‘ضوء القمر’ .. رواية الطفولة الضائعة

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

هدية حسين

تبرز الكاتبة الهندية (بي أم زهرا) كأول وأهم روائية مسلمة في الهند، وتعتبر الصوت النسائي الأهم بين ثمانية ملايين نسمة، وهو عدد الجالية المسلمة في ولاية كيرالا الهندية، وهي واحدة من أهم الروائيات تقدمية وإنجازاً في القارة الهندية بحسب ما يشير النقاد الى منجزها. وغالباً ما تطرح في أعمالها مشاكل النساء في مجتمعها المثقل بالتقاليد، بأسلوب توصيفي دقيق وقريب من الواقعية.

نالت العديد من الجوائز من أبرزها جائزة أكاديمية كيرالا للآداب، ومن أهم أعمالها، الطلاق، الظلام، الظل، الحلم، وضوء القمر، الرواية التي نحن بصددها.

ومما قاله أحد النقاد الكبار عنها: إنها أزاحت الستار عن معاناة المرأة الهندية المسلمة، التي كانت تشكل لغزاً لباقي المجتمعات الهندية، حيث لم يسبق لامرأة مسلمة من المجتمع الهندي أن صاغت آلامها بنفسها، ولطالما كان الحديث عنها يأتي على لسان كتّاب من خارج مجتمعها، وهنا تكمن أهمية زهرا كصوت نسائي نادر من داخل المجتمع الإسلامي في الهند.

تناقش رواية “ضوء القمر” زواج البنات الصغيرات، كتقليد لا يزال معمولاً به في القرى الهندية، حيث تنسلخ (نسيمة) من طفولتها لتصبح زوجة، وهي لم تزل تدرج في مرابع طفولتها، تلاحق اليعاسيب بين حقول الأرز والمستنقعات والشواطىء، انتزعوها مثل نبتة لتعيش في مكان آخر.

لكنها أصرت على التمسك بطفولتها من خلال أحلام اليقظة، حيث ترحل الى هناك كل يوم وتنسى أنها (امرأة) متزوجة، ولم يستطع زوجها أن يخلصها من هذا الشرود الذي ظل عادة ملازمة لها جعلت حياتها الزوجية على كف عفريت لولا أم زوجها التي عاملتها بلطف، وحين تموت الأم لم تجد نسيمة بداً من أن تدير البيت كأية امرأة ناضجة وعليها أن تغادر شخصية الطفلة نيهي كما كانوا يسمونها في بيت العائلة.

وبرغم محاولاتها لم تستطع التخلي أبداً عن أحلام يقظتها حتى بعد أن أصبحت أماً لطفلين. تلك الأحلام بقيت معيناً لا ينضب لمفردات حياتها، ومن خلال تلك الأحلام تنقلنا الكاتبة الى أجواء الطقوس والعادات التي ترافق ذلك الزواج، وإلى البيت الكبير الذي عاشت فيه نسيمة، أو نيهي، البيت الذي يضم الجد والأب والأم والإخوة والخادمات.

تفاصيل صغيرة عن تلك الحياة خلقت منها زهرا عالماً ضاجاً بالحياة والقصص، الماضي والحاضر يعملان معاً على خلق الحياة، حياة ورثوها عن أجدادهم ولا بد لها أن تستمر، المعتقدات والخرافات والسحر وطرد الأرواح الشريرة وقراءة الكف وكل ما يخرج عن روح العصر ويسيطر على العقول. قصص الخادمات وأسرارهن، الطعام والملبس، الأغاني الشعبية، حرمان البنات من الذهاب للمدرسة بمجرد بلوغهن.

تقول الأم لابنتها: “هل فكرتِ في يوم من الأيام بأنك ستنتقلين للعيش مع شخص غريب؟”.

كانت هذه أولى الصدمات التي تلقتها نيهي، ثم جاءت صدمتها الثانية حينما حُرمت من المدرسة.

وفي موضع آخر تقول الأم: “طالما أنكِ خلقتِ فتاة فعليك أن تتعلمي كيف تكوني خاضعة، بإمكانك أن تنجحي في الحياة فقط بطاعتك لزوجك”.

مثل تلك العبارات تلقن للفتيات الصغيرات لإعدادهن كزوجات خاضعات.

تبث زهرا في ثنايا ضوء القمر آراء شخصياتها في السياسة، على الرغم من أن موضوعة الرواية ليست سياسية، لكي تنفتح الرواية على عوالم أخرى نعرف من خلالها ذاك المجتمع الذي تخنقه التقاليد وفي الوقت نفسه يفكر بطريقة أخرى لما آل إليه المجتمع الهندي بعد الاستقلال.

على الصفحة 111 يدور الحديث عن الحياة بعد الاستقلال، وكيف أصبحت معقدة، تقول الأم: “في ظل حكم البريطانيين كان هناك من يحاسب على كل مظاهر الظلم، وكان لأصحاب الأراضي وضع جيد وقيمة عالية حينها، أما الآن حتى وإن قتلت أو نهبت لن يحاسبك أحد، وأصبح بإمكان أي شخص أن يصبح وزيراً”.

وحينما تذكّرها ابنتها بما فعله غاندي من أجل الاستقلال تتوتر الأم وتقول: “اليوم أصبحت الهند دولة مستقلة، ولكن ما الفائدة، نحن من نعاني في ظل هذا الاستقلال، لقد ولّت أيام رغد العيش”.

رواية “ضوء القمر” ترجمتها الكاتبة السورية سمر الشيشكلي، التي سبق لها أن ترجمت للروائية زهرا رواية “الطلاق”، ولها ترجمات في القصة القصيرة، و6 كتب لسلسلة “شارع القراءة” البريطانية، وحائزة على العديد من الجوائز في الإبداع.

 

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى