الفنان دائما ضد الأيديولوجيا التي تتحكم في العالم والمجتمع

لمى طيارة

في إطار تكريمه من قبل مهرجان الإسكندرية السينمائي الذي افتتح دورته الـ33 السبت 7 أكتوبر، تحدث المخرج والمنتج الفلسطيني ميشيل خليفي عن سبب توقفه عن إخراج وإنتاج أي فيلم سينمائي بعد فيلمه “زنديق” 2009، قائلا “السبب هو في علاقة الإنسان الكاتب الفنان السيناريست الخ..، مع البيئة والزمن.

وما يحصل حاليا في الوطن العربي عموما وفلسطين خصوصا وكأننا ندخل في عالم جديد، بدل أن يأتينا برؤى أوضح أصابنا بالضبابية في مراحلها الأخيرة، بينما العملية الإبداعية هي عملية قراءة للمستقبل، فكيف لنا في وقتنا الحالي أن نفعل ذلك وسط كل هذه الضبابية، لذا وجدت أنه من الأفضل أن أصمت”.

 

التمويل والمبادئ

قدم ميشيل خليفي، الفلسطيني الأصل البلجيكي الجنسية، العديد من الأفلام السينمائية الهامة، نذكر منها “الذاكرة الخصبة”، و”معلول تحتفل بدمارها”، و”نشيد الحجر”، و”زنديق”، و”عرس الجليل”، وهو الفيلم الذي نال عنه عدة جوائز دولية منها الصدفة الذهبية في مهرجان سان سبستيان، وجائزة الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية (الفيبرسي) في مهرجان كان العام 1987، وجائزة التانيت الذهبي في مهرجان أيام قرطاج السينمائية.

لكن ميشيل يرى أن كل الجوائز التي حصدها وخاصة من مهرجان كان السينمائي، لم تكن ذات أهمية كبرى بالنسبة إليه، لأنه يعتبرها جزءا من التقدير لعمل فني قام به، وهو يشّبه السينمائيين بالعمال والحرفيين، الذين يتقنون عملهم، ويشعرون بالسعادة عندما يأتي من يصحح لهم أو يقيمهم.

ميشيل خليفي المنتج لم يطرح على نفسه مطلقا السؤال الأزلي الذي يعاني منه المخرجون ألا وهو من أين سآتي بالتمويل لفيلمي القادم؟ فهو يعتبر أن همه الأساسي في العمل الفني، وخصوصا في السينما، تقديم العمل الجيد، بدءا من مرحلة الكاتبة ونهاية بإنجاز الفيلم، وعلى كل مرحلة أن تكون بأفضل حالاتها الممكنة، يقول “عندما أكتب سيناريو، وأنا كل سيناريوهاتي أخذت الجائزة الأولى، يكون السكريبت هو على الأقل الوثيقة التي من خلالها أستطيع الحصول على التمويل، لذلك أحاول كتابة السيناريو بشكل دقيق، يمكن لمن يقرأه أن يراه، وأن يرى الفيلم وأن يحبه ويتشوق له وأن يرى شخصياته حية تتحرك أمامه، وهو ما أراهن عليه، وبعد الكتابة الأمور تأتي ببساطة”.

وعن رأيه في التمويل الذي يأخذه بعض المخرجين الفلسطينيين المقيمين بالداخل من صندوق الدعم الإسرائيلي، يقول خليفي “نحن في ثقافتنا يجب أن يكون موقفنا مع القبيلة مهما كان شكل تلك القبيلة ليبرالية أو رأسمالية أو اشتراكية أو حتى قومية، أنا طبعا ضد هذا الأمر، رغم أنني أحترم بشدة الفرد، حتى العدو بالنهاية هو إنسان بإنسانيته، أنا ضد النظام الفكري أو الأيديولوجي أو النظام الاقتصادي والمالي الذي يدير العالم والمجتمع، ولكننا عادة ما نخلط بين تلك الأشياء.

وأستطيع أن أفهم وجود إنسان ضمن دوامة السياسة الإسرائيلية بالمعنى العام، وأنه موجود في مرحلة يريد أن ينجز فيها أعماله السينمائية، ولكنه غير قادر، وأن السينما في بعض الأحيان تتطلب وجود المال، لكن بتصوري يمكن إنجاز فيلم سينمائي بميزانية صغيرة، في حال لم يكن لدى المخرج الطموح في صنع فيلم هوليوودي، يقلد فيه السينما الأوروبية، فيكتفي بالكاميرا والصوت كأداتين، دون مرجعية للسينما المكلفة وإنما السينما في مراحلها الأولى، ولكني بطبيعة الحال آخذ بعين الاعتبار وجود المخرجين في أنظمة تجبرهم على أخذ مواقف من هذا النوع، وتشعرهم أن لديهم الحق في أخذ التمويل”.

يتابع ضيفنا “أعرف أن هناك وجهات نظر أخرى ترى أن العدو قد استولى على الوطن بأكمله، فلماذا سأدقق في تلك النقطة، الحل برأي هو رفع مستوى الصراع، ومحاولة إيجاد أو إنشاء صندوق خاص بنا نحن الفلسطينيين، الذين نسدد الضرائب، دون أن يفرض علينا أحد أيديولوجيته، أو أن نقوم بفك الارتباط مع الكيان الصهيوني ونسدد الضرائب لصندوق وطني فلسطيني، شخصيا أراه موقفا أخلاقيا، أفضل عدم القيام بفيلم سينمائي في حال كنت مضطرا إلى ذلك الدعم، وموقفي هذا يشبه موقفي من مسابقة الأوسكار، التي تجبر كل المخرجين على الاهتمام بها، بينما أنا لا أعترف بمؤسسة الأوسكار رغم وجودها فعليا وربما أهميتها، وأعرف جيدا أيضا أن الدول العظمى منذ بداية السينما وهي تفرض السينما كسلاح مهم في داخل بنيتها.

وهوليوود بالتالي سلاح في يدي المؤسسة الأميركية، وأنا منذ البداية أناضل ضدهم، فكيف لي اليوم أن أرشح فيلمي لهم، هذا الأمر لا يهمني رغم أن المجتمع الأميركي بشكل عام رائع، ولدي العديد من الأصدقاء هناك، ولكني أفضل الابتعاد عن تلك المؤسسة (الأوسكار) الرجعية والعنيفة خصوصا تجاه المجتمع العربي”.

المهرجانات والآفاق

عن رأيه في المهرجانات وهل يمكن أن تقدم شيئا للفنان المبدع، يقول ميشيل خليفي “أنا لا أفكر بتلك الطريقة وخاصة في المرحلة الزمنية التي نعيشها الآن، والتي تفرض علينا بعض الأشياء، على سبيل المثال التكنولوجيا وتطورها في خدمة الفيلم السينمائي، أجازت ما يمكن تسميته اليوم بالديمقراطية، أي أنه بإمكان أي شخص أن يصنع فيلما، وهذا يعتبر جزءا من ‘البارادوكس‘ الذي تفرزه الثقافة، المهرجان شيء جيد بالنسبة إلى الشباب، وأنا أحيانا أخجل وأرفض وأعتذر عن الحضور للمهرجانات على اعتباري عشت تلك المراحل واكتفيت وأريد أن أتيح مجالا للشباب”.

ويستدرك ميشيل خليفي أن هناك مهرجانات جديدة مهتمة بالسينما المختلفة كمهرجان مرتيل في المغرب للسينما الوثائقية لأميركا اللاتينية وإسبانيا، وهو من المهرجانات التي قام بدعمها منذ دورته الأولى لأنه أعجبه، وعنده كل الاستعداد ليكون معهم حتى اليوم، لأنه مؤمن بالتنوع في نوعية الأفلام التي نراها، بدل الأنماط التقليدية التي نتابعها، ويرى فيها مهرجانا يمكن الاستفادة والتعلم منه، لافتا إلى أنه يكره السجادة الحمراء والملابس الرسمية التي ترافق المهرجانات، وأحيانا يجد بعض الطلبة عنده في الجامعة يتحدثون عن السجادة الحمراء في مهرجان كان، منذ اليوم الأول للسنة الدراسية لكنه يخبرهم بأن رؤية الآفاق لا تعني الوصول فورا إليها إذ هناك في رأيه دائما آفاق جديدة.

كما لا يخفي خليفي إعجابه بالمهرجانات التي تحمل جوائزها مبالغ نقدية هامة، ويراهن عليها، وخصوصا في ظل إنتاجاتنا العربية الصغيرة، لأن تلك الجوائز من الممكن أن ترد جزءا من ديون ونقفات الفيلم.

وحاليا يحضر ميشيل خليفي لفيلمه الروائي الطويل والذي يدور حول بعض الهواجس التي تتملك الكاتب المخرج من منطلق أو وجهة نظر أوروبية، وفي أغلبها هواجس نسائية، تحكي عن ممثلة في مرحلة الستينات لديها أربعة أولاد من أربع زيجات مختلفة، وكيف تتعايش معهم، وابنتها التي في عمر الثلاثين التي تعمل في أطباء بلا حدود.

هذا وقد عرض المهرجان للمخرج مجموعة من أفلامه الهامة في إطار التكريم وأقام له ندوة مع ضيوف المهرجان.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى