شيرلوك هولمز يدعو الجمهور إلى فكّ طلاسم جريمة مروّعة

نبيل مسعد

يقدم مسرح «فانتيام تياتر» الباريسي عرضاً شيقاً يجمع التشويق والطرافة ويدور حول جريمة مروّعة ترتكب في لندن وتكتشفها الشرطة ثم تسلم ملفها إلى شيرلوك هولمز، المخبر المتخصص في حل أصعب الألغاز والجرائم المعقّدة.
وسبق لروايات السير أرثر كونان دوبل الخاصة بمغامرات شيرلوك هولمز أن حُوّلت إلى أعمال مسرحية وسينمائية عدة عبر العقود، أما الجديد في عرض «وادي الخوف»، فهو أن مخرجته ناتالي فينو أدخلت عنصراً جديداً إلى الحبكة يتلخص في تحويل المتفرج إلى مساعد لشيرلوك هولمز وبالتالي مشاركته في حل اللغز الذي يواجهه التحري الخاص اللامع.
تدور الأحداث في لندن في نهاية القرن التاسع عشر حين تعثر السلطات على جثة هامدة في قلب قصر منيف كان يسكنه الرجل المقتول وحده، إذا استثنينا وجود فريق من الخدم من حوله في كل الأوقات.
وأمام استحالة العثور على أدلة جادة تدين أحد أفراد طاقم القصر، يستعين رئيس الشرطة بخدمات شيرلوك هولمز بهدف تحديد القاتل والقبض عليه. وفور دخول هولمز إلى الساحة يشعر المتفرج بأنه لا يكتفي بالتحقيق في إطار خشبة المسرح بل ينظر إلى الحاضرين معتبراً إياهم بمثابة ضيوف كانت الضحية قد دعتهم إلى تمضية السهرة إلى جوارها، الأمر الذي يعني بكل وضوح أن المتفرج شهد الجريمة ويستطيع بالتالي تحديد القاتل، إلا إذا كان الموضوع مخالفاً لمصلحته.
ولا تكتفي المخرجة بإدخال الجمهور إلى اللعبة كمساعد للمخبر، بل تضعه في موقف حرج كلما بدأ هولمز تحليل الأحداث متخذاً هذا المتفرج أو ذاك شخصًا يشتبه في تصرفاته وفي تعابير وجهه وربما في مظهره وملبسه، مثيراً بالتالي انتباه كل المحيطين به إلى ضرورة الالتزام بالحيطة والحذر تجاهه، وبخاصة منعه من مغادرة القاعة حتى إذا تطلب الأمر اللجوء إلى العنف. وإذا كان الحضور يضحك أمام هذا الوضع فهو يكتم أنفاسه كلما شعر بأن المخبر سوف يتخذه هدفاً لتحليله المقبل. ومن أجل أن تحقق ناتالي فينو طموحها ويتبعها الجمهور في لعبتها، كان لا بد من أن تختار باقة من الممثلين القادرين على إثارة الضحك والخوف وهز المشاعر طوال السهرة، وهذا ما نجحت فيه، مانحة دور شيرلوك هولمز إلى كريستوف غيون المعتاد الوقوف فوق خشبة أكبر المسارح في أعمال كلاسيكية درامية، ومعه فنسان ديبرا وبيار لوي جازان وسيدريك لانويه ومارك سامويل وجوليان فيالون، متوليةً شخصياً الدور النسائي الوحيد في المسرحية.
وتفي مسرحية «وادي الخوف» بالمطلوب من أجل تمضية سهرة ممتعة، إلا أنها تعجز عن تعدي هذه المرحلة والدخول إلى قائمة الأعمال الكبيرة التي تترك بصمات وتدخل إلى تاريخ المسرح، وذلك بسبب افتقارها إلى عناصر تحقق التوازن بين المواقف الساخرة والجادة، وبالتالي تفادي المبالغة هنا وهناك والامتناع عن الدفع بالمتفرج إلى رد الفعل بهذه الطريقة أو تلك. وبالتالي يعاب على المخرجة عدم منحها ذكاء جمهورها ثقة كاملة وشعورها بأنها لا بد من أن تمسك بيد المتفرج وتدلّه على طريق الضحك وسكة الخوف.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى