تشيخوف يفتتح مهرجان المسرح المعاصر والتجريبي في القاهرة

عواد علي

افتتح مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي مساء الثلاثاء دورته الـ 24 بعرض “الشقيقات الثلاث” لفرقة مسرح “تبليسي” الجورجية، تأليف أنطون تشيخوف، وإخراج قسطنطين بورتسيلادزي. وهو عرض يقوم على الرقص المعاصر (الكوريغرافيا) ولغة الجسد.

 

الشقيقات الثلاث

لا شك في أن تقديم النص المسرحي “الشقيقات الثلاث”، الذي يعتمد على الحوار الإيحائي، والفعل الداخلي، والسكون، والشخصيات المسكونة بالقلق والحزن والأوهام، أكثر من الفعل الدرامي الخارجي، مغامرة لا يقدم عليها إلا مخرج مسرحي متمكن ذو حس جمالي عالٍ وقدرة على تحويل عالم العواطف إلى صور تتخذ التعبير الجسدي والحركات وتقنيات الرقص الحديث سبيلا لها.

وسبق لمخرجين غربيين متخصصين في الكوريغرافيا أن أخرجوا هذا النص بأسلوب مماثل لأسلوب بورتسيلادزي، أهمهم المخرجة السويدية برجيتا إجربلاد، صاحبة التجارب الإخراجية الجريئة، التي دمجته مع نصين آخرين لتشيخوف هما “النورس” أو “طائر البحر” و”بستان الكرز”، وقدمته في عرض بعنوان “حديقة تشيخوف”، ركزت فيه على الجانب الصوري، واختزلت الحوار المنطوق، لتعوض عنه بالحوار بين أجساد الممثلين والحركات والرقص التعبيري مع مجموعة عازفين يمارسون الرقص والتمثيل في آن واحد.

وفي المسرح العربي قدّم النص في العراق “الشقيقات الثلاث” في سياق مسرح الصورة، وقد حذفت منه شقيقتان وأبقي على واحدة، وحوّل فضاء العرض إلى مقبرة ليبرز فكرة أن الرتابة في حياة الإنسان مميتة، وأن جهله مميت أيضا، فإذا أراد لحياته أن تستمر فلا بد له من التغيير وزيادة المعرفة.

يُعدّ نص “الشقيقات الثلاث” واحدا من أشهر نصوص تشيخوف المسرحية الكبيرة، تتمحور فكرته حول عزلة الإنسان داخل مجتمعه، وشعوره بأنه ولد في الوقت والمكان والبيئة الخطأ، وذلك من خلال ثلاث شقيقات يعشن منزويات في بلادة الريف الروسي، تتسم حياتهن بالنمطية، ويهيمن عليها الملل. تبدو الكبيرة أولغا، التي تمتهن التدريس، غاضبة على وضعها، وتريد الخروج منه مهما كان الثمن، لكنها عاجزة عن فعل أي شيء يوصلها إلى خلاصها، والوسطى ماشا أتعسها زواج غير ناجح، فعاشت مكتئبة، تلتجئ في لحظات اليأس المطلق إلى حلم يزيدها حزناً وكآبة. أما الصغرى إيرينا فهي الوحيدة التي تبدو حيوية راغبة في فعل شيء مفيد، لكن خيباتها تتلاحق من دون هوادة.

ثمة حلم واحد لهؤلاء الشقيقات يتمثّل في الذهاب إلى موسكو من دون الرجوع إلى ذلك الريف الذي يضجرهن. وفجأة يلوح لهن الأمل عندما تأتي فرقة عسكرية لترابط في المنطقة، حيث يقمن علاقات مع عدد من الضباط، ويشاركنهم في أحاديث ومناقشات تتعلق بجملة أمور أبرزها السعادة والبحث المضني عنها في الزواج والعمل والعلم، وتتطور العلاقات فيتقدم أحد الضباط لخطبة الصغرى، ويشجع آخر الكبرى على ترك التعليم الذي تمقته، بينما تغرم الوسطى بضابط مدفعية.

تصدر فجأة الأوامر للفرقة العسكرية بمغادرة الموقع، وتعود الشقيقات الثلاث إلى عزلتهن وقد زادت حدتها، أولغا ترجع إلى التدريس وإلى يأسها، وتكتشف ماشا أن غرامها لم يكن أكثر من سراب، أما إيرينا، التي يُقتل خطيبها على نحو مباغت، فتصاب بإحباط نهائي، وتشعر بأن العالم كله قد انتهى بالنسبة إليها. وهكذا تجد الشقيقات أنفسهن أمام الحقيقة القاتلة: بعد كل شيء لن يتمكنّ أبدا من الذهاب الى موسكو ومبارحة ريفهن، ولا يجدن أمامهن سوى الإذعان ليأسهن الذي يشكّل نوعاً من العزاء، لأنه أسهل من الأمل العابر، فهو يحمل في طياته أملاً في حياة جديدة ذات يوم.

يغلب على معظم شخصيات المسرحية التيه والقنوط وعدم الرضى، والسأم من كل شيء، والتعطش إلى عهد جديد، ومعرفة سر الحياة، لكن تنقصها إجابات عن أسئلة كثيرة متعلقة بالوجود وسببه ومتاعبه والمستقبل وكيف سيغدو وما مكانها فيه، دون أن يغيب عنها الوعي بضرورة العلم والعمل للتغيير، والتمسك بالحياة والبذل، لأن شيئاً جميلاً سيزهر بعد ذلك.

 

عروض وندوات

مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي تنظمه وزارة الثقافة، غير تنافسي، كما جاء في تعريف المنظمين لهذه التظاهرة التي عادت إلى الحياة السنة الماضية بعد انقطاعها لـ6 سنوات، ويهدف المهرجان إلى خلق تواصل وحوار بين المسرحيين والجماعات، من مختلف دول العالم، حول المسرح وأشكال الأداء، إضافة إلى تعريف الجمهور في مصر والمنطقة العربية بأحدث التيارات في المشهد المسرحي العالمي، وإتاحة نافذة يطل منها المسرحيون الأجانب على المشهد المسرحي العربي.

وقد رفعت الدورة الحالية للمهرجان، التي تستمر فعالياتها حتى 29 سبتمبر الجاري، بمشاركة 14 دولة إضافة إلى مصر، شعار “التنوع”، ويتضمن برنامجها مجموعة من الورش التدريبية التي يديرها خبراء مسرحيون من ألمانيا وفرنسا وسويسرا والصين ولبنان ونيجيريا، ويشارك فيها شبّان المسرح المصري.

كما تنظم ندوة فكرية بعنوان “المسرح بين التراث والمدينة” تناقش ثلاثة محاور أساسية: الأول “التراث هل هو خاص بالريف أم المدينة؟”، ويناقش مفهوم التراث من خلال نقاط عديدة كالمأثور والتراث، وتفجير الأطر التقليدية، ومجتمعات الإجماع ومجتمعات الصراع، وترييف المدينة.

أما المحور الثاني فهو موسوم بـ”خطاب المسرح بين الغياب والحضور: البعد الفلسفي للمسرح”، ويركز على الخطاب في المسرح بين الغياب والحضور كمدخل للتعرض إلى مشاكل الهوية، فيما ثالث محاور الندوة الفكرية بعنوان “أشكال المسرح المعاصر وقضية المعنى”، ويتعرض لأشكال المسرح المعاصر وتحولاته، التي بدأت في التبلور بداية من فاغنر حتى يومنا هذا، عن طريق مناقشة موضوعات تجاوز دور الكلمة في المسرح المعاصر، والمسرح الجسدي والتحايل على الفرضيات الثقافية السائدة، والتعامل مع الجسد في نظريات الإخراج المعاصرة، وتفكيك الفرضيات الثقافية السائدة في المسرح المعاصر.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى