14 باحثا يناقشون المشكلات التي تواجه المجتمع المصري

( الجسرة )

*محمد الحماصي

يضم كتاب “الدولة التنموية: رؤى نقدية للمشكلات وسياسات بديلة” الذي صدر أخيرا عن المركز العربي للبحوث والدراسات، مجموعة مترابطة من البحوث والدراسات تتناول أهم المشكلات التي تواجه المجتمع المصري في الوقت الراهن، وذلك بتطبيق منهج مثلث الأبعاد، يقوم على أساس التوصيف الدقيق لكل مشكلة باستخدام أسلوب المؤشرات الكمية والكيفية، وبتطبيق منهج السياسات البديلة الذي يقدم قراءة نقدية للسياسات القائمة ويقترح بدائل لها، وذلك بالإضافة إلى اقتراح مشروعات قوانين لتغيير الوضع الراهن.

الكتاب الذي أعده وحرره أستاذ علم الاجتماع السياسي السيد يسين، يتكون من ثلاثة عشر فصلا لأربعة عشر باحثا متميزا في مجالاتهم: السيد ياسين، نبيل عبدالفتاح وإبراهيم نوار ومحمد السعيد ادريس، ويسري العزباوي، وأحمد موسى بدوي ومحمود عبدالله وهاني سليمان وضياء زاهر وشريف اللبان وأحمد قنديل وإبراهيم سيف وبسام صلاح، ناقشوا أهم المشكلات التي تواجه الدولة التنموية الراهنة، وهي: النظام السياسي، وتوجهات السياسة الخارجية، والسياسات الاقتصادية الجديدة والممارسة السياسية: الواقع والمستقبل، والمشكلات الاجتماعية الراهنة وسياسات الشباب، والأوضاع الثقافية الجماهيرية المقترحة، وتطوير السياسات التعليمية، وترشيد السياسة الإعلامية ودور الإعلام في مواجهة الإرهاب، والمحليات الواقع والمأمول، وأخيرا السياسات البديلة.

وقد أوضح السيد ياسين في دراسته “النظام السياسي للدولة التنموية” التي ضمها الفصل الأول أن الدولة التنموية هي الدولة التي لها استقلال وذاتية خاصة في مجال القوة السياسية بالإضافة إلى سيطرتها على الاقتصاد ومجال التنظيم والتخطيط”.

وقال “وفي ضوء هذه التجربة التاريخية ذهبت إلى أن النظام السياسي الجديد الذي ينبثق من ثورة 30 يونيو يعيد في الواقع صياغة دور الدولة ويفسح الطريق واسعاً وعريضاً لعودة نموذج (الدولة التنموية) التي رسختها ثورة يوليو 1952، باعتبار أن مهمتها الرئيسية هي التنمية الشاملة من خلال القيام بمشروعات قومية كبرى، وقد بدأ الرئيس السيسي هذا العصر التنموي الجديد في مصر بمشروع “قناة السويس الجديدة” التي اعتمد فيها لأول مرة في تمويلها على الاكتتاب الشعبي الذي نجح نجاحاً ساحقاً، وعلى الإدارة الهندسية للقوات المسلحة في تنفيذه في عام واحد بدلاً من ثلاثة أعوام كما كان مقدراً وتم ذلك على أعلى مستوى، وقد توج هذا المشروع القومي الكبير بافتتاح تاريخي حضره العديد من ملوك ورؤساء العالم”.

أما في دراسته “دور الإعلام في مواجهة الارهاب” فأشار السيد ياسين إلى أن تجديد الخطاب الديني من بين الوسائل الفعالة في مجال تفكيك الآراء المتشددة وتذويب الجمود الفكري لأعضاء الجماعات المتطرفة والإرهابية. كما أن ترسيخ قواعد النقد الذاتي في المجتمع يعد آلية فعالية وخصوصا حين يصبح ذلك تقليدا اجتماعيا تمارسه مختلف الجماعات الأيديولوجية التي تتوزع بين اليمين المتطرف واليسار المتطرف. وفلسفة النقد الذاتي أنه ليس عيبا أن يمارس السياسيون أو المنضمون لأحزاب أو جماعات دينية النقد الذاتي للاعتذار عن الأخطاء التي ارتكبوها، ولمراجعة المسلمات الفكرية التي دفعتهم دفعا للتطرف.

وأوضح “لدينا في مصر تجربة ثرية في هذا المجال، وهي المراجعات التي قامت بها جماعة “الجهاد” و”الجماعة الإسلامية” اللتان مارس أعضاؤهما الإرهاب ضد فئات عديدة من الشعب المصري، وقامت الدولة بناء على سياسة أمنية فعالة بالقبض عليهم وإصدار أحكام قضائية بالسجن على أعداد كبيرة عليهم.

وقد قام بعض قادة هذه الجماعات بصياغة استراتيجية مدروسة للنقد الذاتي تمثلت في زيارات منظمة بالتعاون مع الجهات الأمنية – للمحكوم عليهم من هذه الجماعات في السجون المختلفة، وممارسة النقد الذاتي عن طريق عدد كبير من كتب المراجعات، والتي تبين بالأدلة الشرعية الأخطاء التي ارتكبها القادة والأعضاء في مجال تفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. وقد قمت من قبل بدراسة عن كتب المراجعات، واكتشفت أن الذي دفع قادة الجماعات المتطرفة للغلو والتورط في الأعمال الإرهابية هي “آلية القياس الخاطئ والتأويل المنحرف” للآيات القرآنية والأحاديث النبوية. وقد نجحت هذه المراجعات في إقناع أعضاء هذه الجماعات، مما شجع الحكومة على الإفراج عنهم، وأصبحوا من بعد مواطنين صالحين يمارسون حياتهم العادية بغير حدود ولا قيود.

ورأى د. نبيل عبدالفتاح مستشار مركز الدراسات السياسات والاستراتيجية بالأهرام في دراسته الأوضاع الثقافية ومشكلاتها أن أحد أخطر الانعكاسات السلبية للتمدد الديني والثقافة الأصولية الإسلامية الإخوانية والسلفية وسواها في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وحتى اللحظة الراهنة، هو بروز النزعة الاحتسابية (من الحسبة) إزاء بعض الكتب والروايات ودواوين الشعر، وبعض العروض المسرحية وأفلام السينما والكتب، ورفع الدعاوى القضائية لمنع هذا الانتاج أو بهدف تحريك الدعاوى الجنائية بطريق الادعاء المباشر على بعض الكتاب والمبدعين بدعوى إزدراء الأديان، ثم تحولهم بعد تغيير بعض نصوص القانون إلى آلية الشكوى للنيابة العامة للتحقيق فيها، ورفع الدعوى الجنائية ضد بعض الأدباء والمثقفين إذا وجدت مسوغا قانونيا وموضوعيا في هذا الصدد يكفي لإقامة الدعوى إزائهم.

وأكد أن ظاهرة مطاردة الكتب والسرديات والأفراد وآراء المثقفين هي جزء من ظاهرة تمدد النزعة الأصولية الإسلامية السياسية والسلفية في المجتمع المصري، وبعضهم يقدم هذه الشكاوى لأهداف ترمي إلى ذيوع صيتهم في وسائل الإعلام المكتوبية والمرئية تحت غطاء الدفاع عن الدين ومعتقداته وثوابته من وجهة نظرهم الخاصة، ولا تقتصر هذه الظاهرة على التيار الاسلامي الواسع وإنما تأثر بها بعض الأصوليين الأقباط.

وقال إن ظاهرة الهجوم الأصولي الديني على حرية الفكر والتعبير والإبداع والتدين والاعتقاد استمرت قبل 25 يناير وفي سياق المراحل الانتقالية الأولى والثانية في ظل حكم الإخوان والسلفيين، والثالثة بعد 30 يونيو وحتى الآن، مما أثر سلبا على صورة الدولة المصرية والنخبة الحاكمة في دوائر الإعلام الغربي وبعض المؤسسات الغربية والجمعيات الحقوقية على المستوى الكوني والإقليمي والمصري.

وأشار د. عبدالفتاح إلى أن هذا الاتجاه المضاد لحريات الرأي والإبداع والتدين والاعتقاد أدى إلى تراجع بعض المثقفين عن المساهمة في الشأن العام، وإلى إشاعة الخوف بين بعضهم البعض، والأخطر إلى بروز فجوات وتوترات بين الجماعات الثقافية والدولة والنظام والنخبة الحاكمة وهو ما أدى إلى تقليص تأييد المثقفين أو تفاعلهم الإيجابي مع سياسات الحكم، وهي جزء من أزمات ممتدة بين المثقفين والدولة في ظل نظام يوليو 1952 وحتى ما بعد التطورات السياسية التي تمت في 30 يونيو 2013.

وطالب د. يسري العزباوي رئيس برنامج النظام السياسي المصري ـ مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، في دراسته “الممارسات السياسية: الواقع والمتطلبات” والتي ضمها الفصل الرابع، بإنشاء خريطة تفصيلية بأماكن انتشار التيارات المتطرفة خاصة في المحافظات على نحو يضمن الاستهداف الجغرافي لجهود الدولة، وعلى نحو يستفيد من الخرائط التي طورتها بعض المؤسسات البحثية الأوروبية مثل خريطة معهد أثينا لانتشار الجماعات والأحزاب المتطرفة، والتي تم من خلالها تحديد معدل الخطر الخاص بهذه الجماعات في أوروبا ونوع الأنشطة التي تمارسها.

وقال “من المهم أن تراعي الجهة المعنية بتصميم الخريطة تعقيدات ظاهرة التطرف وأن تقوم بإجراء مشاورات بين المؤسسات البحثية والممارسين قبل اعتمادها رسميا وتوجيه جهود الدولة للتركيز على الأماكن المحددة”.

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى