الكويتي أحمد بن جوفان العجمي يصعد إلى المرحلة الثالثة في ‘شاعر المليون’

الجسرة الثقافية الالكترونية

ليلة أمس الثلاثاء وللأسبوع السابع على التوالي تابع برنامج “شاعر المليون” رسالته في بث جميل الشعر النبطي الذي يلقيه شعراء شباب من مختلف الدول الناطقة بالضاد على خشبة مسرح شاطئ الراحة في العاصمة أبوظبي، التي تشهد موسماً سابعاً من البرنامج الذي حاز على متابعة ملايين المشاهدين من محبي هذا الشعر، والبرنامج من تنفيذ وإنتاج لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي

انتهت المرحلة الأولى مع بداية الحلقة السابعة، حيث كان ثالث الشعراء المتأهلين الشاعر فايز سعد الزناتي بـ78% من مجموع درجات التحكيم وتصويت الجمهور، ليُتِّم بذلك النخبة المكونة من أربعة وعشرين شاعراً، سيتنافسون على مدار حلقات أربع، بينهم شاعرة واحدة هي زينب البلوشي من الإمارات.

أمس كان ستة شعراء على موعد جديد مع لجنة التحكيم، وجمهور مسرح شاطئ الراحة، والمتابعين عبر قناتي أبوظبي الأولى وبينونة في العاشرة مساءً تماماً. وقد جمعت الليلة الماضية بين بدر الكبيح من الكويت، وبلال ماضي من الأردن، وخزام السْهَلي، ومسلط بن سعيدان المسعودي من السعودية، وطلال الشامسي من سلطنة عمان، وأحمد بن جوفان العجمي من الكويت، وكلٌّ قدم ما لديه من الشعر والصور والمغزى والمحسنات، لكن النتيجة كانت لصالح بن جوفان، فأعلن المقدم حسين العامري نبأ تأهله بـ46 درجة إلى المرحلة الثالثة من المسابقة بحضور والده بين جمهور المسرح.

لجنة التحكيم قدمتها مريم مبارك التي رحبت بالكاتب الأستاذ سلطان العميمي – مدير أكاديمية الشعر، والكاتب والباحث د. غسان الحسن، والشاعر الأستاذ حمد السعيد، وهم الذين أعلنوا الأسبوع الماضي عن معايير المرحلة الثانية من المسابقة، فمن أصل ستة شعراء سيتنافسون على مدار أربع حلقات ستؤهل اللجنة شاعراً واحداً بقرارها نهاية كل حلقة، فيما سيقرر الجمهور مصير شاعرين آخرين يتم الإعلان عنهما بداية الحلقة التي تليها.

وبانتهاء الحلقات الأربع يكون عدد المتأهلين قد وصل إلى اثني عشر شاعراً، بالإضافة إلى ثلاثة شعراء لم يتأهلوا، لكن اللجنة ستمنحهم بطاقاتها الذهبية، لأنها ترى أحقية لهم بالاستمرار في المسابقة، ليصبح العدد الكلي الذي ينتقل إلى المرحلة الثالثة خمسة عشر شاعراً.

وخلال التنافس في المرحلة الثانية على كل شاعر من الشعراء الـ24 إلقاء قصيدة حرة الوزن والقافية، يتراوح عدد أبياتها بين عشرة أبيات واثني عشر بيتاً، على ألا تتناول القصائد موضوع مسابقة “شاعر المليون” كما أعُلن في الحلقة الماضية، بالإضافة إلى المعيار الثاني الذي أعلنه العميمي الليلة الماضية، والذي يتمثل بأربعة أبيات للشاعر نمر بن عدوان وزناً وقافية وعدداً وموضوعاً.

المرحلة الجديدة للشعراء – كما أشار حمد السعيد – تتطلب من الشعراء مجاراة الأبيات، واستثمار الوقت الممنوح لهم بالمجاراة، وإتقان الكتابة وفق أجواء النص، أما بالنسبة لقصيدة المسابقة فقد أشار إلى أن طلب اللجنة اختصارها إلى 12 بيتاً كأقصى حد؛ إنما كان لوضع الوقت في عين الاعتبار، وهذا الإجراء يتطلب من الشعراء اختزال القصيدة، وبالتالي لا يقل المعيار الثاني أهمية عن المعيار الأول.

د. غسان الحسن قال إن نصف عدد الشعراء هو الذي سيستمر في المسابقة، أما المغادرين فهم الأقل حظاً وليس شاعرية. وبالنسبة لمجاراة الأبيات فعلى كل متبارٍ الكتابة مع التركيز على نقطتين، أولهما أن يكون شاعراً، والثانية أن يضع ذاته موضع المتلقي كي يشعر بوقع النص عليه، وذلك من أجل إبداع نص سليم.

أبيات المجاراة ألقاها العميمي، وهي للشاعر الأردني نمر بن عدوان، قالها في زوجه وضحة المتوفاة، وطلبت اللجنة من الشعراء مجاراة الأبيات:

قلبي نفر عن عذل من جاه ينهاه ** ولا طاع نصاحٍ ولا هو بناوي

يرجى جبينٍ ما يزال ايتمناه ** ما فاد به كثر التعب والهداوي

على حبيبٍ راح ما بــــه مراواه ** وخلانِ بالدنيا وحيدٍ خلاوي

يا قلب ما والله تهنى بلا ماه ** إضرب على ما كنت يا قلب ناوي

قبل أن يلقي الشعراء ما أبدعوه قدم البرنامج تقريراً حول مفردة (الكلمة)، أي معناها بالنسبة لكل شاعر، وموقعها، وأثرها، ومواقف حياتية وسياسية مرتبطة لديهم بكلمة، وكلمات وجهها الشعراء لشخصيات يحبونها.

عقب التقرير، تم تقديم ريبورتاج عن الشاعر نمر بن عدوان، شارك فيه حفيده عليان العدوان، وتحدث فيه عن جده. أين ولد، وأين تلقى علومه، وأين استقر به المقام، كما تحدث عن مدى حبه لوضحة، وختم باصطحاب الكاميرا إلى موقع قبر نمر.

• بن جوفان.. متوهج ومتميز

بداية الأمسية كانت مع نجمها أحمد بن جوفان العجمي الذي مكنه من التأهل، فالنص جميل كما قال سلطان العميمي، وفيه تناول الشاعر عيباً وخصلة وخلقاً سائداً في المجتمع وهو الزيف الذي يتبرأ منه، والنص معنوي في عمومه، وجاء فيه:

أدور بعين الحرف عن مخرج من الياس ** هقاوي بترها غدر الايام بسيوفه

تحت جنح ليلٍ وحشته تحبس الأنفاس ** سريت الطريق اللي تقديني حروفه

يا زيف الملامح ليه تخفي وجيه الناس ** وهي في عيون الحق ما هي ب مألوفه

غموض المشاعر يشعل الشك والوسواس ** تخالف ظنون البال والحيرة تحوفه

تبجّاح زلات الخطاوي بلا مقياس ** ولا ف المواقف موقفٍ تِعذر ظروفه

العميمي أشار إلى انتقاد الشاعر خصلة الزيف، وهو ما تمثل في مفردات عدة مثل: (الياس، زيف الملامح، غموض، الإفلاس). كما أشاد الناقد بالبيت الأول (أدور بعين الحرف عن مخرج من الياس/ هقاوي بترها غدر الايام بسيوفه) واعتبر أن التصوير الشعري فيه جاء رائعاً، وكذلك البيت (تحت جنح ليلٍ وحشته تحبس الأنفاس/ سريت الطريق اللي تقديني حروفه)، لتسير القصيدة بعد ذلك على ما يرفضه الشاعر وينأى بنفسه عنه، ووفق النهج الصحيح، وفي البيت (أنا يوم ألبس زاهيات الظنون لباس/ خذت من بياض الفجر ووصوفه وصوفه) نلحظ موقفاً إيجابياً، يتبعه البيت (تفاءلت ف الباقي من الصفوة الجلّاس/ يفوح الأمل ودلال الأحلام مصفوفه)، وهو موقف له وجهان، وقد جاء النص متوهجاً في ختامه، ذلك النص الذي لم يخلُ من الإرهاصات التي يود من خلالها الشاعر إحداث التغيير في المجتمع، وهو ما تمثل في البيت (إذا العفو عند المقدره من طناخة راس/ عفيت ونواياي المغاتير مخلوفه)، لكن الشاعر لم يكن واثقاً من ذلك على الرغم ومن وجود محاولات تمثلت في البيت موجودة (يضيع الشعور إلّي بصدرٍ يفيض إحساس/ مثل راعي المعروف لا ضاع معروفه) القصيدة مليئة بالشعر والتصوير والكنايات.

د. غسان الحسن أكد على جمال القصيدة بموضوعها الذاتي، وبدايتها التي كانت تعبيراً عن الهم، ونهايتها التي أسعدته، فالتعامل مع المجتمع والأفراد يفرز مواقف تم التعبير عنها من خلال الصورة الشعرية، وكان الشاعر موفقاً فيها إلى حد كبير، بما يملك من التحدي والأمل. مضيفاً الحسن أن القصيدة متميزة في الأبيات والصياغات، وكذلك في الجزئيات والصور التي عبرت عن موقف الشاعر، مشيراً إلى إتقان طرح الأبيات.

واعتبر الحسن أن البيت (تناهشني الواقع وأنا بالعمر عسّاس/ أشوف الخطأ وأصد ما ودّي أشوفه) يمثل موقفاً جميلاً في المعنى والموقف والصورة الشعرية، حيث أن الأخلاق التي تحدث عنها العجمي تشكل نزعة إنسانية وأخلاقية، وتعبر عن شخصية متزنة، مؤكداً الناقد أن الشاعر تفوق في نصه هذا على النص السابق في المرحلة الأولى.

حمد السعيد أعرب عن إعجابه بالبيت (إذا العفو عند المقدرة من طناخة راس/ عفيت ونواياي المغاتير مخلوفه) الذي يجسد مقولة العفو عند المقدرة، ويوظف المعنى بشكل رائع، فالعجمي شاعر لا يُمل من شعره. موضحاً أن أبيات الشاعر جاءت على طرق المنكوس، وهو طرق يناسب الموضوع، ولعل البيت (زيف الملامح ليه تخفي وجيه الناس/ وهي في عيون الحق ما هي ب مألوفه) يدل على تناول الموضوع بشكل مختلف وبأخلاق ورقي، إذ لم يعمد العجمي إلى تشويه صورة الناس رغم انتقاده فعلهم، كما كان متفائلاً من خلال البيت (عدا اللوم صدري يا هوى الرايح النسناس/ وعدا اللوم عزمٍ ما ثنى حمله كتوفه)، فيما جاء المسك في الختام (يضيع الشعور إلّي بصدرٍ يفيض إحساس/ مثل راعي المعروف لا ضاع معروفه).

• الكبيح.. أجواء شاعرية

ما فاز باللذات يا كود الجسور ** والحر يختار السمينة لا شهر

نظهر ولا نظهر سوى بطلق ظهور ** مثل الذي لا من ظهر كايد ظهر

محمد محمد على الطاله غيور ** كأن يعطيها من أفعاله مهر

لو البشر تكرم على طول الدهور ** الجود مركب ما يبي غيره بحر

تلك كانت أبيات المدخل التي ألقاها الشاعر بدر الكبيح، ليلقي بعدها قصيدة (أول الصبح) التي قال فيها:

يا أول الصبح زف النور من محجرك ** مليت جور الظلام وكذبتين الضباب

شاللي ربحته من أيامك عشان أخسرك؟ ** لا قادر أروي ظماي ولا بلغت السحاب

ما عشت غيمةْ حنانك كيف أعيش مْطرك؟ ** تذري بي الريح وغصوني كساها تراب

من سطوةْ الحلم لين أشتاقلك أسهرك ** كني محطات وطيوفك ذهاب وإياب

سلطان العميمي أشار إلى أن القصيدة عاطفية رمزية، استطاع الشاعر من خلالها التعبير عن موضوع الفراق، ومع أن الصورة لم تتطور في القصيدة كثيراً، وهو ما لاحظه من خلال استخدام الكبيح مفردات مثل (الظلام، الحلم، أسمرك…)، إلا أن التدفق الشعري بان جميلاً، والصور الشعرية جاءت متميزة (ما باقي إلا السواد اللي شبيه شعرك/ ليت السهر قبل يبحر بالجفن يستتاب)، لكن أكثر الأبيات التي لفتت العميمي لجمالها هو البيت (ما ثقّل الشوق غصنك لجل أطول ثْمرك/ خليني أول بشر يقدر يضم السراب)، وتحديداً الشطر الثاني، مواصلاً الشاعر مسيرة إبداعه كما قال حمد السعيد، فبرأيه أن النص جاء مختلفاً عن بقية النصوص التي تناولت ذات الموضوع، وأن الرمزية الجميلة والتفاؤل جسدّها البيت (يا أول الصبح زف النور من محجرك/ مليت جور الظلام وكذبتين الضباب) الذي فيه إشارة إلى المحبوب، إلى أن وصل بدر إلى الصورة الجميلة في البيت (كل ليل جابك أطش الملح له وأسمرك/ بالآه عتقت لك حزني نشيج وعتاب)، مؤكداً السعيد على جمال ما ألقاه الكبيح حتى البيت (ما ثقّل الشوق غصنك لجل أطول ثْمرك/ خليني اول بشر يقدر يضم السراب)، ومن ثم بيت الختام الذي انتهى بعبارة (يا أول الصبح) أيضاً.

والنص يستأهل الإطراء مثلما قال د. الحسن، فهو يأخذ المتلقي إلى أجواء شاعرية تجعله يشعر بما كتب العجمي. وبالنسبة لعبارة (يا أول الصبح) فإن تكرارها جعل الحسن يشعر أنها مجسم حي، والشاعر يرجو بوجوده انجلاء الظلمة. فيما أترعت بقية الأبيات بالتصوير، كما الحال بالنسبة للبيت (ما عشت غيمةْ حنانك كيف أعيش مْطرك؟/ تذري بي الريح وغصوني كساها تراب)، فبين الغيمة والمطر علاقة علمية منطقية، حولها الشاعر إلى صورة أوردها أسلوب شعري جميل، في حين جاء البيت (كل ليل جابك أطش الملح له وأسمرك/ بالآه عتقت لك حزني نشيج وعتاب) عالماً من التصوير، وفيه يمتد السامع أو القارئ طويلاً، فلكل كلمة ظلال.

وحين بدأ بدر بعبارة (يا أول الصبح) فقد كان يخاطب الوقت الذي يسهره الشاعر، ثم جاء بعبارة (شاللي ربحته) التي تدل على خطاب المحبوبة، وقد يلاحظ المرء وجود فجوة بين البيتين، إلا أن تلك الفجوة سرعان ما تتكشف، ليعرف المتلقي أنها الحالة النفسية للشاعر الذي يعيد عبارة (يا أول الصبح) في آخر بيت، والتي باتت شخصية ذات عواطف.

• الماضي.. برقية وطنية

بيتان شعريان كانا مدخل الشاعر بلال الماضي إلى المسرح، فقال فيهما:

جينا ولا يعرف بنا إلا هل الحي ** ولأوطاننا رحنا مشاهير وأعلام

عاش اللذي يحفظ مدام النفس حي ** ولا عاش من ينسى الجميله ورا أيام

ثم انتقل إلى نص المسابقة:

راس الفتن جا غريب وطل وحداني ** ما يشبه الشعب حتى يعيش في ظله

الإنسي اللي براسه فكر شيطاني ** يبشر نصوغ التكاتف سيف ونسلّه

عبدالله بعرس راشد مشهد أعطاني ** برقية إن الشعب راشد وعبدالله

شكري لاخوي.. ابن عمي. وكل جيراني ** ومحافظتنـا وشعـب المملكـه كلّـه

حمد السعيد أعجب بطرح الشاعر، وبما يقدمه دائماً، إذ له لونه الخاص منذ أيام جولة الترشّح للبرنامج والتي استضافتها العاصمة الأردنية عمان، وكذلك خلال مرحلة الـ48، حيث لديه بساطة في تركيب المفردات وصياغة الأبيات وبلاغة شعره واضحة، مشيراً إلى أن الأبيات الثلاثة بدءاً من الشطر (مشكور شعبٍ تداعى بحس جسماني)، وصولاً إلى الشطر (ما خوف في قلبي إلا خوفي من الله) دليل على أن ما يبدعه بلال سهلٌ ممتنع لا يتقنه إلا شاعر محترف، فشعره بعيد عن التعقيد والرمزية، بسيط المعنى والتركيب، جزل وبليغ، وهو ما يتوافر على سبيل المثال في بيت الختام (أخاف أقصّر بشكري شعبٍ أهداني/ وحدة وطن في زمان أوطان منحلّه)، أما العمق فبدا في البيت (مع قلة الحال ثروتنا غنى إنساني/ فقر وغنى المجتمع بالعز والذله).

الناقد د. غسان الحسن أكد أن بلال ملتصق بقضايا الوطن، ويناقش قضايا جمعية تهم البلاد، وهو الذي أبدع في البيت الأول (راس الفتن جا غريب وطل وحداني/ ما يشبه الشعب حتى يعيش في ظله)، حيث لكل مفردة فيه وظيفة، وتدل على حالة الرعب، والاختراق، وأن الغريب ليس من نسيج المجتمع ولا من أخلاق ذاك المجتمع ولا يندرج معه في ذلك التوجه، ليستكمل الشاعر الجمال في البيت التالي (الإنسي اللي براسه فكر شيطاني/ يبشر نصوغ التكاتف سيف ونسلّه)، بعدهما ذهب بلال إلى جزئيات لامسها فقط، وأضاف الحسن موجهاً كلامه للشاعر: ولو كنت مكانك لأبعدت تلك الجزئيات عن المباشرة، وخاصة مفردتَي الشوارع والكشك، حيث جاء توظيفهما سطحي، وإن كانا يدلان على السلام، كما كررت مفردة الشكر أربع مرات، وجاءت كلها مباشرة، والتكرار جعل النص يقترب من البرقية، وبالتالي لا يوجد توازن في مقدار الشاعرية بين المقدمة والنهاية.

حمد السعيد وجد أن تفاعل الشاعر مع النص وحضوره على المسرح متميز، وأن من عليه معرفة إبداع الشاعر عليه قراءة أول بيتين، فهما يوضحان قدرته على صياغة أجمل الأبيات.

• السهلي.. نص درامي

خزام سيف السهلي لم يكن أقل من سابقيه شاعرية، أو أداءً، أو إلقاءً، لنصه الذي تحدث فيه عن حلم طفل تحقق وأصبح جندياً، فقال:

صحا الصبح في بسمة طفل وابتدا المشوار ** لمجدٍ تحوف رياح الأقدار بيبانه

أخذ شنطته وأطلق جناح العزوم وطار ** إلى أول محطه تصنع العز لأوطانه

على درب مدرسته خطاه أنبتت أزهار ** شذاها يفرّق خط سيره عن أقرانه

معه دعوة أمه والدعاوي طوال أعمار ** بعد أمر ربي حصن عن كبوة حصانه

صغير يتحسّر لا سمع نشرة الأخبار ** يحس إنه مقصر بفعله لبلدانه

د. غسان الحسن أشاد بإلقاء خزام، وبأدائه في تمثيل القصيدة المفعمة بالتحولات، والتي ميزّتها الجملة الفعلية، ففي كل الأبيات كانت الأفعال حاضرة (دفع، تعجل، تحرى، وقف، غفى، سقط….)، عدا بيتين عن المدرسة. والفعل عموماً دليل وقوع حادثة، في حين أن الجملة الاسمية دليل ثبات، وبالتالي لا بد أن يكون الحدث متطوراً. مؤكداً على القعل الموجود في النص تطور بصورة درامية، أي منذ مرحلة طفولة الولد وحتى آخر محطة، وقد أشبع خزام الأبيات شعراً، وذهب إلى الصورة الشعرية، كما في البيت (معه دعوة أمه والدعاوي طوال أعمار / بعد أمر ربي حصن عن كبوة حصانه) حيث امتدت الشاعرية بشكل غريب، لكن الجمال كله كان في نسيج القصيدة. لكن د. غسان عاب على بيت (سقط مثل فكرة ضاعت بزحمة الأفكار / وخاطوا نوايا قلبه وصارت أكفانه)، متسائلاً لماذا أوصل الشاعر نصه إلى هذه النهاية.

ذات السؤال كان يدور في رأس الناقد العميمي حيث غابت المفاتيح عن القصيدة، وردّ خزام أن السبب يعود اختصار الأبيات من 18 بيتاً إلى 12 فقط حسب معايير التحكيم، وهو ما أوقع الشاعر في ذلك المطب، ومع ذلك قال العميمي إن النص مرتفع شعرياً، وخزام شاعر وأبياته تثبت ذلك، ثم إن التصوير الشعري كان في غاية الروعة والجمال، من أول بيت إلى آخر بيت، وخلص العميمي إلى أن خزام شاعر يراهن عليه.

ثم أكد حمد السعيد على جمال النص وتميزه، مشيراً إلى الانعكاس بين البيت الأخير والأول، وهذا أضاف جمالاً خاصاً للشعر.

• الشامسي.. إبداع شعري

الشاعر طلال الشامسي قدم نصاً حياً، استخدم فيه مختلف المفردات التي تدل على بيئته في سلطنة عمان، متكئاً على مفردات مرتبطة بالطبيعة والجغرافية والتراث والفن، لكن قبل القصيدة قدم الشامسي مدخلاً شعرياً قال فيه:

خليجنا يا راس كل الميادين ** أكبر شرف للأرض فيها ولدنا

تهابنا الجن ونقود الشياطين ** ونورد على الصعبة إذا ما وردنا

عقّال لكن ف الثقيلة مجانين ** نشرب على ضيم الزمن لو كبدنا

نطلع مثل طلع الهدد للشواهين ** وعيوننا من الجو تحرس بلدنا

ثم أتبعه بنص المسابقة:

من التاريــخ يا أرض الخناجر والسُفن والدّان ** سلامٍ يلقح سحاب القصيد وتهمل حروفه

ومن راس البحر هرمز إلى راس الهرم سمحان ** سلام يوقّف الدنيا فخر والعابر يشوفه

على عمان العظيمة تخلق البسمة لها جنحان ** وتفردهم فضا حتـــــى تكض النجم وتطوفه

منازلها الجبال وشعبها الياقوت والمرجان ** مآذنها النخيل يخيلها من ســاكن الكوفه

وهو نص قال عنه سلطان العميمي إنه يضم صوراً شعرية جميلة فيها كثير من الإبداع، وامتزاج عجيب مع الوطن ومكوناته الجغرافية بما فيها من تضاريس وأماكن، ما أضاف له الخصوصية. أما تفاعل الشاعر مع نصه فقد جاء بأسلوب جميل، فحب الوطن أمر عظيم، والتعبير عن ذلك يحتاج إلى أسلوب. وحتى العلم ظهر في القصيدة بصورة مختلفة (كأن الشمس كسرة كهرمان بصدرها الحنّان/ ضياها يحضن ألوان العلم ويقبّل سيوفه). وختم بقوله: في النص تفاصيل وصياغات شعرية وابتكارات وتشابيه جميلة (تغانمها أبو الأمة، أبو الحكمة، أبو الإحسان/ صديق الأرض بشته من بياضه تمطر كفوفه)، والشطر الثاني برأيي يغني عن أبيات كثيرة، وهذا هو الحال في البيت (كحل عين الظلام بِمَروْد النور وسقى العطشان/ دوا عن علّة الجهل ومرار الوقت وصروفه).

حمد السعيد أكد أن ما قدمه الشامسي شعر جميل راقٍ يليق بالوطن وعمان، ومن بدايته (من التاريــخ يا أرض الخناجر والسُفن والدّان/ سلامٍ يلقح سحاب القصيد وتهمل حروفه) أظهر الشاعر ذاك الجمال، وحتى البيت (منازلها الجبال وشعبها الياقوت والمرجان/ مآذنها النخيل يخيلها من ســاكن الكوفه) وبما فيه من فكرة مجازية، واستمر التميز حتى البيت (رجل وقّف على دربه من الهيبة جبل قهوان/ وقهواه الرضى بين الجميل وكُبر معروفه)، وكذلك ما جاء في البيت (كأن الشمس كسرة كهرمان بصدرها الحنّان)، إلى ختام النص (فيا تاريخ قابوس المكارم ما تعلّى عمان/ تعلّى الصعب حتى سال بين العز ووقوفه).

ذلك النص الوطني أعجب د. غسان الحسن، مضيفاً: عندما يسمع المتلقي النص يشعر بالإشراقات الموجودة فيه، وكأن الشاعر يرسم لوحة من خياله، ويجملها بالألوان والصفات، وبالياقوت والمرجان والكهرمان والضياء والشروق والمطر والسحاب، وكل ما سبق من مفردات تدل على الخير والجمال والتي اجتمعت في النص لتعبر عن محبة الشاعر للوطن، ثم إن كلمات الشطر (من التاريــخ يا أرض الخناجر والسُفن والدّان) تدل على عدة أمور تتجلى في القوة، والصناعة الذاتية، والانفتاح والتجارة، والثقافة والفنون. ويزعم د. غسان أن الشاعر اختار مفرداته بعناية، أما الصورة في (كأن الشمس كسرة كهرمان بصدرها الحنّان) فهي تنسج وتضاف إليها كلمات أخرى، لتضيف إلى الشطر الكثير من الجمال كما الحال بالنسبة للصورة التمثيلية في البيت (على عمان العظيمة تخلق البسمة لها جنحان وتفردهم فضا حتـــــى تكض النجم وتطوفه).

• بن سعيدان.. حركة وعمق

الشاعر مسلط بن سعيدان كان آخر شعراء الأمسية، وقد ألقى نصاً كان بعيداً عن الرمزية والمباشرة في آن معاً، وتناول فيه الشاعر موضوعاً اجتمعاً، وقال في نصه:

يا حظي كفوفك داميه والزمان مخيف ** سرقت السعادة من عيوني شوي شوي

زرعتك حقيقة في الخفوق وحصدتك طيف ** أجيلك من كوّي الزمن وأثر طبك كَيّ

لا تشره عليّ يوم أعتبر كل حاجه زيف ** شف أبوي كم له ميّت وعندي إنه حيّ

توايق عليّ دنياي بالحيف وأثر الحيف ** يعلمك كيف تطلع من الظلام الظّيّ

النقاد وصفوا النص بأنه مليء بالمعاناة وبمفردات الحزن باليأس المعبرة، ربما بسبب التجربة الشعرية أو الحياتية، وهو ما تجلى في البيت (يا وقت أذبح اللي لي تخبيه إذا إنك سيف/ علي من زماني ما يكرهني اللي لَيّ)، في حين يشير البيت الجميل (توايق علي دنياي بالحيف وأثر الحيف/ يعلمك كيف تطلع من الظلام الظّيّ) إلى تفاعل الشاعر وتغلبه على الأزمات، وصفة الجمال يمكن إطلاقها كذلك على البيت (بسطت إيدي اليسرى وصارت تحتهم ريف/ ورفعت إيدي اليمنى وصارت عليهم فَيّ) الذي يشير إلى بعض الأشخاص رمزية راقية، ومجرد تخيل الصورة تتضح الحركة والعمق يصل الشاعر إلى البيت (زرعتك حقيقه في الخفوق وحصدتك طيف/ أجيلك من كوّي الزمن وأثر طبك كَيّ)، ثم نجد في البيت (أصدق ليالي شباط تلبس عباة الصيف/ ولا أصدق إن بعض الرياجيل كائن حي) صورة صادمة تمثلت كذلك في البيت الذي يسبقه، ومع كل ذلك ابتعد الشاعر عن الغموض والمباشرة، ولم يتخلَ عن الموضوع ولا عن الصور الشعرية القريبة من المتلقي.

• المجاراة.. الختام

نقدت لجنة التحكيم أبيات المجاراة التي كتبها الشعراء الستة، وقد تباينت آراء الأعضاء بالنسبة لتلك الأبيات التي جاروا من خلالها أبيات نمر العدوان، فقال د. الحسن إن معيار المجاراة ليس صعباً، بسبب وجود القافية والوزن، لكن الدقة في التفصيل بين نص وآخر هو في الجو العام داخل كل واحد منها، لكن الشعراء توقفوا عند حالة الفراق، كما تبين أن بعضهم لجأ إلى التكرار في المعنى.

قبل ختام الحلقة أعلن جمهور المسرح عن 44% من أصواته منحها للشامسي نجم المساء، والذي أنشد خلاله بندر بن عوير من كلمات الشاعر حمد الديحاني.

كما تم الإعلان عن شعراء الحلقة الثانية، وهم: خميس الكتبي من الإمارات، راجح نواف الحميداني، سعد بن بتال السبيعي من الكويت، صالح آل كحلة، عبدالمجيد الذيابي من السعودية، وعدنان كريزم من فلسطين. وهي ذات الحلقة التي سيتم في بدايتها الإعلان عن تأهيل الجمهور لشاعرين من أصل الشعراء الخمسة الذين تباروا ليلة أمس، وهم: بلال الماضي الذي حصل على 38 درجة من درجات التحكيم، مسلط بن سعيدان وخزام السهلي حصلا على 44 درجة، بدر الكبيح منحته اللجنة 40 درجة، طلال الشامسي حصل على 43 درجة. وجميعهم سينتظرون أسبوعاً، ورفيقهم القلق والشعر في آن معاً.

 

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى