جائزة مصطفى عزوز.. ومناخ جديد للإبداع للطفل في تونس

مصطفى عبد الله

عدت من تونس أكثر تفاؤلًا بعد مشاركتي في الدورة السابعة لتوزيع “الجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل” التي اعتنى وزيران بحضور وقائع افتتاح وختام أعمالها؛ وزير التربية والتعليم الذي قام بتدشين الندوة المصاحبة لها التي كان موضوعها “صورة الطفل في الأدب العربي الموجه إلى الطفل”، ووزيرة الثقافة والحفاظ على التراث التي قامت بتسليم الجوائز المقدمة للقائزين من البنك العربي لتونس.

ولعل سبب تفاؤلي يرجع لإعجابي بهذا الجهد الخارق للعادة الذي تبذله سعاد عفاس رئيسة منتدى أدب الطفل بتونس لتوفير كافة سبل النجاح والاستمرار لهذه الجائزة المكرسة للنهوض بأدب الطفل العربي، واكتشاف الموهوبين في مجال الكتابة للطفل من بين الأطفال والشباب لتقديمهم للساحة الثقافية وتشجيعهم على الاستمرار على الدرب، في الوقت ذاته الذي تحرص فيه على تقدير البارزين من المبدعين التونسيين وسواهم من أبناء الأقطار العربية كافة كي يمنحوا الكتابة للطفل جانبًا من اهتمامهم.

والسبب الثاني لعودتي من تونس متفائلًا هو أنني لمست مدى الشفافية التي تحكم عمل اللجنة التي تولت فحص الإنتاج المقدم لنيل الجائزة والحكم عليه، هذه الشفافية التي تتمثل في ضرورة أن تتم عملية التحكيم من بدايتها لنهايتها دون معرفة أي شيء عن المتسايق، وهذا ما أشارت إليه سعاد عفاس في كلمتها، وما أكده المبدع والناقد الدكتور محمد آيت ميهوب، رئيس لجنة التحكيم لهذه الدورة السابعة، في بيانه الذي جاء فيه: “إن لجنة التحكيم المكلّفة بالنظر في الأعمال المترشحة لنيل الجائزة ضمت كل من: جليلة الطريطر الجامعية والناقدة، وخالد الوغلاني الشاعر والجامعي، ونافلة ذهب القصاصة، وحافظ محفوظ الشاعر والروائي”.

وأوضح ميهوب للحضور أن اللجنة عقدت اجتماعًا أوّل في الثالثة من عصر الأربعاء 20 يناير/كانون الثاني 2016، وفيه اطلعت على نص الإعلان المنشور عن المسابقة وما تضمّنه من شروط ومعايير، وتسلّمت الأعمال المترشّحة البالغ عددها 55 مشاركة فنظرت فيها من حيث مطابقتها للمعايير المضبوطة لاسيما معياري: الانتماء إلى الجنس الأدبي المحدد للمسابقة وهو القصة، والتوفر على عدد الصفحات المطلوب (من 40 إلى 80). فتمّ بناء على ذلك استبعاد ثلاثة عشر نصًا أخلّت بأحد الشرطين المذكورين أو بهما معًا؛ فقد وردت عدّة مشاركات في شكل مجموعات قصصية قصيرة. وحدّد عدد المشاركات المقبولة بـ: 42 مشاركة. كما تسلمت اللجنة الأعمال القصصيّة المترشّحة لمسابقة: الجوائز التشجيعية الخاصة بالمشاركات الشبابيّة.

بعد ذلك حدّد أعضاء اللجنة ما يمكن اعتماده من مقاييس فنية وأدبية ومضمونيّة يمكن الاستناد إليها في تقويم النصوص والمفاضلة بينها.

وعقدت اللجنة اجتماعا ثانيا في التاسعة من صباح السبت 5 مارس/آذار، وخلاله تداول أعضاء اللجنة النظر والتمحيص في الأعمال المترشحة نصًا نصًا، وتمّ تحليل كل عمل على حدة واستعراض ما اتسم به من مميّزات وهنات.

وإثر النقاش اتفق على الاحتفاظ بستّ روايات أجمع أعضاء اللجنة على ما تتميّز به من قيمة فنيّة ومضمونيّة تؤهّلها لأن تمثّل الرصيد النهائي الذي سيتمّ ضمنه انتخاب النصوص الفائزة.

ومن جديد اجتمعت اللجنة السبت 12 مارس/آذار لاستعراض تقييم كل عضو للنصوص الستّة المنتخبة. وبعد التداول والنقاش المستفيضين تمّ الإجماع على اصطفاء أربعة نصوص رأتها اللجنة جديرة بالتتويج. وكانت النتائج على النحو الآتي:

الجائزة الأولى: لقصة: “فيروز وعرائس البحر” للروائي إبراهيم الدرغوثي لما تتميّز به من طرافة واستثمار لطاقات الخيال الخلاّق، ولنجاحها في تقديم المضامين العلمية بطريقة سلسة جذابة، ولمتانة بنائها السردي وسلامة لغتها. ومما يثمّن في هذه الرواية أيضًا أبعادها الإنسانية النبيلة وحثها على القبول بالآخر وإسنادها دور البطولة إلى الفتاة.

الجائزة الثانية: لقصة: “مغامرة كشّاف”: للجامعية والقاصة آمنة الرميلي وقد شدّ اللجنة في هذا العمل لغته الممتازة جدًا التي استطاعت أن تجمع بين الفصاحة والمتانة من جهة، والسلاسة والإيحاء من جهة ثانية، وقد ميّز هذه القصة أيضًا حبكتها المتينة وبناؤها السردي المحكم السبك ومراوحتها بين حكاية الأفعال وحكاية الأقوال وحكاية الأحوال ومن شأن ذلك أن يخدم التشويق ويشدّ قارئها اليافع. ومما يثمّن في هذا العمل طرحه قضيّة البيئة ودعوته إلى المحافظة على الطبيعة وإعادته الاعتبار إلى الحياة الكشفيّة.

الجائزة الثالثة بالتساوي: لقصة: “رونق في أفق الأرض”: للكاتب المغربي محمد عماد الدين عبداللاوي لتميّزها بالقدرة على بناء نص في أدب الخيال العلمي، متناسق مع المحيط العربي، يجمع جمعًا مستحسنًا بين الدقة، من جهة، والسلاسة والتشويق، من جهة أخرى. فاستطاعت هذه القصة أن تتغلّب على الصعوبات الفنيّة المتصلة بأدب الخيال العلمي عامة. ويثمّن هذا العمل أيضًا لطرحه قضايا مهمّة جدًا تتعلّق بوضعيّة العلماء والمخاطر التي تتهدّد حياتهم واكتشافاتهم العلمية.

الجائزة الثالثة بالتساوي: لقصة: “جي نوم” للأديب عماد الجلاصي من تونس: تنتمي هذه القصة إلى أدب الخيال العلمي فهي تخاطب الأفق المعرفي العلمي للمراهق وتساعده على اكتشاف ما يحفّ بالحياة العلمية من محاولات توظيف في ما يضرّ بالوجود الإنساني. ورغم دسامة المضمون العلمي فقد نجح مؤلّف هذا العمل في سبكه داخل بنية قصصية محكمة، تتميّز بالتشويق.

وتحرص اللجنة على أن تنوّه ببعض المشاركات التي توفّرت على مستوى جيّد في الكتابة وعمق في المضامين لكنّ شدة المنافسة حرمها الحصول على جائزة. وأبرزها القصص التالية:

– نملة الوادي الخصيب

– غابة الأحلام

– باهيا عروس النيل

– الطائر الزجاجي

أما عن نتائج مسابقة الجوائز التشجيعيّة المخصّصة للمشاركات الشبابيّة فتعلن اللجنة إسنادها الجوائز على النحو الآتي:

الجائزة الأولى: لقصة: عند صفارة الإنذار القادمة

الجائزة الثانية: لقصة: نضال

الجائزة الثالثة بالتساوي: لقصة: مفتاح الحياة

الجائزة الثالثة بالتساوي: لقصة: حلم الزهور

• ملاحظات لجنة التحكيم:

– ارتياحها للإقبال المكثّف على المشاركة في المسابقة.

– تثمّن ورود مشاركات عربية كثيرة من المغرب العربي والمشرق على السواء. وقد رأت اللجنة في ذلك دليلا ناصع البيان على تطوّر الجائزة وانتشار صيتها بين الكتاب العرب.

– سعادتها بالإقبال المكثف على مسابقة الجوائز التشجيعية الخاصة بالمشاركات الشبابية وورود أعمال كثيرة من الدول العربية لاسيما فلسطين المحتلّة.

– تعبّر عن إعجابها الكبير بالمستوى الجيّد الذي كانت عليه كثير من النصوص الشبابية.

– لاحظت اللجنة اعتناء خاصا من المشاركين في هذه الدورة بأدب الخيال العلميّ ولمست في هذا التوجه وعيا بالنقص الحادّ الذي تشكو منه الكتابات الموجّهة إلى الطفل العربي في هذا المجال.

– تعبّر عن إعجابها بالمستوى الفني الراقي لكثير من النصوص ممّا يشي بتعامل أصحابها تعاملا جديا مع أدب الطفل.

– تشجع اهتمام الكتّاب المشاركين بواقع الطفل العربي ومعالجتهم مختلف قضاياه النفسية والاجتماعية والحضارية والسياسية. وقد رأت اللجنة في هذا الأمر سمة إيجابية ما لم يضرّ ذلك بمراسم الكتابة للطفل الفنية والجماليّة.

– وتسجّل اللجنة مقابل ذلك عدم حرص كثير من المشاركين على تجويد لغة نصوصهم وتنقيتها مما شابها من أخطاء متنوّعة متكرّرة، وتشير في هذا السياق إلى أنّ الأخطاء اللغوية قد شملت عددا كبيرا من الأعمال المشاركة وتدعو الكتّاب في هذا الشأن إلى تعهّد مكتسباتهم اللغوية والاستعانة بالمصلحين المختصين، وهو أمر يقوم به كبار الكتاب في العالم.

– تعبّر اللجنة عن قلقها الشديد من تضمّن بعض الأعمال المشاركة مضامين خطيرة على الناشئة من قبيل: احتقار المرأة، والنظر إلى الفتاة نظرة دونية تجعلها أقلّ شأنا من أخيها الطفل، والدعوة إلى العنف وعدم التسامح مع الآخر، والتقليل من قيمة الحوار الحضاري بين العرب وغيرهم.

وفي الختام أوصت لجنة التحكيم بمزيد من تشجيع التأليف الأدبي لشريحة اليافعين من 12 إلى 15 سنة نظرًا لغيابها في الكتابة الموجهة للأطفال وللدور الحاسم الذي يلعبه الأدب في تكوين الملكات الفنية لدى الناشئة، ودعت إلى توسيع دائرة طبع النصوص المشاركة فلا يقتصر على النصوص الفائزة بالجائزة فحسب، بل يمكن أن تضاف إلى ذلك كل النصوص التي تنوّه بها اللجنة.

وفي هذا السياق دعت اللجنة إلى أن تتعاون اللجنة المشرفة على الجائزة والبنك العربي لتونس مع إحدى دور النشر المختصة في أدب الطفل للإشراف على طبع هذه الأعمال وتوزيعها.

– حثّت اللجنة وزارة الثقافة التونسية على مزيد دعم هذه الجائزة ماديًا وأدبيًا.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى