاصة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وبأسلوب بسيط بعيد عن النخبوية، وأنه لا مشكلة في الجمع بينها وبين قيم المجتمع من دين وعادات وتقاليد”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى