كتاب ونقاد يسألون عن إشكالية المتغير الثقافي

الجسرة الثقافية الالكترونية

محمد القذافي مسعود

هل كنا في حاجة إلى ثورات تمثلت على الأرض بين سلمية ومسلحة للإطاحة بأنظمة ديكتاتورية طال زمن استبدادها وقهرها للشعوب المتعطشة للحرية والعدالة؟ هل كنا فعلاً بحاجة إلى تغيير لم تدرك الشعوب نتيجته المأساوية التي وصلنا إليها بعد سنوات من لحظة الانتفاضة الأولى؟
أسئلة أدرك كل من أطلق صرخته يوم انتقاضة الحرية أنها صادمة له اليوم، بعد مضي خمس سنوات من ثورات «الربيع العربي»، ليأتيَ السؤالُ الأهمُ والأكثرُ أهميةً: هل نحن بحاجة إلى ثورة ثقافية؟
في هذا الاستطلاع يناقش عدد من المثقفين العرب هذا الموضوع، حيث تبرز الآراء المختلفة حول إشكالية الحرية والحاجة إلى تموضع جديد في الثقافة العربية ومجالاتها.
يقول حمزة الأخضر، الأستاذ الجامعي من ليبيا، أن الحاجة ضرورية اليوم إلى «ثورة ثقافية تجفف منابع كل الأفكار الهدامة والأفكار المتطرفة التي أدت إلى الوقوف أمام عجلة الإصلاح الثقافي والتطور العلمي والبناء الاقتصادي»، موضحاً ان «الثورة الثقافية ليست شهادات علمية أو مستويات وظيفية، بل حصيلة ما يستفيده العقل والضمير من تعاليم راقية تؤدي إلى إصلاح البلاد والإحسان بين العباد من دون إفراط أو تفريط».
أما ياسر فاروق خالد، الكاتب المصري فيسأل عن ماهية تثقيف الناس وتوعيتهم، مؤكداً أن غياب الثقافة في مجتمع ما سيغلب الأنا التي لو سيطرت على مجتمع أفقدته قيمه»، مشيراً إلى أنه لو نظرنا نظرة محايدة إلى ما نعيشه في العالم العربي «سنجد أننا غاية في الجهل والقهر والعنف، بل والقتل الذي أصبح له مقاولون يقتلون مقابل المال ومقابل الصفقات ومقابل التسيد والوصول إلى السلطة. لا وازع من ضمير ولا رؤية. ولهذا يجب ألا نتأخر أكثر من ذلك في علاج هذه الأزمة (أزمة غياب الثقافة والوعي) فعلاج هذا المرض سينقذ ما يمكن إنقاذه لذا أعتقد أننا نحتاج إلى ثورة ثقافية حقيقية».
وبرأي أنيس بن رجب، الكاتب التونسي، فإن الثورة التي لا تسبقها ثورة ثقافية، هي ثورة تمشي على رأسها. فالأصل في الثورات أن يسبقها وعي شعبي عام لدى عموم الجماهير بضرورة التغيير بإدراك علل التغيير ومسبباته، والأهداف المرجو تحقيقها وأساليب التحرك للتغيير وهو لعمري لب الثقافي. فالثورة بما هي هبة جماهيرية لا بد أن تسبقها هبة وعي يقودها المثقف والمبدع بالنهوض بالوعي الجماهيري، وخلافاً لذلك فإن النتائج تكون الفوضى والغوغاء وتشنج الهويات المبنية على عدم إدراك الجماهير للذات والتجذر الوطني الذي بدوره يؤدي إلى شق الصفوف والتشتت. وخير دليل ما تعيشه دول «الربيع العربي» التي عاشت فيه شعوبها ما يسمى بالصدمة الثورية التي ستؤدي بها حتما إلى التحرك إلى حين إيجاد توازن جديد يتماشى مع الوضعيات التي أحدثتها الثورة من فراغ على مستوى الوعي الجماهيري.
وترى سليمة سلطان نور، الناقدة العراقية، أنه قبل أن «تتم الإجابة عن ثورة ثقافية علينا العودة إلى معنى الثقافة وربما أبسط تعريف لها يكون بعبارة سهلة وواضحة الثقافة: هي ما يتبقى بعد أن يذهب كل شيء، يقصد في مضمار المعرفة. وهنا ماذا يتبقى إذن سيسقط السؤال الملح وهو هل نحن بحاجة لثورة ثقافية؟ عليّ إذن أن أعيد تعريف الثقافة لتكون مجموع تصرفات وفعاليات الفرد التي تعكس ما تبقى من معارف. الثقافة ليست استحصال النخبة أو أصحاب الشهادات الثقافة ليست فردية واجتهادا خاصا.
وتلفت صابرين فرعون، الكاتبة الفلسطينية إلى أن الثورة الثقافية جزء مؤصل في الثورات عبر التاريخ. فليس من السهل القبول بالعقل والمنطق في جوهر الأشياء وتجديدها من خلال تصحيحها واعتماد العلوم الإنسانية والعلمية في تهذيبها ودحض التعميم القائم على تجربة فرد وافتراضات لا تقوم على بينة وبرهان مادي وبالتالي الاقتناص من الكم والنوع الجمعي والتعميم.
اما ابتسام القشوري، الناقدة التونسية، فتؤكد أن لا حراك في مجتمعاتنا العربية الا بالثقافة. تقول: «لا نستطيع إعلان الحرب على الإرهاب والجهل والظلامية من دون ثورة ثقافية تبدأ برأيي بإصلاح المنظومة التعليمية في بلداننا العربية. لا بد أن نشجع على الإبداع ونشجع الجيل على التعبير بالتعبيرات التي يحبها، المسرح، الموسيقى، السينما. لا بد من نشر الكتاب والمكتبات في كل مكان».
وتقول الروائية المغربية حنان درقاوي إنه «يجب أن نبدأ من تشخيص لأن هناك أزمة في الثقافة العربية حالياً، وأن هناك مشكل تواصل بين المثقفين والشعوب العربية. في هذا الظرف التاريخي العصيب على المثقفين أن يدخلوا غمار الصراع الدائر وأن يتموضعوا داخل التحولات الجذرية التي تعيشها مجتمعاتنا. إن مثقفينا لايزالون يسكنون القلاع العاجية والقليل منهم نزل إلى الشوارع وانضم إلى الفئات المطالبة بالتغيير».
وتؤيد نجاة عمار، ما تقوله درقاوي، وتؤكد أن مستوى الوعي في المجتمع الليبي ينحدر نتيجة لانحدار المستوى الثقافي. مشيرة إلى أنه من الملحّ حصول تغيير جذري يصحح المفاهيم ويقوّم الأوضاع التي آلت إليها البلاد. وبدت المطالبة بثورة جديدة، تُعْنَى بالثقافة وتنمية الوعي للأفراد على الأصعدة كافة، أمرا ضروريا وليس ترفاً. إلا أن التجارب السابقة للثورات الثقافية في العالم تجعلنا نتوقف طويلا أمام هذا المصطلح. لأننا بعد ثورات «الربيع العربي» غدت كلمة ثورة مرادفة للدمار، والهدم والقتل والفوضى».
أما عالية طالب، الروائية العراقية فتسأل عن إشكالية الثورة الثقافية، «هل هي تغيير منظمة إبداعية معينة؟ أم مواكبة أحداث مجتمعية؟ أم تفتيت قوالب جامدة وبائدة لتدخل الحداثة إلى ما ننتجه فكريا ومعرفيا؟ أم مواكبة النتاج الإبداعي العالمي وملاحقة ما دخلته الرواية والقصة والنص الشعري من عوالم أثبتت تفاعلها مع مجريات المتغير الاجتماعي؟ أعتقد أن كل هذا مجتمعا هو المطلوب.
ونحن بحاجة فعلية إلى إحداث ثورة ثقافية وفكرية في مجمل حياتنا لنصل إلى المحطات الحقيقية لمعاني التجديد والإبداع المتميز. فما زالت قوالبنا القديمة هي الثابتة في ما ننتج من سرد. وما زالت عوالمنا قاصرة عن مواكبة الهزات الاجتماعية والسياسية والانتكاسات المتوالية على أغلب مدننا العربية بطرق تتشابه في الكثير من المعطيات ولا تختلف إلا في طرق الوصول إلى ذات النتيجة للبعض الآخر».

 

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى