انتفاء المجلات الأدبية ساهم في تكريس عزلة النص عن المتابعة

الجسرة الثقافية الالكترونية

المهدي مستقيم

9dlBsUSdtuCo5htwEWwCimlA5S1HaSيرى الناقد والروائي المغربي صدوق نور الدين، أن حال النقد مرتبط بوضع الثقافة العربية ودورها التنويري، مشيرا إلى أن الغزارة في الإنتاج وفي الكتابة الإبداعية يحول دون ترسيخ متابعة نقدية دائمة. كما يشيد في هذا الحوار مع «القدس العربي» بالرواية المغربية التي فرضت حضورها بقوة.

■ كيف تقيّم حال النقد راهناً قياساً في مشهد الثقافة العربية ككل؟

□ الثقافة العربية وفي سياق الظروف الحالية تعاني من عدة تراجعات، سواء من حيث الوظائف والمهام التي أنيطت بها في مرحلة من مراحل التاريخ العربي، وذلك بتبني التوجهات العقلانية التنويرية الرامية إلى التغيير في العقليات، وبالتالي إحلال الحداثة بقيمها المجددة والتجديدية، ضدا من التقليد وطقوسه التي تزكي قيم التخلف، فإن النقد على السواء يعاني من وضعية ثابتة وفق ما يتمثل في تراجع الدور الذي كان يقوم به المثقف في مرحلة من المراحل، فلم يعد الناقد اليوم متابعا لمجمل الإصدارات على تنوعها واختلافها، مثلما أنه لم يعد يساير وضعية الثقافة العربية وتحولاتها. وكأن الأمر يتعلق بشبه يأس من دعوات التغيير نحو ما يخدم الثقافة الوطنية، عبر مختلف مراحلها ومحطاتها. ومن ثم، يبدو وكأن الإبداع متقدم جدا عن وضعية النقد الأدبي عموما، وإن كانت الجهود في عمقها تظل فردية وليست جماعية. وبذلك فوضعية النقد جزء لا يتجزأ من وضعية الثقافة العربية كما سلف.

■ هل يعاني النقد العربي اليوم من أزمة على مستوى المنهج؟

□ من الصعب القول وعلى مستوى الراهن، بأن النقد العربي يعاني من غياب منهج ما. ذلك أن شخص الناقد حينما يتعامل مع نص أدبي من النصوص، فإن الأخير هو ما يملي عليه منهجه، وطريقة تحليله. علماً بأن المناهج النقدية اختلفت باختلاف الظروف وأيضا التحولات التي عرفتها الحركة الفكرية في العالم. وهنا يمكن القول بأن الأدب المغربي الحديث واكب تحولات هذه المناهج، وإن كان تغليب النظر قد تم على حساب التطبيق، على أن ما قوى وعضد مسار الترجمات المواكبة لهذه التحولات من النقد التاريخي والاجتماعي إلى البنيوية التكوينية، وصولا إلى السيميائيات ككل. إلا أن الظروف الراهنة وما يطبعها من تراجع جعلت التفكير في النقد، وفي المنهج عموما، يقتضي طرح بدائل لإرساء مسار جديد يمكن من خلاله مقاربة النصوص وكبرى القضايا التي في غيابها لا يمكن الخروج من دائرة التخلف.

■ أين تتجلى وظيفة النقد بمعناه المنتج، أي باعتباره ممارسة فكرية تحليلية كشفية استنطاقية؟

□ يمكن القول بأن للنقد أكثر من وظيفة، منها، تحليل النصوص الأدبية ومتابعتها، وبالتالي مقارنة سياقات إنتاجها. كذلك، تقريب النص من المتلقي، حتى يتعرف على آليات إنتاجه، والمعاني التي تم التعبير عنها. أما الوظيفة الثالثة فتنويرية غايتها ترسيخ قيم العقل والتحديث ضدا على ما يسود المجتمع العربي من أفكار ظلامية أصبحت اليوم تشكل قواعد تحلل وتمنع وتحرم.

■ يشكو الروائيون والشعراء العرب بشكل دائم من عدم مواكبة النقاد لإبداعاتهم. ما هو تعليقك؟

□ في الواقع إن هذه الشكوى تبدو موضوعية، إلا أن ما يعرفه الواقع الثقافي والأدبي من تحولات، سواء على مستوى تعدد دور النشر وما يترتب من فيض في الإصدارات وفي أجناس مختلفة، يصعب معه ضبط متابعة جد دقيقة لهذه الإصدارات. فإذا أخذنا على سبيل المثال الروائي سليم بركات فهو يجمع بين الكتابة الشعرية والروائية. وفي هذه الحالة فإن متابعته وبالتالي رصد مقارنة بين التجربتين المتكاملتين والمتناغمتين يصعب أحيانا، مادام كل نص من النصوص يقتضي فهما وتأويلا، وبالتالي مقارنة والسابق من الأعمال، سواء الشعرية أو الروائية. المثال نفسه يمكن تطبيقه على روائي مغربي هو محمد عز الدين التازي، ومن ثم فإن الغزارة في الإنتاج وفي الكتابة الإبداعية تحول دون ترسيخ متابعة دائمة، ويمكن أن نضيف إلى هذا الجانب انتفاء المجلات الأدبية التي لعبت دورا رياديا في مرحلة من مراحل الثقافة العربية، ويكفي التمثيل بمجلة «الآداب»، «مواقف»، «الطريق»، «الكرمل»، «الحرية»، «أقلام»، «آفاق عربية»، وغيرها من المجلات. هذا الغياب في الواقع كرس عزلة النص عن المتابعة. علماً بأن الصورة اليوم لها بلاغة تأثيرها على متابعة المكتوب.

■ إلى أي حد ساهم النقد العربي في التغيير الذي شهدته الرواية العربية من حيت البنية والشكل؟

□ أعتقد أن المبدع، سواء أكان روائيا أو شاعرا، فإنه يعد أول ناقد لعمله، لأنه عند الإنجاز يعمل على التقديم والتأخير والحذف، وهي خواص بلاغية أسلوبية لا يتم تمثلها إلا مع استحضار وعي الكتابة، وبالتالي وعي النقد الأدبي لهذه الكتابة. ومن ثم يصعب القول بأن النقد ساهم بطريقة أو بأخرى في التأثير على الرواية العربية، إلا أن مرجعيات الروائي أو المبدع عموما متمثلة في قراءاته هو ما يجعله يتأثر سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بأعمال تتصادى في وعيه وتنكتب كتأثيرات يمكن الاهتداء إليها، أو أن ذلك يبدو صعبا. على أن هذا لا يعني أن الإبداع يظل في خصام مع النقد. فالأول ضروري للثاني والعكس صحيح. ومن هذا الجانب، أرى أن النص يعد المنطلق، بينما النقد يمثل الخطوة الثانية، إلا أن الاسراف في التنظير بدون التطبيق يخل بعلاقة الأدب والنقد.

■ تهتم بالرواية المغربية المعاصرة خصوصا بعد أن أفردت لها جزءا مهما من دراساتك النقدية. فما الوضعية التي توجد عليها؟

□ أول ما يثير بخصوص وضعية الرواية المغربية أو في المغرب، من منطلق كون هذه الرواية تمثل جزءا له دلالته داخل خريطة الأدب العربي عموما، كون الشرق الذي كان يعتبر في مرحلة من المراحل المغرب، خير ممثل للنقد الأدبي كتابة وترجمة بدون الإبداع والإسهام في إنجازه، قد بدأ يراجع أوراقه الآن في ما يتعلق بالإبداع، خاصة في مجال الكتابة الروائية. وهو دليل تكامل على مستوى الكتابتين النقدية والإبداعية، وإن كانت بعض التصورات الغربية تعتبر أن الكتابة النقدية إبداع أيضا.

كذلك فإن جيل التأسيس الروائي في المغرب لم تتوقف عن الكتابة منذ نهاية الستينيات وإلى اليوم، ما يدل على توسيع منجزها على مستوى الكتابة الروائية، وبالتالي مواكبتها الزمن الإبداعي الذي يغاير المنطلقات الأولى ويختلف عنها. ويمكن القول بأن المرحلة الحالية، تعكس صورة جد دقيقة على مستوى الكتابة الروائية في المغرب، حيث استطاعت مجموعة من الأقلام الشابة وغيرها ترسيخ قدم الكتابة والإبداع الروائيين. ولعل ما قوى هذا المنجز وفرة الجوائز المكرسة للإبداع الروائي.

■ ما موقع الرواية المغربية على خريطة الرواية العربية؟

□ الرواية المغربية فرضت بقوة حضورها، هذا الحضور يلزم ضرورة إعادة قراءة المتن الروائي في المغرب، خاصة أن بعض القراءات صيغت لطبيعة المرحلة وفق رؤية أيديولوجية محضة، فاعتبرت الكثير من النصوص الأشبه بالبيانات السياسية والتقارير، روايات بينما هي ليست كذلك.

ولابد من ضرورة الاعتراف بأن هناك جيلا جديدا من الكتاب والمبدعين غدا يمثل نقلة وتحولا على مستوى الكتابة الروائية في المغرب، وهو ما يستلزم إعارته الاهتمام الأدبي والنقدي.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى