(الدلالة والمعنى).. إضاءات في عالم علي المسعودي الأدبي

صدر عن (دار روزا) وشارك فيه أكثر من 20 ناقدًا وأكاديميًا وإعلاميًا

الدوحة-الجسرة
أكثر من عشرين اسمًا لامعًا في سماوات الأدب والإعلام اجتمعوا في كتاب صدر أخيرًا عن دار روزا للنشر في دولة قطر تحت عنوان (الدلالة والمعنى، تقنيات الكتابة في نتاجات علي المسعودي الأدبية)، عقدوا خلاله مقاربات عديدة في العوالم القصصية والشعرية والبحثية والإعلامية للكاتب علي المسعودي عبر نحو عشرين كتابًا من مؤلفاته، فرسموا لوحة عكست أبرز مرتكزات تجربته الكتابية، وأضاءوا العديد من الزوايا الفنية والفكرية التي استقطبت اهتماماته.
وقد تنوعت مساهمات المشاركين في الكتاب بين دراسة نقدية، ومقال صحفي، وحوار، وتوزعت على أغلب مؤلفات الكاتب المسعودي. ففي مجال الدراسات، تناولت القاصة والروائية والناقدة فاطمة العلي المجموعة القصصية (جلسة تصوير)، فقاربت اشتغاله على تقنيات النصوص الموازية كالعنوان والخاتمة، مثلما تناولت اللغة الشاعرية والوصف والاختزال وغيرها. وحين تساءلت عن الجديد الذي يقدمه المسعودي في هذه المجموعة، جاءت الإجابة “كاشفة عن ذلك النسق الفكري والمكون الإبداعي المفعم بتجربة الحياة، والمغزول بهمومها، والذي يدور في فلك الأسئلة التي بلا جواب. المسعودي كاتب وقاص محترف بجدارة في فن القصة القصيرة التي تحمل طعم ولون ونفس الحياة.. بل هي قصص تتنفس الحياة، تخترق الكوامن الحياتية لدى البشر بمعرفة إنسانية تأملية.. وتستهدف الكشف عن الحقيقة الغائبة في تلك الكوامن الحياتية؛ وتنشد تفسير ما يلتبس علينا تفسيره”.


أما الشاعرة سعدية مفرح فوقفت عند المجموعة القصصية (تقاطيع)، فكشفت أن المسعودي: “في قصصه القلقة، سريعة القراءة وبطيئة المفعول، ينفتح على عوالمه الداخلية بأمانة وصدق، كمن يحاول أن يقلب أمامنا كتلته الجسدية بالكامل، فيصير داخله هو الخارج. ويصير خارجه هو الداخل. وهو لا يجهد نفسه كثيرا في البحث عن تيمات أو موضوعات لقصصه القصيرة.. إنه فقط يسترجع ويتذكر ويكتب النتيجة مفترضًا ذكاء إضافيًا في قارئه، حتى يكون دائمًا معه في استرجاعه وتذكره وطريقته في الكتابة.
وتضيف مفرح: “سر صغير يتمترس وراءه المؤلف، ليس بصفته القاص أو المنتج لهذه القصص وحسب، ولكن أيضا بصفته – كراو هذه المرة – الشخصية المحورية في كل القصص. فهو البطل الأوحد، وهو الموضوع الرئيسي، في حين يتحول الآخرون إلى مجرد شخصيات هامشية تساعد على اتضاح وبيان نمو الشخصية الرئيسية، ولكنها لا تشارك في بنائها أو نموها أو حتى تفعيلها في خضم الأحداث التي غالبا ما تكون استرجاعية نفسية، تتكئ على عوالم طفوليه بعيدة من دون الاهتمام بكشف أسرارها للقارئ الراهن”.
إلى ذلك، كتب الروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل عن ثلاث مجموعات قصصية للمسعودي هي (مملكة الشمس) و(ر.. رجوع) و(تقاطيع)، وقال: ” في قصصه المبكّرة من مجموعة  (مملكة الشمس) والتي لا تخلو من هنّات محدودة تسم نتاجات الكاتب المبتدئ عادة، يفصح علي المسعودي – ولو تلميحاً-  عن مشروع قاص سيصرف جانباً أساسياً من جهده الإبداعي بالاشتغال على اللغة بما تختزنه من إمكانات بلاغية تقرّبها للشعرية، لكي يختطّ لنفسه نهجاً يتصل بما جرى التعارف عليه نقدياً: الكتابة عبر النوعية”.
وأضاف: “في مجموعته القصصية (تقاطيع) يحقق علي المسعودي نقلة نوعيّة فاقت سابقتها، في أسلوبه السردي على وجه الخصوص، بإمكاننا تحديد ملامحها الأساسية حسب حضورها عبر نصوصه المعنيّة”. وعندما يحدد الملامح بالاقتصاد اللغوي، وعمق الدلالة، والبحث في العوالم الداخلية، يقول عن الدلالة: “تعدد الدلالات التي يبوح بها النص مع القراءة الأولى، وإمكانية تنوّعها أكثر مع القراءة الثانية، ومن ثم الثالثة.. مما يحيلنا إلى كيفٍ معرفي ذي عمق تأويلي غير منغلق على نفسه، يمنح المتلقي فرصة المشاركة بالكتابة مرّة وأخرى لدى معاودة القراءة”.
بدورها، ترى الشاعرة والأكاديمية نجمة إدريس أن مجموعة (تقاطيع): ” كتاباً يثيرُ التساؤلَ والجدل، ويلفتُ الانتباه باختلافهِ، وخروجهِ عن التقليديةِ والمشابهة، وبحثهِ عن شكلٍ ومضمون يأخذ أحدهما بخناقِ الآخر، يشاكسُهُ ويغويه ويراودهُ عن نفسه!”
وتقول عن خصائص هذه المجموعة إن المسعودي يعيد فيها “فن القصة إلى رحاب الذاتية حيناً والخصوصية الإنسانية حيناً آخر، متفيئاً به ظلال الشعر، ليس بتعريفه العروضي، وإنما بملامسته لتهويمات الإنسان وذهوله ولحظات كشفه. إنه لا يحتفي بجماليات الأسلوب، وغوايات الصياغة، بقدر احتفائه بنبض التجربة العارية المباغتة، يقتنصها من مواد أولية: مواقف، لمحات، مشاهد، هواجس، يشخصُ في تراكمها، يقص زوائدها وذيولَها ثم يخلق منها كائناته الجديدة. إنها كتابة تختار ملامحها وتخلقُ إيقاعها الخاص، أو ربما يتأتيان لها طوعاً حين التجرؤ على تجاوز المألوف والمكرر من أنماط الكتابة”.
وعن مجموعة المقالات التي احتواها كتابه (شغب)، تقول زهرة الجلاصي: ” أن ما اقترحه علينا علي المسعودي في هذا المؤلف، ليس مقالات كما أوهمنا ، بل نصوص إبداعية أعلنت عصيانها للتصنيف، تتنازعها انتماءات شتّى: الشعر والخاطرة واللوحة الفنية والقصة القصيرة والحوارية وأوراق من يوميات وسيرة ذاتية وغيرية”.
والتقط عبدالكريم المقداد الملمح الأبرز في مجموعة المسعودي القصصية (ر.. رجوع) وهو التمحور حول العالم الداخلي للشخوص، ” ذلك أن القاص لا ينفك ينتدب رواته لملاحقة لاوعي شخوصه وتسجيل أشرطة ذاكرتهم ورصد همومهم وأحلامهم، مستخدماً لذلك _في أغلب الأحيان_ راوٍ متجانس مع مسروده أو رواة كلّيّو العلم لا يعجزهم نبش ماضي الشخصية أو قراءة ما يجول في لا وعيها”. بينما يرصد نزار العاني النزعة الشعرية في المجموعة ذاتها، فيقول: ” يبدو القاص شاعراً ضالاّ وقع مصادفة من فوق «سنام» الشعر، فتلقفه «ظهر» غزالة تركض لاهثة في سهوب القصة القصيرة، ومن ضرعها «الكافكوي» شربت نصوص علي المسعودي حليبها الطازج!”.
من جهته، يرصد حسن حامد الأسلوب الحداثي في مجموعة (جلسة تصوير)، فيقول: ” كلي يقين بأن المسعودي نجح في أن يتجاوز ظواهر النص السردي المختزل، أو القصة القصيرة الحديثة، ليجعلنا أمام تقنيات قصصية تمثل في ذاتها مجموع ما يصدره النص الروائي الجديد، من أحاسيس ومشاعر ورؤى تعصف بنا وتؤجج حيويتنا وتوسع نظرتنا للعالم من حولنا، بل ويضعنا أمام نص قصصي يتمثل تقنيات الرواية الجديدة وهي تفجر داخلنا المشاعر المعجونة بالدهشة والرعشة والرغبة والقدرة على رؤية الجمال فيما يُحكى، والقدرة على رؤية انتصار الحياة في أحلك لحظات صرخات الموت”.
وعن كتاب (مذكرات طالب حُلم)، رأى الناقد العراقي عذاب الركابي أن علي المسعودي “يكتبُ ذاته.. يُؤرّخ لحياته، وهو ساردٌ من طراز رفيع.. كتابة بوعي، ومسؤولية مرعبة، خليط بديع من الشعر والنثر الفني الرفيع، المتماهي بتقنية القصة القصيرة والرواية والنقد والذكريات والتداعيات، من دون أنْ يهدرَ جمال ورقّة التعبير”.
وتضمن الكتاب رؤى أخرى لعدد من الكتّاب تمحورت حول نتاجات علي المسعودي المختلفة، ومن الكتاب الذين شاركوا في تقديم هذه الرؤى نذكر عالية شعيب، وأحمد الدوسري، ويوسف القعيد، وكريم الهزاع، وصباح السويفان، وعلي الصافي، ومحمد ياسين صالح، ومحمد الوشيحي، ومحمد حنفي وغيرهم.
جدير بالذكر أن المسعودي اصدر سابقاً من خلال دار رزوا ، كتابه ديوان العرب، ومجموعته القصصية (حداء الصفيح).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى