«المقدس» للإنكليزي سيمون ويست: دولنة اللصوصية وعدالة الصعاليك

عبدالله الساورة

يعتبر الفيلم الأمريكي «المقدس» (126 دقيقة/ يونيو/حزيران 2017/ إنتاج أمريكي/ المغامرات / الجريمة/ اللصوصية / المخرج سيمون ويست) نسخة مكررة من نسخ 007 وأفلام اللصوصية والجاسوسية. يطرح الفيلم الحالة الراهنة لعولمة يكثر فيها اللصوص والمارقون من الساسة ورجال الاقتصاد والمافيات والجرائم التي تنتعش على فقر الشعوب.
من بطولة انريك موسيانو (اللص سيمون تمبلر) إليزا دوسكو (اللصة) والممثل القدير روجيه مور. يسافر بنا الفيلم في العالم المعاصر، حيث يسود اللصوص وتحكم المافيات. كما يصفها المفكر جان جاك روسو «العمل هو واجب أساسي للإنسان الاجتماعي. الغني أو الفقير، القوي أو الضعيف، كل مواطن خمول هو لص».

عدالة الصعاليك

تنطلق اللقطات الأولى للفيلم من موسكو، بحضور بطل الفيلم اللص سيمون تملبر، لإفشال عملية بيع الأسلحة مقابل الذهب. وحصول سيمون على قطع الذهب وإيداعها عند محامي في رومانيا وتوصيته بأن يمنح قيمة هذا الذهب لجمعية تعنى بالأطفال اليتامى. تنطلق الأحداث إلى مجموعة من المدن والدول، (الولايات المتحدة الأمريكية.. نيجيريا.. باريس.. لندن.. العراق..رومانيا) يركز بطل الفيلم على إحقاق العدالة بمفهومه الخاص، ولكن عن أي عدالة يمكن تصورها؟ تبدو هذه العدالة التي لا تستند إلى فهم مؤسساتي، بل هي وليدة انتقام في أصلها وتنبني في مجملها على طفولة سيمون تمبلر، الذي قتل والداه أمام عينيه ويرغب في الانتقام. يمتاز هذا البطل بجسم رياضي رشيق ومهارات ومواهب متعددة، كما هي العادة في أفلام 007.. لأن أجواء الفيلم تتطلب هذه الخفة، وهذا النوع من الشخصيات الشابة والأنيقة ذات الوجه الحسن والقادرة على الجري والتسلق، وتمتلك مهارات السرقة والقدرة على مواجهة الآخرين. كل هذه الصفات الجسدية والحنكة التي اكتسبها طيلة حياته في عوالم الجريمة والسرقة، لاعتقاده الراسخ بأنه يدافع فعلا عن قيم العدل. العدل يتجسد من خلال محاولة انقاد ابنة المليونير وإرجاع الأموال التي أرسلها إلى طالب الفدية، وهو مسار ثان من الفيلم يدخل في دوائر تمنح مفاتيح لنهاية الفيلم.

ما هو المقدس؟

المقدس في الفيلم، وكما في العنوان هو تحقيق العدل وإرجاع الشابة المختطفة إلى والدتها سالمة ومعافاة، وكذلك إرجاع الذهب المنهوب إلى رومانيا وإرجاع الأموال إلى نيجيريا، والمساهمة في الحد من المافيات العالمية التي تفقر الشعوب في كل من نيجيريا والعراق وأفغانستان. المقدس كذلك عند تامبلر هو عدم رغبته في القتل في أكثر من مناسبة ومحاولة مساعدة وكالة المخابرات الأمريكية، التي تعجز بكل عملائها وأجهزتها، ويتدخل هو بدون إراقة للدماء، سواء في روسيا أو سان أنطونيو أو في نهاية الفيلم، حينما لا يرغب من الانتقام من المافيوزي داخل قصره وقاتل أسرته وتقديمه للعدالة، على طريقة تضحية الأبطال الكبار، كما تعودنا منذ الخامس من اكتوبر/تشرين الأول1962 انطلاق السلسلة الفيلمية 007 مع روجيه مور.. دانييل غريغ.. بريس بروسنان.. تيموتي دالتون.. دافيد نيفان.. جورج لازنبي.. سين كونري بدون ترتيب كرونولوجي.

دولنة اللصوصية المبلقنة

في انتقال الفيلم ما بين جنرالات وعسكر روسيا ونيجيريا ورومانيا… يحط البطل الرحال في باريس.. لندن.. جنوة .. سان أنطونيو في الولايات المتحدة.. هذا الحضور الدولي يغطي جانبا مهما من اللصوصية العابرة للقارات ولتهريب الأموال بين الدول. وهنا يطرح الفيلم في أحد أبعاده دولنة اللصوصية. والغريب في الأمر أن اللص سيمون تامبلر ورفيقته ورفيقه يشكلون عصابة «لصوص ظرفاء» أو «لصوص الأمل» كما يصفهم الشاعر الإسباني أنطونيو ماتشادو، الذين يقتفون السرقات وتتبعها وتتبع المافيات الكبيرة المندسة بين علب الساسة ومزارع الاقتصاد، وبورجوازيين همهم الأول الاغتناء، سواء بالسرقة أو الاختطاف أو بيع الأسلحة أو تهريب العملات الوطنية.

فيلموغرافية العنف والحركة:

المخرج الإنكليزي والهوليوودي سيمون ويست (من مواليد 1961 في ليتش وورد في المملكة المتحدة) بترسانة أفلام عالمية ودعم هوليوودي كبير، وهو المنجز لأفلام عالمية شهيرة حققت إيرادات مليونية في شباك التذاكر وشهرة عالمية وجعلته من أعز المخرجين المطلوبين في قوائم هووليود، ومن بينها فيلم «لعبة متوحشة» (2015) و»الميكانيكي» (2011) مع النجم جيسون ستاثام وفيلم «المرتزقة» (2012) مع النجم سيلفستر ستالون. وفيلم «ضد الساعة «(2012) مع نيكولاس كيدج والفيلم الشهير «لارا كروفيت» (2011) مع النجمة أنجلينا جولي وفيلم «ابنة الجنرال» (1999) مع النجم جون ترافولتا، والعديد من المسلسلات والأفلام… في فيلموغرافية هذا المخرج والسيناريست والمنتج العالمي ذو الأرقام الصعبة في معادلات إنتاج الأفلام العالمية. فقط حضور سيمون ويست وراء الفيلم يمنحه بعدا دوليا، ومستوى كبيرا من الترويج على المستوى العالمي بميزانية ضخمة.. مع الاستفادة من تجربة المنتج والسيناريست والمخرج سيمون ويست في تعاطيه مع هذه العينة من الأفلام منذ مدة طويلة، والحضور القوي لنجوم سينمائيين دوليين من الوزن الثقيل، بالإضافة إلى حضور لمسة تقنية مشوقة داخل الفيلم وحركية كبيرة واشتغال جيد على مستوى المشاهد وطريقة تصويرها من زوايا تضعنا في قلب عوالم المافيا وظاهرة اللصوصية ذات البعد المعولم.

الشخصيات المعذبة والمأزومة:

تعكس شخصيات الفيلم ماضيا مجهضا وطفولات معذبة ونفسيات مأزومة وجشع كبير، فاللص سيمون تامبلر الطفل عاش جحيم طفولة قاسية محروم الأب والأم، بعد قتلهما من طرف معلمه، وفي عقر داره ورغبته الكبيرة في أن يكون طبيبا نفسيا يقدم خدماته لبني البشر. رفيقته اللصة بدورها تظهر في إحدى المشاهد مكبلة في العراق من طرف جماعات إرهابية داعشية.. وتستطيع تحرير نفسها وهي منفصلة عن لص ستجابهه في نهاية الفيلم، يتم تقييده وتسليمه للعدالة الأمريكية. المافيوزي الكبير، الذي يحاربه سيمون تامبلر وقاتل أسرته هو الذي قتل عائلته حينما كان صغيرا وتسبب في تشرده. أما في الحاضر فهذه الشخصيات تعيش وضعا ماديا مريحا وتنتقل بين القصور والإقامات الفخمة واليخوت والسفر بين الدول والفنادق الكبرى والشواطئ هاجسها الانتقام وتهريب مزيد من الأموال.

الإثارة البعيدة عن الجنس

تأخذ الإثارة داخل الفيلم بعدا غير جنسي، حيث نجد مشاهد البذخ والإثراء المنتقلة بين الدول وأنماط العيش داخل القصور الفخمة والفنادق الضخمة وهنا إثارة الإبهار. الإثارة في التقنيات التي يستعملها بطل الفيلم في عمليات السرقة واستبدال البصمات الحديثة والخفة وطريقة قيادة السيارات ومطاردته بطريقة جنونية.. كل هذه الإثارات غير الجنسية والحسية جعلت منه فيلما مثيرا في سرعة الانتقال بين المشاهد والأمكنة.

الانتقام وزيف العدالة:

يكاد يكون فعل الحب منعدما داخل صراع المصالح داخل طبقة البورجوازية وأسهمها وأرصدتها البنكية، فالثري الذي اختطفت ابنته يسعى لاسترجاع أمواله قبل ابنته، وتظاهره برغبته الكبيرة في استرجاع ابنته الشابة المختطفة. في حين يسيطر هاجس الانتقام واستغلال ماضي الشخصيات المعذب، لإضافة حقنة جديدة من الانتقام وحضور القوي في الواجهة كشخصية تمتلك حسا من المعرفة وقدرة كبيرة في التحكم في دواليب السياسة والاقتصاد بعلاقاتها المتشعبة. باستثناء البطل سيمون تامبلر صحبة رفيقته السارقة في محاولة إصباغ عملهما اللصوصي بطابع إنساني فيه الكثير من الصعلكة ويحاول مد يد العون للشابة المختطفة وإنقاذها في نهاية المطاف وتقديم المجرمين إلى العدالة بدون الانتقام في أكثر من مناسبة. يقدم الفيلم وعيا زائفا كبيرا بأن قيم العدالة تبني في جزء كبير منها على المؤسسات وعلى نزاهة الأفراد وليس على الانخراط في فعل اللصوصية، كطرف يبتغي الانتقام، ويسعى لتحقيق شعار العدل المقدس. يحضر بشكل كبير الصراع على المال واستغلال عملية الاختطاف لتصفية الحسابات المالية بين الكبار.

المقدس وسينما النجوم

يمتاز فيلم «المقدس» بحضور قوي لشبكة من النجوم إنريك موسيانو (اللص سيمون تمبلر).. إليزا دوسكو ( اللصة).. والممثل القدير روجيه مور، بالإضافة إلى نجوم آخرين… هذه الطائفة من النجوم تقوم بشرعنة هذا المنجز الفيلمي ومنحه طعما بشغف الحاضرين فيه.. فليس من السهل حضور هذه الكوكبة من النجوم لو لم تكن شركة إنتاج يقودها المنتج والمخرج سيمون ويست. هذا الحضور القوي يصب في خانة الفيلم التجاري الهوليوودي العابر للقارات والمجسد للعولمة، التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وأخواتها. الأجور العالية للنجوم وتنقل أطقم الفيلم بين مجموعة من الدول… والاقامة في الفنادق الفخمة واليخوت ما يعكس حجم الميزانية الضخمة للفيلم، ويعكس أن الفعل السينمائي ليس فقط القدرة على إبداع الشخصيات وحبكة السيناريو، ولكن أيضا الجوانب التقنية والإنتاجية في الفيلم. يبقى فيلم «المقدس» فيلما مسليا وسياحيا بالمناظر السياحية التي يختزلها داخل مشاهده وذاك بعد جديد في السينما التجارية والعالمية الحالية. فلا شيء بالمجان حتى داخل مشاهد الفيلم الترويحي والسياحي، وداخل مشاهد العنف ولقطات الحركة.
ختاما تلخص مقولة الشاعر بابلو نيرودا هذا الفيلم إلى حد كبير «المجد والشرف للص الكبير والسجن لسارق الخبز».

Share

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى