وفتحنا النار عليك

كاظم اللامي
تستهويني قضية فتح النار وبكثافة على المعفو والمسكوت عنه وأصيب بمقتلة من أصيب وأحيي ميت الاراء بنفحة حياة منطلقا من مبدأ أراني مؤمنا به.

إن ما ينشر وما يكتب وما يعرض يعطي للآخرين بعامتهم حرية مطلقة ومسوغات قانونية وشرعية واجتماعية بتحليل ذلك وتسطير الانطباع كجزء من التأثر والتأثير المؤطر للأشياء في حقيقة وجودها كرمز له تشظياته وتأويلاته ودلالاته.

الشاعر الكبير مظفر النواب لم يكن على درجة كبيرة من الصدق والصحة بما أورده بخصوص قصة قصيدته “الريل وحمد” لاعتبارات سيكولوجية سيسيولوجية مهمة، ولو في حدودها العراقية الضيقة لو أنها – أي الاعتبارات – طبقت بعلمية المستكشف الناظر بتجلٍ لكل صغيرة وكبيرة وبزوايا متعددة لواقعية القصة التي روتها رفيقة دربه في رحلة قطار الجنوب القادم من بغداد باتجاه البصرة وفي مقاعد الدرجة الثالثة.

أوجزها بما يأتي.. الحياء وطبيعة النساء وخصوصا الجنوبيات ولعظم الهم الكبير الملقى على أرواحهن كلباس يقيهن برد الحياة المميت بالتأكيد سيمنعها أن تصرح ولو تلميحا لأقرب الناس اليها بهذا الوجع القاتل، ولما له من تبعات تنهي حياتها وهي الهاربة طويلا كجان، فالجان في رواية “البؤساء” لخطر يهدر طويلا كصوت القطار الذي يقلها، وما يستبعد هذا البوح ان القطار يتواجد في زمن السرد عند منطقة نفوذ أهلها وعشيرتها، ومحل سكن حبيبها الذي تنكر لها.

ثم وعن تجربة واقعية مررنا بها أثناء سفرنا المتواصل في وسائل النقل العراقية، ومنها القطار انه بالامكان ان يتجاذب الرجل أطراف الحديث مع رجل آخر، وربما بأسرار كبيرة اذا ما تواجدت الثقة بينهما والتي يكشفها السفر لكونه ميزان الأخلاق.

أما امرأة تفتح النار على نفسها بهذه الطريقة الانتحارية عند اسماع رجل غريب وعند حدود ادارية تجمع أهلها وذويها، أعتقد ان هذا من وحي الشعراء القابع بين جدران الجحيم لأنه بوح شيطان يتلقى تعاليم شياطين أكبر منه.

ربما هناك فعلا قصة لرجل اسمه حمد ربما سمعها النواب فعلا وكتب قصيدته عنها لكنه بالتأكيد لم يسمعها من هذه المرأة الغريبة، ولم ير لعثمة لسانها وهي تلوك الكلمات، وثمة دم ينز من بين أسنانها وهي تصر عليها باصطكاك كقطعتي معدن بيد غجرية في حفلة رقص أمام مرأى ومسمع شيخ موله بهز الأرداف.

ربما سمعها من رجل رافق رحلته القطارية وأراد أن يضفي عليها طابعا دراميا تشويقيا وجماليا بألوان محلية تداعب شغاف قلوب جيل من العراقيين تدمعه الهمسة وتبكيه كلمات العشق وخاصة عند الغروب وعلى موائد الخمر في الحانات المنتشرة بكثافة في الثمانينيات وما قبلها، لينطلق سيل النحيب وربما اللطم الماكث في خبايا الروح كميثولوجيا لحالات السكر العقائدي المتأصلة في الأرواح الشفافة.

وربما حمد هو مظفر النواب بشحمه ولحمه عاش تفاصيل هذه القصة وعند وصوله حيث دياره قفزت صورة حبيبته التي فارقها لأسباب لا نعلمها، فانفجر شيطانه الشعري متقيئا كلمات تلمع كنصال حراب تمزق احشاءه ربما لانه كان بموقف لا يُحسد عليه لمجافاته حبيبته ولشعوره بالذب أجبرته الصورة أن يكتب قصيدة يرد بها بعض الجميل والحب لها وكنوع من التكفير الذي أرّق حياته، وربما هو سبيل ما سيكتب في قابل الأيام، أي بعد رحلة قطار الجنوب، وربما وربما وربما لكن الثابت لدينا ووفقا لما أوردناه أن المرأة لم تكن في حالة تجل مع النواب في سردها لقصتها والله اعلم. وأخيرا اعتذر عن جرأتي وأنا أقف في حضرة النواب جبل الصبر المتفجر نجوما تطرز حروفه النابضة بكل جميل.

وهذا نص القصيدة:

مرّينه بيكم حمد, واحنه ابقطار الليل واسمعنه, دك اكهوه …

وشمينة ريحة هيل

يا ريل …

صيح ابقهر …

صيحة عشك, يا ريل

هودر هواهم

ولك

حدر السنابل كطه

يا بو محابس شذر, يلشاد خزامات

يا ريل بللّه .. ابتغنج

من تجزي بام شامات

ولا تمشي .. مشية هجر …

كلبي..

بعد ما مات

وهودر هواهم

ولك

حدر السنابل كطه

جيزي المحطة..

بحزن ..

وونين ..

يفراكين

ما ونسونه, ابعشكهم…

عيب تتونسين

يا ريل

جيّم حزن…

اهل الهوى امجيمين

وهودر هواهم

ولك

حدر الستابل كطه

يا ريل

طلعوا دغش…

والعشق جذابي

دك بيّه كل العمر…

ما بطفه عطابي

تتوالف ويه الدرب

وترابك ..

ترابي

وهودر هواهم

ولك..

حدر السنابل كطه

آنه ارد الوك الحمد .. ما لوكن لغيره

يجفّلني برد الصبح ..

وتلجلج الليره

يا ريل باول زغرته…

لعبته طفيره

وهودر هواهم

ولك .. حدر السنابل كطه

جن حمد….

فضة عرس

جن حمد نركيله

مدكك بي الشذر

ومشلّه اشليله

يا ريل….

ثكل يبويه..

وخل أناغي بحزن منغه…

ويحن الكطه

كضبة دفو , يا نهد

لملمك … برد الصبح

ويرجنك فراكين الهوه … يا سرح

يا ريل….

لا.. لا تفزّزهن

تهيج الجرح

خليهن يهودرن..

حدر الحراير كطه

جن كذلتك…

والشمس…

والهوة…

هلهوله

شلايل برسيم…

والبرسيم إله سوله

واذري ذهب يا مشط

يلخلك…اشطوله !

بطول الشعر …

والهوى البارد….

ينيم الكطه

تو العيون امتلن ….

ضحجات … وسواليف

ونهودي ز مّن…

والطيور الزغيره…

تزيف

يا ريل …

سيّس هوانه

وما إله مجاذيف

وهودر هواهم

ولك…

حدر السنابل كطه.

(ميدل ايست أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى