الروائي زياد قاسم 1945 – 2007 / محمد الزعبي

 

 

الجسرة الثقافية الإلكترونية –خاص- 

 

هو شاهد حي على قدرة الفرد على الإبداع بعد الأربعين، فمن المعتقدات السائدة أن هذا السن هو بوابة الشيخوخة بينما هو حقيقة سن اكتمال النضج لدى الرجال، ربما لم تدر هذه الفكرة بباله وهو يلج عالم الكتابة في هذه السن المتأخرة، فقط أطلق العنان لروحه كي تنتقي الكلمات والحروف دون أي اكثراث بالعمر السائر إلى نهايته.

ورغم تلك المسيرة الروائية القصيرة نسبيا مع تجارب الكثير من الروائيين إلا أن زياد استطاع كتابة آلاف الصفحات الروائية المتميزة التي تناولت قضايا على اتصال مباشر بكل بلاد الشام وليس الأردن فقط، رغم أن تلك المسيرة لا تشي بولادة كاتب سيترك بصمة واضحة في الأدب الأردني، فأولى كتابات زيدا كانت نصاً سرديا حمل عنوان “المدير العام” أفرغ فيه ما جال بخاطره عن مدير متسلط ربما لم يستطع مواجهته في الواقع، فلجأ للكتابة عنه، ذلك النص السردي وجد صدى لدى من قرأه مما شكل دافعا لزياد قاسم في الاستمرار.

في 1990 صدرت روايته “أبناء القلعة” وبلغت قمتها في “الزوبعة” ومعهما عدد من الروايات “الوريث، العرين، الخاسرون” ليغدو زياد أحد أهم الأقلام العربية في كتابة الرواية التاريخية.  

أبناء القلعة رغم المخاض العسير الذي رافق عملية إصدارها كانت النقطة التي يمكن من خلالها اعتبار زياد قاسم روائيا، فقد أصدر هذه الرواية على نفقته الشخصية وبسبب الإقبال عليها صدرت لاحقا بطبعات مختلفة، لتشير لكاتب من نوع مختلف عما هو سائد، إذ نجد فيها رصداً لحي شعبي من أحياء العاصمة عمان وما يجري لهذا الحي من تغيرات اجتماعية بسبب أحداث متلاحقة يشهدها الحي، مسلطة الضوء على تبعات الهجرة الفلسطينية وتأثيرات المهاجرين على بنية المجتمع الأردني بطريقة فنية جعلت الناقد عبدالرحمن ياغي يصفها بأنها “تعيد تشكيل التاريخ الاجتماعي تشكيلاً فنياً يرى فيه القارئ متعته. إنها رواية الجذور بإضاءات وإشارات لتركيب مجتمع القلعة وأبنائه”.

بشّرت أبناء القلعة بكاتب روائي من طراز جديد، نال على إثرها تفرغا للكتابة من أمانة عمان الكبرى فكانت”الزوبعة” التي حاولت تجسيد أفكار الحزب السوري القومي الاجتماعي تجسيداً روائياً، بشخصيات وحوادث، بعضها واقعي – تاريخي، كما الحال بالنسبة إلى شخصية زعيم الحزب نفسه أنطون سعادة، وبالنسبة إلى المجازر التي ارتكبت بحق المسيحيين في خمسينات أو ستينات القرن التاسع عشر في لبنان، وبعضها الآخر، بل معظمها، متخيل يخدم الفكرة الأساسية للرواية، مما جعلنا أمام كاتب يوفر لمادته الروائية ما يلزم من التاريخ ومن الخيال. 

بريق الشهرة لم يغير من زياد قاسم الإنسان بل بقي هو نفسه، عنيدا شرسا واضحا بالمطلق، يسهر حتى الفجر بالمزاح والفكاهة والطرب، حتى جاءت ساعة الموت في حزيران 2007.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى