«عودة ميرة» … الحياة على حافة الموت

منال عبد الأحد

أنجزت الكاتبة الإماراتية عائشة العاجل رواية «عودة ميرة» في إطار «برنامج دبي الدولي للكتابة»، بإشراف الروائية نجوى بركات. تنطلق حيثيات هذا العمل الروائي من خبر وفاة «ميرة» بظروف تبقى غامضة طوال خط سير الرواية بحيث نشهد تفاعل كل من الأبطال مع هذه الفاجعة كلّ من موقعه والمكانة التي اتّخذتها ميرة في حياته.
جمل سردية طويلة تصف الجثمان والأحباء حوله والصغير عبد الرحمن المرتعب تحاول كل من موزة وفاطمة أن تهدئا من روعه، فيما الزوج عبد العزيز مسافر بداعي العمل كما أخبر الجميع، وهو خارج البلاد بصحبة زوجته الثانية السرية سارة.
وإن كان هذا العمل يؤسس لمسار روائي قد تسلكه الكاتبة، إلا أنه لا يمتلك خطًا دراميًا متَّضح المعالم بحيث نجده أقرب إلى السرديات المتتالية – كما في الفصلين الثاني والثالث على سبيل المثل لا الحصر، حيث تستفيض الكاتبة بوصف الجسد المسجّى، والتي تبدو متفككة في ما بينها لا تصلح لأن تشكل أجزاءً درامية منصهرة في قالب روائي.
الشخصيات تبدو ذات بملامح غير واضحة، وعلى رغم الدور الرئيسي الذي تلعبه في مسار الأحداث لا نجد شخصية واضحة أمامنا بل وصفًا مستفيضًا لتصرفات ناجمة عنها فحسب. في النص مجموعة أشخاص يحومون حول جثمان ميرة وفي المقلب الآخر عبد العزيز المسافر الذي من المنتظر أن يعود ليواري زوجته الثرى. وبالتالي فإن العمل لا يقدم جديدًا بل يلامس إشكالية الموت المداهم ويستفيض بالوصف في الغالب، كما وأنه لا يقدم أسلوبًا أو آلية جديدة في الطرح، لا بل يمعن في الوصف الدقيق المعتاد البعيد من أي إسقاطات أو تأويلات.
في فلورنسا، تخبر سارة عبد العزيز بحملها ومن ثم تختار الكاتبة أن تعرفنا أكثر إلى ماضي سارة الفتاة المغربية التي تركت بلادها لتكون في حياة عبد العزيز زوجة سرية، فتتحدث باسمها مرة وعنها مرة أخرى.
وبعد أن طالت عمليات البحث عنه من خلال مراسلته مرارًا على هاتفه، إذا بعبد العزيز يفتح هاتفه ليجد سيلًا من الاتصالات ويعرف أن سوءًا ما قد حصل في بيته، لا يلبث أن يدرك من خلال رسالة عبد الرحمن أن ميرة قد ماتت. لسبب ما يختار عبد العزيز الاحتفاظ بالخبر لنفسه ويكتفي بما كان قد قاله لسارة بأن أمرًا ما سيئًا للغاية قد حدث لميرة وعليه الذهاب. قبل ذلك تكون الكاتبة قد عرّفتنا إلى ومضات من ماضي سارة المؤلم قبل تعرّفها إلى عبد العزيز، وقائع تبدو متشابكة ومفككة في آنٍ بحيث لا توظّف الكاتبة أيًّا منها في خدمة الواقع السردي أو الخط الدرامي للرواية، لا بل تبدو كسرديات وُضِعت لتملأ فراغًا ما، في الواقع كان يمكن أن يكون مغايرًا من دون أن يحدث ذلك أي تشظٍّ في المجرى الأساسي للأحداث في هذه الرواية التي تتمحور حول شخصية ميرة وعلاقتها بمن حولها والتي لا تجعل لموقع سارة في حياة عبد العزيز أي أثر يُذكر فيها؛ ليس لأن لا علم للآخرين بوجودها وحسب بل لأن ميرة تبدو شخصية محورية قائمة بذاتها تدور حولها كل الأحداث المرتبطة بها، وما غير ذلك يبقى تفاصيل أضافتها الكاتبة لخلق فضاءات روائية ثانوية.
تعتمد عائشة العاجل في هذه الرواية لغة سلسة ببعض التشبيهات والمضامين المستمدة من بيئتها الصحراوية وعاداتها وتقاليدها. وتتميّز بيئة الرواية بهذا الغنى الذي ينعم به المجتمع الإماراتي والذي تتميّز به دبي، حيث تعيش الجنسيات المختلفة وتنصهر في ما بينها لتشكل متحدًّا اجتماعيًا متكاملًا يجعل من شخصيات الرواية مزيجًا غنيًا يجمع مختلف الثقافات والحضارات: ليلى السائقة التي تقل ميرة إلى العمل وتقيم في منزلها، وتجربتها في الاغتراب وهجرتها من فلسطين، وأم صالح ومفتاح بيتها المعلق منذ عقود في حزام تضعه على خاصرتها، كلها رموز تشير إليها الكاتبة في إطار السرد، فضلًا عن عبد الرحمن الذي يعجز عن التخلص من حبه لميرة على رغم زواجه من نورة؛ بحيث كتب لها ذات مرة في رسالة كان من سوء حظ نورة أن قرأتها على هاتفها الذي نسيته عندها: «إليّ عودي واتكئي هنا / حيث ترتخي عضلة ساعدي الأيسر / هنا حيث تغرد عصافير روحك منتشية / وحيث أنا بلا لون سوى سمرتك / وملامح تيهك دوني…»( ص 48 ). حوادث وانفعالات كثيرة، عالم قائم بذاته يدور في تلك الأمسية حول الجثمان، كلّ يفضح ما كان يتستر عليه حتى في قرارة نفسه، يصارح نفسه به على الأقل إن لم يجرؤ على مفاتحة الآخرين، تنكشف بموت ميرة حيوات كانت هي الحلقة الأبرز فيها فيراها القارئ أمام عينيه دامعة كماضٍ يسترجع نفسه بحسرة.
إنّها الحياة على حافة بركان الفقد، الموت المتأجج الذي يثير الانفعالات فتبدو أمامه مكسورة مهزومة مسحوقة. هي اللعبة السردية التي اعتمدتها الكاتبة في هذه الرواية فأتقنتها على رغم كل العثرات، إذ لم تخبر قارئها عن لحظة موت أو لحظة حياة في ماضٍ ما، بل خلقت من لحظة الحياة ممزوجة بواقع الموت وطقوسه لحظة جديدة جديرة بأن توصف بلحظة الانفعال مع الموت بكل ما ترصده من كوامن وتناقضات.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى