‘حرب الهوية’ .. رواية عن عالم متفجر بالصراع والعنف

عبد السلام فاروق

أثارت رواية “حرب الهوية” للكاتب خالد موافي المصري السويدي المغترب عن أرض الوطن منذ سنوات طويلة، العديد من ردود الفعل منذ عرضها للمرة الأولى في معرض القاهرة الدولي للكتاب فبراير/ِشباط 2016، حيث أقيمت لها ندوة فى المقهى الثقافي حضرها الكثير من الجمهور من رواد المقهى والعديد من المثقفين والنقاد.

ظلت الرواية تكتسب العديد من القراء وتلفت الأنظار والإشادة بها على مر الأشهر التالية لانطلاقها، ولذلك يكتسب هذا الحوار أهمية قصوى انطلاقا من كون الرواية هي العمل الأول له، الذي فاق التوقعات سواء بالنسبة للقراء أو النقاد الذين عبر عدد منهم عن آرائه إما في أحاديث تلفزيونية مصورة أو مقالات نقدية.

يشعرك الكاتب خالد موافي بحميمية أولاد البلد في الترحيب والاستقبال وطرح البروتوكولات الرسمية من التعامل منذ اللحظة الأولى، ويجيب بطلاقة عربية تتخللها بعض التعبيرات السويدية باحثاَ عن ما يقابلها بالعربية أحيانا، مما يشي بأنه عمل مترجما لفترة ما من حياته.

• قلت له في البداية كيف تقدم نفسك للقارئ المصري والعربي؟

ـ ككاتب وكإنسان أنا مصري هاجرت إلى السويد منذ الثمانينيات، واكتسبت الجنسية ولازلت أعيش هناك ولا زلت أكتب وأفكر كمصري عربي فى الغربة مهموم بقضايا ومشكلات الوطن، وكأني أعيش الحياة اليومية بتفاصيلها الدقيقة، دقيقة بدقيقة، حتى أنني أحيانا أصحو من النوم متصورا أنني في مصر ولا يردني للسويد إلا الصقيع والبرودة الصباحية التي علي اجتيازها للذهاب الى العمل.

• قدمت رواية “حرب الهوية” الصادرة عن دار سنابل للنشر، للقارئ العربي التي أشاد بها النقاد، وأحدثت ردة فعل إيجابية لدى القراء، أعلم أنها روايتك الأولى كما أنها من حيث الطول والامتداد الزمني تعتبر كبيرة وأتساءل عن المدة الزمنية التي أتممتها فيها؟

ـ الواقع أن الرواية استغرقت حوالى العام لوضعها على الورق ومراجعتها وحبك التفاصيل، لكنها كانت مشروعي على مدار خمس سنوات سابقة على ذلك، قرأت الكثير ووضعت عددا من التصورات للكثير من تفاصيلها في العقل أولاً وعلى مهل، حتى أنني في مرحلة ما تصورت أنني لن يتسنى لي كتابتها ووضعها على الورق لانشغالاتي الكثيرة فى العمل والحياة، حتى جاءت لحظات تخليق الإبداع الفكري ووضعه في الإطار الطبيعي له، وكما يقول العرب – شيطان الشعر أو بنات الأفكار – فحدث الوضع بطيئا ولكن فعالا وناضجا والحمد لله الرواية تكتسب مؤيديها.

• وماذا تعني الهوية في نظر البطل الذي اخترتة في روايتك؟

ـ جزء من أزمتنا في تاريخنا‏ المعاصر,‏ عدم امتلاك شباب اليوم هويته‏، الشيء الذي تم زراعته ورعايته في بطل الرواية منذ الصغر فعرفه وحافظ عليه وافتخر به، بل سعى لإعلائه دائما في حياته.

والشاب اليوم في كثير من الحالات لا يعرف إلاما ينتمي، وما تعريفه‏ الحالي فى ظل العولمة وطغيان الأفكار الغربية على كل تراث الإنسانية، فقد أهملنا تدريسه اللغة التي هي لب التاريخ الخاص به، فليس التاريخ وقائع بل فلسفة انتماء لوطن وأمة، وليس منها إتباع ما يقوله الغرب وعقولهم مهما كانت فذة أو لامعة، فالتفكير هو الفيصل الإنساني الأبرز، وليس الإتباع الأعمى، فكلمة “هوية” تعني حقيقة الشيء التي تميزه عن الآخرين, والفلاسفة يزيدون على ذلك بأنها إحساس الإنسان بفرديته ومحافظته على قيمه وأفكاره في المواقف العديدة التي تقابله فى حياته. وعلاقته بالجماعة وما ينتمي لها وما ينميه ويستثمره فيها أو تلك التي يختلف معها وعنها. ثم يصبح التعليم والثقافة والخطاب السياسي والاجتماعي والأخلاقي والديني من مكونات الهوية للفرد به يتمسك أو يتخلى فيذوب ويصبح مسخاً بلا ملامح ولا قالب.

• لذلك حرصت على أن تقول للقارئ مدى اهتمام الدولة في السويد بتدريس لغتها رغم أنها لعدد من السكان محدود جدا في مقابل أوروبا التي تموج باللغات والثقافات؟

ـ بالطبع أردت أن أوجد الصور المختلفة والمتقابلة لكي يعي القارئ الذكي أهمية وضرورة الحفاظ على أرثه اللغوي وكيانه العربي ومعرفته بلغتة جزء من شروط البقاء والتقدم والرقي، من هنا تأتي الهوية التي نتحدث عنها، تلك التي يمكن لنظام التعليم لدينا أن يكونها. التعليم الحكومي السويدى يصنع هوية الفرد هناك، ويقود الانتماء القومي والإحساس بالوطنية ولديه وضوح في الهدف والرؤية تلك التي كانت فى مصر حتى السبعينيات ثم خبت رويداً وانطفأت شعلتها وحرارتها لأجدها بعد عودتي للوطن وقد أصبحت في برودة الأموات، وأنا الغيور على بلدي مصر، وأحبها بكل ذرة في كياني، ولا أرضى أن تقتل أو تستباح قوميتها تحت أي مسمى أو دعاوى تطور.

التعليم الخاص يجب أن يخضع لسياسات الدولة ووضوح الرؤية، وكذلك التعليم الدولي (الانترناشونال) الذي يخلق جيلا غير مرتبط بالواقع الذي يعيش فيه في مصر، ويخلق فجوات تتسع مع باقي الأفراد في المجتمع، وقد فوجئت فعلا بحجم الفوضي غير الطبيعي الذي ضرب مؤسسات التعليم في مصر، وحاولت أن أكتب ذلك في روايتي “حرب الهوية” مع الإشارة إلى جيل الثورة أيام عبدالناصر ورفاقه، حيث كانت مصر رقم 12 عالميا في جودة التعليم وكفاءته سابقة كل دول المنطقة ومتغلبة على إسرائيل بحكم الكثافة العددية.

• هل يعنى ذلك أن في وسط أحداث الدراما التي يقع فيها بطل الرواية “حرب الهوية” هناك روشته لعلاج سوء التعليم فى مصر؟

ـ هذا سؤال مراوغ تماما،ً فالرواية قد ترصد الواقع وليس من وظائفها إيجاد أو وصف الحلول وإلا أصبحت غير منتمية لجنس الأدب الروائي بآلياته الفنية المختلفة، ولكنني أيضا تركت مساحة لتفكير القارئ ومحاولات لكسبه لصف إيجاد حلول عملية يفيد منها هو شخصياً في إصلاح ما أفسده الآخرون وهو ما يتفق مع أفكار بطل الرواية وعالمه السحري الواقعى المتخيل، فالبطل يعدل علي السويدين من داخل المنظومة التي لا يرفضها، ولكنه يديرها لصالح الأفضل والإقليم حتى أن بعض المدارس تـقلده فيما بعد، ويكون هو أول من فعل ذلك مثال مثلاً {حمامات السباحة للبنات فقط أو الصغار تماماً والتي تحمى طفولتهم وتتسق مع أهداف التعليم السويدي}.

• يطرح هذا الذي قلته تساؤلات حول مساحة الحقيقي والخيالي في القصة، وهل هو عمل خيالي أم سيرة ذاتية في قالب روائي كما قال غير واحد من النقاد؟

ـ أنا فخور بإنجاز رواية “حرب الهوية” وفخور باحتفاء أبناء مصر بي وبروايتي تلك لدرجة أنني لم أهتم كثيراً تساؤلات الناس هل هي قصة واقعية أم رواية متخيلة، ولأول مرة في حياتي كانت دموعي أقرب للنزول حين اعتليت المنصة اللقاء في ندوة الرواية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وأنا أرى جموع القراء ولهفتهم للقائي، وبالطبع أنا اغتربت لمدة طويلة جداً وأعود لأحضان أمي مصر وبين أخوتي وهم يستقبلونني بالاحتضان.

لم أشعر بأن النقاد وهم يشيرون إلى أحداث الرواية ويحللون فصولها إلا معلقين على مسيرة حياتى وراصدين لما أنجزت على مدار سنوات الغربة وكفاحي فيها محاولا أن أكون جديراً بالأرض التي أخرجتني من بين أبنائها لأكون ندا للإنسان الغربي، ومقارعاً له وسواء عندى تصورات القراء والنقاد، وهذا يعطيني فكرة عن مدى النجاح الذي صادف موضوعها وأبطالها لدرجة أن يكون القارئ على صلة بهم فى الواقع ويحسبهم من دم ولحم وهم من كلمات وأحرف على الورق.

• أفهم من ذلك أن البطل غير المؤلف، وأن الأسلوب السردي الذي أتبع في العمل مقصود لذاته، وليس لذات الراوي دخل مباشر إلا في حدود معينة؟

ـ بالتأكيد .. بدليل أن القارئ يعلم الأحداث في ذات توقيتات معرفة بطل العمل لها دون أن تكون هناك أى إشارات قبلها لما قد يحدث، هذا أسلوب الدهشة والمفاجأة وعند التفكير وتأمل المواقف جيداً يستطيع القارئ أن يرى أن هناك تمهيدا منطقيا تماماً ومعقولات تؤدى إلى ذروة الأحداث، فلا تفقد المتعة وتحتفظ بالمنطقية التي تميز الأعمال الاجتماعية ذات المدلولات الثقافية والسياسية، هكذا لفتت الرواية بأسلوبها غير المعتاد أنظار القراء من الجمهور والنقاد المتخصصين، واكتسبت الشعبية اللازمة لها للاستمرار؟

• يقول الناقد د. مدحت الجيار إن رواية “حرب الهوية” فى إصدارها هذا هي عبارة عن الجزء الأول من رواية متعددة الأجزاء، وأنه لاحظ بروز ذلك في العمل، ويتوقع أن يكون هناك جزء آخر على الأقل؟

ـ هل تقصد أن العمل لم يقل كل شيء أردت قوله، أم أن هناك إمكانيات إكمال العمل فى جزء آخر يكون ما بين أيدينا مطبوعاً الآن أساسا له فى المستقبل؟

• يمكن أن تقول إن سؤالى خليط من المعنيين الذى تفضلت بتوضيحهم؟

ـ فيما يتعلق بأنني أردت أن أقول أشياء معينه في سياق الرواية، فذلك نعم وإن لم انتهِ، فالهوية لا يمل ولا يكف البحث عنها، ولا يمكن أن تعالج في عمل واحد مهما كبر واتسع.

وأنا أعتقد أن الهوية شيء مقدس للدول والشعوب، وبغيرها تذوب في كيانات أخرى ولا يصبح لها وجود، وحرب الهوية حرب وجود، ومن يتخل عنها خائن لإنسانيته قبل أي شيء آخر، كما أن صور الهوية متعددة، وتظهر في حالات القوة والضعف على السواء، أما فيما يختص بجزء ثان فمن المحتمل ذلك، ولكن أنا بصدد عمل آخر ورواية جديدة، ولن أفصح عن أفكارها ولا مضمونها، فذلك على الأقل ما تعلمته في الغرب الأوروبي أن أتم ما أنا بصدد إنجازه من عمل حتى يظهر في التوقيت المناسب ويصنع الدوي الذي خطط له.

• كيف تصف الأدب السويدي، وما رؤيتك للثقافات الاسكندنافية على وجه العموم؟

ـ السويد جعلت من نفسها ناقدا مانحا للجوائز العالمية في مجالات الأدب والفكر والعلوم، وذلك بفضل جائزة نوبل التي ارتدت ثوب المصداقية العالمية لسنوات كثيرة، ولم يؤثر فيها انحرافاتها المعيارية في أوقات معينة نحو السياسات المخططة أو إرضاء الدول الكبرى والتي تستغل الجائزة، وأحيانا تطوعها لأهدافها.

وعلى الرغم أن كل شيء قابل للنقد البناء فإن الاعتراف بما فيه من مميزات لهو من الإنصاف والعدل وحسن الإدراك، وقد عرفت وخبرت أشياء عن قرب منها أن الأدب الاسكندنافي من الآداب المهمة والراقية في العالم المعاصر، ولذلك نحن لا نزال نتحدث عن أعمال هنريك إبسن لتكتسب النرويج مكانة وتأثيرا في الأدب الغربي الحديث.

في القرن العشرين حصل ثلاثة من أدباء النرويج المبرزين على جائزة نوبل للآداب وهم: كنوت همسون، بيورنستيرن بيورنسون وسيجريد أوندست، أما في السويد فهي ثالث دولة يحصل أدباؤها على جوائز نوبل مثل توماس ترانسترومر، 2011 إيفند يونسون 1974هاري مارتنسون، 1974، نيلي زاكس 1966، بار لاجركفيست، 1951 إريك أكسل كارلفلت 1931 فرنر فون هايدنستام 1916 سلمى لاجرلوف 1909.

وأود أن أشير هنا إلى أن الأدب السويدي أدب يقبع على حدوده العديد من الأمم التي تتميز بالثقل النوعي والحضاري والثقافي الكبير، بثقافتها الخاصة والقوية، فالروس بميراثهم الحضاري والثقافي الكبير ثم الألمان ثم الإنجليز، ولذلك يبدو الأدب السويدي محاصراً رغم تميزة وخصوصيته وتفرده، ونحن نعلم عنه أشياء لكنها قليلة لو قورنت بالآداب والثقافات الأخرى الأشهر، فمثلا هناك مراكز ثقافية ألمانية وفرنسية وروسية وانجليزية في مصر لها شهرة ورواد كثر ومعرفة الناس بهم تكاد تكون مشهورة. في المقابل، لا يوجد شيء يمثل السويد وأدب الاسكندناف إلا أحداث توزيع الجائزة سنويا، وما يعلمه المشاهدون من بطولات الفايكنج الخارقة أو القرصنة التي تتطوع الأفلام الأميركية في بثه من خرافات وتشويهات لثقافات الأمم الأخرى، ثقافة تتحدث عن الماضي من دون الحاضر، آمل أن تتغير هذه الصورة في المستقبل.

وأحب أن ألعب دوراً ما في تعريف القارئ المصري والعربي بالأدب السويدي الحديث، وأن أكون جسرا من جسور التواصل الحضارى بين مصر بلدي الحبيب والسويد بلدي المختار، فلدى السويديين أرقي تعليم وأحسن رعاية صحية وأكبر مظلة تأمينات اجتماعية، كما أنهم برعوا في العمل الجماعي ومحاولات تطويع صرف الأموال لصالح الشعب، وهم أقل الأجهزة الحكومية فسادا في طول أوروبا وعرضها وربما العالم، ولديهم أجهزة قوية للرقابة، كما أن سياستها متوازنة إقليميا وعالميا برغم أنها جزء مهم من التكتل الصناعي الغربي العالمي والاحتكارات، وتنحي كثيرا المنحى الانحيازي للمعسكر الغربي بميوله وأطماعه الكبرى في العالم المعاصر، لكنها رغم ذلك فإن السويديين لديهم في تجربتهم الكثير من الأشياء التي يمكن أن نتعلم منها ونفيد ونستفيد.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى