أزمة الخط والخطاطين في المغرب… بين التنظير والممارسة

محمد البندوري

إن مختلف القضايا والإشكالات التي ترسبت في المجال الخطي المغربي، أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على عدد من المنجزات، وأضعفت العديد من المشاريع التي كان من المفروض أن تعرف تنمية خطية وثقافية واجتماعية واقتصادية كانت ستسهم في إعطاء سياق جديد للمنظومة الخطية المغربية ولتنمية الموارد البشرية المتخصصة في هذا المجال. ولكن بُعد البعض عن السياق العام للمجال والجهل بحيثياته، وقصر النظر، والتكالب على المصالح الذاتية والخاصة، فاقم من حدة الأزمة وجعل الخط المغربي من حيث وضعه التطوري في مأزق لا يحسد عليه، وجعل كذلك بعض الخطاطين في مفارقات غريبة بين ما ينتجونه من مواد خطية ذات أهمية وما يعانونه من غربة في المجال، وهم أهل الدار، نتيجة التفرقة المغرضة، والقطيعة القاتلة التي حصلت بفعل ذلك بين مختلف الخطاطين في المغرب، وقد بدأت في ترسيخ جذورها بشكل قوي، وهو ما ستكون له تداعيات سلبية مستقبلا في غياب توحيد الرؤى وتوحيد صفوف الخطاطين والتحدث بلغة خطية مغربية واحدة تراعي جمع الشمل وصنع توليف بين جميع الفاعلين ونبذ الفساد وتجنب حب التملك.
إن الخط المغربي هو ملك لكل المغاربة وهو إرث حضاري وتاريخي ساهمت كل المكونات الثقافية والاجتماعية والسياسية في إعطائه المكانة اللائقة عبر التاريخ المغربي، وذاع سيطه في كل الأرجاء بفعل المخلصين الشرفاء على قلتهم.
إن قلة الوعي في المنظومة الخطية المغربية جعل البعض غير مدركين لجملة من الحقائق التي تخص الخط المغربي؛ فأضحوا خارج هذا المجال، ولاغرو في أن أهمية الوعي تُماثل أهمية القضايا والإشكالات التي تحيط بالخط المغربي من عدة جوانب، منها الثقافية والسياسية والمعرفية والاجتماعية، وهي أهمية من المفروض أن يتنبه إليها المثقفون والنقاد والمهتمون والمتتبعون. وبذلك، يقع الخط والخطاطون في أزمة الوعي وأزمة المجال، وفي مفارقات غريبة.
ولقد آن الأوان في الظرف الراهن أن تتغير سلوكات البعض وأن تتوسع نظراتهم وأن تصغي آذانهم وأن يتحلوا بالحكمة والفضيلة وقيم التسامح وحب الآخر لتصحيح مسار الخط المغربي وتقويم منجزاته، وجعلها أكثر شمولية وأكثر نجاعة وأكثر ديمقراطية إلى ما فيه الصالح العام وخدمة الوطن، وترسيخ ذلك في ذهنية كل المكونات وكل الفاعلين، وتكثيف العمل مع عمق المادة الخطية، بالأعمال الجادة، والتنظيرات الهادفة التي من شأنها خلق مساحة فنية وثقافية واقتصادية وتنموية يستفيد منها الجميع، ويكون لها تأثير بارز وبالغ الأهمية على الفكر وعلى الفهم وعلى عمليات تدبير المسار المستقبلي، وهو أمر غير يسير، بل يحتاج إلى الخبرات العالمة وإلى ذوي الاختصاص على مستوى التنظير والممارسة، وإلى روح المبادرة، وإلى التشبت بالجانب العلمي للتعمق أكثر في صلب المادة الحروفية المغربية، وفي خصوصيات الخط المغربي برصيده الثقافي والسياسي والاجتماعي والتاريخي، وفي رصيده الجمالي والفني.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى