«زيارة»: وثائقيات قصيرة عن الحبّ والألوان

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

ملاك مكي

«الحياة زيارة، نريد أن نساهم في جعلها جميلة. الحياة زيارة جميلة». بتلك الكلمات تختصر المخرجة موريال أبو الروس مشروع «زيارة»، وهو عبارة عن سلسلة وثائقيات قصيرة (نحو خمس دقائق) تبث على الإنترنت. بدأ المشروع في صيف 2014، ويبثّ على الانترنت بوتيرة حلقة واحدة كلّ أسبوعين.
أنتج فريق العمل 12 حلقة في لبنان، ويسعون حالياً إلى تصوير حلقات جديدة في بلدان أخرى. يسلط «زيارة» الضوء، وفق أبو الروس، على حكايات الأشخاص وذكرياتهم، ومشاعرهم، على ما يريدون التعبير عنه ومشاركته بصدق مع الآخرين.
تتنوّع الشخصيّات في السلسلة، فمن ضيفة الحلقة الأولى المزارعة سعاد رزوق المقيمة في بيروت، إلى الممثلة المسرحيّة رينيه ديك، إلى هنري لوسيان مصمّم المجوهرات المقيم في البترون، إلى الراقص ألكسندر بوليكيفيتش، إلى الصيّاد بيرار نعيمة المقيم في العقيبة…
في الحلقة الأولى تقول سعاد رزوق: «كل شي ببيروت حلو، كل حياتي مقضيتها هون. أنا خلقت بـ15 آب، بعيد السيدة. وقعت مرة بالمجرور، شو بدك أحلى من هالذكرى». في حين تأخذنا الممثلة رينيه ديك إلى محطّات من مسيرتها الطويلة، في شريط حقّق مشاهدات كثيرة على «يوتيوب». تخبرنا: «بس كنت بالمدرسة، سألونا شو بدنا نعمل بس نصير كبار. بدي صير ممثلة، ويضحكوا علي، بحب كون مشهورة. ما كنت متصالحة مع الحياة اليومية العادية، كان بدي أكتر».
في حلقات السلسلة، تركّز الكاميرا على تفاصيل تصنع جوّاً خاصّاً: هناك شراشف، وهواء، وحبال غسيل، وبرادٍ، وطاولات، وأبواب، وريشة ألوان، ولوحات رقص. في فيديو ألكسندر بوليكيفيتش، ألوان وأقمشة زاهية وفساتين معلّقة تحيط بصاحبها. يقول: «كنت ألعب وحدي، بحب العب بسيارتي وبباربي أختي». يخبرنا أنّه حظي بطفولة سعيدة جداً: «قد ما كانوا أهلنا محاوطينا، ما انتبهنا على بشاعة الحرب… بتذكر الضيعة، منكون عم نشطف البيت، الممسحة بتصير voile بيرقصوا بشي كتير بسيط. أهلي ما قبلوا انه ارقص خوفاً علي، بس الواحد لازم يعيش حياته. ما فيك تحمي ولادك من ظلم الحياة».
لا «يتفلسف» الأشخاص الذين يسردون لنا قصصهم في «زيارة». يعّبرون عن حياتهم، وذكرياتهم، عن أسماء مرت بهم، عن لحظات مروا بها بعفوية، ببساطة، فيمر نسيم، أو تتحرك أيادٍ، أو تلمع عينان، أو يخف الصوت، أو يُفتح باب.
في حلقة هنري لوسيان، حديث شاعري لطيف عن مدينة، يمرّ خفيفاً، كزيارة لطيفة لا تترك ثقلاً. «زقاق البلاط، الأشرفية، وراس بيروت، والمصيطبة، وقصقص، وطريق الشام… بيروت هي تاتا (جدّتي)، احلي شي الواحد يكون عنده تاتا بتعطيك قلبها، كلّ شي عندها، بكون بيتها حلو، بتخيط صوف حتى تكون مبسوط». يقارن لوسيان بين بيروت القديمة وبيروت الحديثة التي «صارت فنانة، كل شي كبير بس مش حلو. أخذت من بيروت السماء الزرقاء، البلاكين (الشرفات)، رائحة القهوة». من جهتها، وبين مزيج من الضوّء والألوان، تكشف الفنّانة جوّانا رعد سرّاً في حلقتها من طفولتها: «كان عندي لذة ضيع، خلي أهلي يضيعوني. كنت انبسط، شوف الإحساس قديش معلقين فيّ».
يتألف فريق عمل «زيارة» من المنتجة دنيز جبور، مونتاج ليليان حنبلي، هندسة الصوت مهاب شانه ساز، وتلوين خليل أبو الروس، ومساعدة كاميرا راشيل نجا. يعتمد العمل على تقنيات تصويرية بسيطة، وحصل على جوائز عدة ومنها: أفضل وثائقي للإنترنت في «مهرجان المملكة المتحدة للأفلام الوثائقية» العام 2015، وفي مهرجان دبلن العام ذاته. ونال جائزة أفضل مونتاج في «مهرجان بيونس أيرس للأفلام الوثائقية» للعام 2016.
ما الهدف من المشروع؟ تجيب أبو الروس: «الحب». ربما هو حب الأشخاص الذين لا نعرفهم، ولا نعرف قصصهم، حب اللحظات التي لا ندركها فنكتشفها، حب الكلمات وهي تتطاير مع الهواء، حب الوجوه التي تصادفنا في الحياة. حبّ الحياة على أنها زيارة جميلة.

 

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى